كتب : محمد السلمي
يتحدّث كثيرون هذه الأيام، وغالباً في إطار تفكير رغبوي، عن تحوّل كبير متوقَّع في العلاقات السعودية – الأميركية خلال فترة الرئيس المنتخب جو بايدن، وأن العلاقات بين واشنطن والرياض ستشهد ربما حالة أسوأ من حقبة الرئيس السابق باراك أوباما، لا سيما أن بايدن قد عمل تحت إدارته وكان مقرَّباً من مشاريع الإدارة آنذاك، ولا يزال مرتبطاً بعلاقة وثيقة به، كما أن الرئيس السابق لعب دوراً كبيراً في حثّ الناخبين على التصويت لمصلحة ابن الحزب بايدن.
كذلك من غير المستبعد أن يستعين بايدن في حكومته القادمة ببعض السياسيين الذين عملوا تحت إدارة أوباما. علاوة على ذلك، ظهرت تسريبات صحافية تتحدث عن استعانة بايدن بخمس شخصيات أميركية من أصول إيرانية، في مناصب مختلفة، وإن كان أغلبها من غير مناصب الصف الأول، وذلك على نمط إدارة أوباما الذي قرّب شخصيات من أصول إيرانية، إذ كان أكثر من ثماني شخصيات أميركية من أصول إيرانية تعمل في البيت الأبيض، وكانت لإدارته علاقة وثيقة مع اللوبي الإيراني في واشنطن المعروف بـ”ناياك”، أثّرت في مواقفه من النظام الإيراني.
في ظل كل هذه السرديات الداعمة للفرضية التي تتوقع توتراً أو تحولاً سلبيًّا في العلاقات السعودية – الأميركية، يمكننا القول بكل جرأة وثقة إن العلاقة مع بايدن بطبيعة الحال لن تكون بالزخم ذاته الذي شهدته في عهد ترامب، ولاعتبارات مختلفة، لعل أولها حقيقة أن السعودية كانت أول محطة خارجية للرئيس ترامب بعد وصوله إلى البيت الأبيض، كما شهدت العلاقة تناغماً كبيراً في كثير من الملفات الاقتصادية والأمنية والسياسية والجيوسياسية، ما يُعَدّ حالةً ربما يمكن وصفها بالاستثنائية في العلاقة بين البلدين.
لكن إذا ما نظرنا إلى الصورة الأكبر والأشمل واستعرضنا تاريخ العلاقات بين الرياض وواشنطن والمصالح المشتركة على مدى أكثر من سبعة عقود، فإن إدارة بايدن لن تكون استثناءً أيضاً.
فالمملكة العربية السعودية ليست جمهورية موز ولا دولة هامشية، بل تحظى بثقل اقتصادي وسياسي كبير عالميًّا، وهي أبرز المصدّرين للطاقة والمستحوذين على أكبر احتياطيات النفط في العالم، كما أن المكانة الروحية للمملكة واحتضانها الحرمين الشريفين يمنحانها ثقلاً دوليًّا كبيراً وفريداً على مستوى العالم.
بالإضافة إلى ذلك، تشكّل الرياض نموذجاً دوليًّا متميزاً في محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه الفكرية والمالية، وأكبر المساهمين الدوليين في برامج مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة.
إلى جانب ذلك، تدرك الولايات المتحدة الأميركية ثقل السعودية في ما يتعلق بأسعار الطاقة على مستوى العالم، ونتذكر جميعاً رسالة شركات النفط الصخري الأميركية إلى الرئيس ترامب التي طلبت فيها أن يتحدث إلى السعودية للعمل على رفع أسعار الطاقة لتصل إلى معدلات تخدم الجميع، لا سيما أن تكلفة استخراج النفط الصخري تبلغ أضعاف تكلفة استخراج النفط الطبيعي، وعليه، يتضح مدى تأثير الثقل السعودي على الاقتصاد الداخلي الأميركي.
إن تطوّرات المنطقة خلال العقد الماضي التي راهنت عليها إدارة أوباما كثيراً، سواء موجة ما يُسمَّى “الربيع العربي”، ودعم الإسلام السياسي المتمثل في جماعة “الإخوان المسلمين”، أو مستجدات العلاقات العربية – الإسرائيلية، ستجعل من المستحيل عودة الساعة إلى الوراء، كما أن كثيراً من الملفات والقضايا التي كانت جدليّة في تلك المرحلة أصبح أكثر وضوحاً أمام الشارع العربي عموماً والسعودي خصوصاً. وعلى المستوى الداخلي السعودي، خَطَتِ الرياض خطوات إصلاحية كبيرة على الأصعدة كافّة خلال السنوات الخمس الماضية، وكثير من القضايا التي كان الديموقراطيون يدندنون بها أصبح من الماضي.
تاريخيًّا، يركّز الديموقراطيون الأميركيون واليسار عموماً على ملفات محددة، مثل ملف حقوق الإنسان، والدفع نحو المفاوضات والتسويات السياسية الإقليمية من دون تقديم حلول جذرية لتلك القضايا، بل الهدف الأساسي في الغالب هو تسجيل إرث ومكتسبات ضيقة للسجلّ التاريخي فقط، وهو الخطأ الكبير الذي ارتكبته إدارة أوباما، ونرجو أن تستفيد الإدارة القادمة من تلك الدروس المجانية لتجنُّب دفع المنطقة نحو مزيد من الصراعات.
خلاصة القول، تملك الرياض القدرة الكافية للدفاع عن مصالحها وبناء علاقات جيدة مع الإدارة الأميركية القادمة، كما هي حال معظم الإدارات الأميركية السابقة. مع ذلك، لا أتوقع تحوُّلاً كبيراً في العلاقات السعودية – الأميركية في عهد بايدن، الذي سيكون لمدة أربع سنوات فقط، كما أن إدارته ستكون مشغولة تماماً بمعالجة الملفات الداخلية وتبعات جائحة كورونا والعمل على ترميم العلاقة مع الحلفاء الأوروبيين. وبخصوص إيران، قد تسعى الإدارة الجديدة للوصول إلى اتفاق جديد حول البرنامج النووي الإيراني، لكن هذا الاتفاق لن يكون بمعزل عن مشاورات مع الحلفاء الخليجيين، بخاصة السعودية، كما أن موقف بايدن من السلوك العدائي الإيراني وبرنامج طهران الصاروخي ينسجم بشدة مع الموقف السعودي.
إلى جانب ذلك، يتبنى بايدن موقفاً حازماً من المشروع التركي/الأردوغاني، على الجبهتين الأوروبية والليبية، وهذا أيضاً يتماهى مع المطالب السعودية. كذلك لا أستبعد، على عكس كل ما يقال في وسائل الإعلام، تطوراً إيجابيًّا كبيراً في العلاقة وعقد صفقات كبرى بين الدولتين الحليفتين.
ختاماً، علينا أن نتذكر دائماً أن تصريحات الحملات الانتخابية يجب عدم أخذها بجدية كبيرة، إذ تُطلَق في المقام الأول لإقناع الناخب، ولعل مقارنة تصريحات الرئيس ترامب الشهيرة ضد المملكة خلال الحملة الانتخابية، مع مواقفه بعد وصوله إلى البيت الأبيض، خير شاهد على ذلك، وهو في الواقع ديدن مثل هذه المراحل التاريخية، ولقد كانت تسمية السفير السعودي السابق في واشنطن الأمير بندر بن سلطان لفترة الحملات الانتخابية بـ”the silly season” أو “الموسم السخيف”، أكثر دقة وأقرب تعبيراً في هذا الصدد.
*رئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
نقلا” عن العربية نت