كتب : عدلي صادق
استحقت شركة “جوال” الفلسطينية للاتصالات الخليوية، كل ما قيل ضدها من أهالي فلسطين، علماً بأن توحشها تراجع كثيراً عن المعدلات التي كانت عليها، في سنوات التشغيل الأولى. ولعل سبب بعض التخفيف – ربما خجلاً – هو كون أسعار الاتصالات في العالم الأول، هبطت إلى ما دون الـ10 في المئة من أسعارها في فلسطين. غير أن “جوال” ليست إلا جزءاً من منظومة اقتصاد أوسلو، التي لم يصبر مؤسسوها حتى يعرف شعبهم رأسه من رجليه اقتصادياً. فقد هجم أرباب الأعمال – ومعظمهم موصول بالطبقة السياسية – كالأسود الجائعة، للاستحواذ على أسهم الشركات الربحية، وتوافقوا مع الممسكين بالنظام السياسي، على اعتماد نمط الاقتصاد الريعي، وهذا الذي شجع شركة “جوال” وغيرها على اعتصار الناس دون وازع.
ففي سياقات الريوع لا سياقات الأرباح التجارية الطبيعية؛ لن يكون هناك سقف للاحتكار ولا مجال لمراعاة ظروف الناس. بل إن مثل هذا الاقتصاد، يفتح الباب لأن يضع المتربحون أيديهم على السوق والمنافذ والأسعار، لكي يأخذوا كل شيء لصالح رفاهيتهم، وتتواطأ معهم سلطات لم تفلح في رفع مستوى الخدمات التي كانت أيام الاحتلال، بل أنقصت منها، ولم تفكر حتى في التنمية الاضطرارية للقطاع الصحي، ولو من باب الحفاظ على المال الذي بين يديها، لوقف النزف الشهري لسداد أكلاف تحويلات العلاج في إسرائيل والخارج.
عندما اختطفت حماس الحكم في غزة، زادت الطين بِلة، فجرى تثبيت منهجية الربح والريوع في كل قطاعات الحياة، علماً بأن حركات التحرر التي انتصرت وحكمت، وفرت لشعوبها التي دفعت ثمن حريتها دماً؛ الطبابة والتعليم الجامعي المجاني، والمياه النقية والكهرباء والصرف الصحي وغير ذلك. ففي كل بلد يحكمه متخلفون وذوو عُقد نقص وعميان بصيرة، تُعطى الأولوية للسيارة الفارهة أو ذات الدفع الرباعي، ولترف المكاتب والسكرتاريا والسفر والفنادق والنثريات والمآدب، ولكافة الجوانب التي تعطي الانطباعات بالأهمية والفخامة، وهي انطباعات لا تصدقها الطبائع!
كانت المنهجية الاقتصادية – ولا تزال – أردأ من المنهجية السياسية، علماً بأن المساعدات العينية والمالية، التي حصلت عليها فلسطين من الدول المانحة؛ بلغت أضعاف ما تلقته دول يزيد عدد سكانها خمسة أو عشرة أضعاف عن عدد السكان في الضفة وغزة. لكن المصيبة كانت في الطبقة السياسية فاقدة التأهيل. والأدهى، أن العنصر “الإسلامي القوي الأمين” حسب زعمه؛ عندما استحوذ على الحكم في غزة، أظهر عطشاً مجنوناً لكل ما تبغدد فيه الطرف الخاسر، ليصبح الجشع أكثر قسوة وضراوة وافتضاحاً!
بناء عليه، فإن حكاية “جوال” تتطلب تجوالاً فاحصاً لكل المشهد، ورؤية جديدة، تتطلب عزماً وعملاً وفهماً لفلسفة العمل الوطني، وهذه افتراضات لا رهان فيها على المصابين بعمى البصيرة.
نقلا” عن العرب اللندنية