كتب : د. عيدروس نصر
بغض النظر عن رضانا أو عدم رضانا عن تنظيم الإخوان المسلمين فإن اتساع مساحة الدول والمنظمات التي لا تنظر إليه وإلى فروعه إلا كمنظمة إرهابية تعود إلى اعتبارات كثيرة هي ما يدفع هؤلاء إلى مزيد من القناعة بهذا التوجه، ويمكننا أن نستعرض بعضاً من هذه الاعتبارات على سبيل المثال لا الحصر.
إن حركة الإخوان المسلمين ومنذ نشأتها الأولى في مصر في نهاية العقد الثالث من القرن العشرين أنشئت على أساس العقيدة (الجهادية)، وإذا كان مسمى الجهاد هنا يحمل أكثر من تأويل من وجهات النظر المتباينة التي من بينها “جهاد النفس”، فإن هذا النوع من الـ”جهاد” لا يدخل في قناعات وتعاليم هذا التنظيم إلا كمواضعة إعلامية عندما تقتضي الضرورة تناوله في خطب الجمعة والعيدين، كما إن الشعار المرسوم على أعلام ومطبوعات ومقرات المنظمة الأم (في مصر) يختصرونه بمفردة “وأعدوا” وهو اختصار للأية الكريمة ” وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ” . . .إلى آخر الآية الكريمة، من سورة (الأنفال)، مصحوبة بالسيفين المتقاطعين، يمثلُ إشارةً إلى عدم انقطاع المواجهة المسلحة والتمسك بنهج القتال لـ”إرهاب” الأعداء.
وهكذا فإن عقيدة “الجهاد” التي ضمَّنَها النص الديني محتوى واسعا من المستويات والدرجات يختزلها مرشدو وموجهو وآيديولوجيو الحركة الإخوانية بمقاتلة المخالف في الرأي والرؤية والعقيدة والثقافة والفكر، بل وحتى لو كان الاختلاف في إطار العقيدة الإسلامية الواحدة التي يدعي الإخوانيون بأنهم حراسها ومترس الدفاع عنها وأنها دليلهم الفكري والإرشادي والعقائدي.
إن العدو الذي يرفع الإخوان شعار إرهابه، يمكن اختزاله في أي مجموعة أو فئة من البشر أو في بلد أو شعبٍ من الشعوب، أو ديانةٍ أو ملةٍ أو قومية طالما صنفه المرشد العام وبقية هيئات التنظيم القيادية ككافر ينبغي مقاتلته وقتله.
إن أفضل فترات انتعاش عمل الإخوان المسلمين كانت على الدوام فترات الاضطرابات السياسية والاجتماعية، وعدم الاستقرار الذي حتى وهو يتصل بالمطالب العادلة للشعوب والمواجهة بين الشعوب وطغاتها، وحينما لا يكون للإخوان يد في هذه المواجهة فإنهم ما إن يحسوا بعلامات نجاح هذه المطالب حتى ينطوا إلى مقدمتها ليحرفوها عن مسارها وتوجيهها باتجاه أهدافهم السياسية واتخاذ منها وسيلة للبحث عن شعبية يفتقدونها وتسجيلهم حضوراً كان باهتاً ومن ثم الوصول إلى السلطة حتى ولوا كانوا متحالفين بالأمس القريب مع نظام الطغيان الذي ثار الشعب في مواجهته ، وما تجربة فترة ثورات الربيع العربي عنا ببعيدة.
إن كل الأجنحة والتيارات الــ(إسلامية) المتطرفة قد نشأت وتكونت تحت عباءة الإخوان المسلمين وحينما انسلخت شكليا عن هذا التنظيم وبدأت في ممارسة الأنشطة الإرهابية، لم يصدر الإخوان المسلمون في التنظيم الأم أي بيان أو تصريح أو حتى مقالة أو منشور يبين موقفهم من تلك الأجنحة، منذ تنظيم “التكفير والهجرة” في مصر منتصف الستينات من القرن الماضي حتى داعش والقاعدة وأنصار الشريعة وأنصار بيت المقدس في العقد الراهن من قرننا الراهن، بل لقد ظلت قيادات الإخوان وفروعها في البلدان العربية والإسلامية على اتصال مع قادة التنظيمات الإرهابية والبعض أعرب عن الولاء أو الدعم لهؤلاء القادة في السر وأحيانا في العلن.
وعلى الهامش يمكننا الإشارة إلى أن الحركة قد لعبت وفروعها أدواراً كبيرةً في ظاهرة من سمي بـ”غسيل الأموال” في سبيل تنمية مواردها المالية وتكوين ثروات ضخمة على الصعد المحلية (في كل إقليم) والدولية لتسخيرها في الاستثمار، بل ولاستخدامها في كثير من الحالات في تموين الأنشطة التي تتصل إلى هذا الحد أو ذاك بالعمليات الإرهابية، ومن منا لا يتذكر شركات توظيف الأموال في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وظواهر الريان وما شابهها من أساطين المال والأعمال المشبوهة ذات الخلفية “الإسلامية السياسية”، وهي ظواهر وسلوكيات وسياسات لا تتناقض فقط مع الدساتير والقوانين المعمول بها في بلدان تواجد الحركة، والتي تعلن (تدليسا احترامها لها)، ولا مع الأخلاق والقيم في مجتمعات نشاط الحركة، لكنها تتناقض مع نصوص وتعاليم الدين الإسلامي الذي تدعي الحركة أنها الحارس الأول عليه، حيث يقوم هذا السلوك على النصب والاحتيال والغش والكذب والخديعة، وهو يمثل سرقة معلنة لأموال البسطاء والمخدوعين في إطار خلفية فكرية لا تختلف عن مبدأ “الإحلال والاستحلال” الذي رفعته جماعة “التكفير والهجرة” في ذروة انتشارها ونشاطها.
أما في التجربة اليمنية فتبدو الحالة أكثر وضوحا وتجليا، مما هي عليه في أي قطر آخر، فإذا كان المصريون يأخذون على الرئيس الإخواني السابق محمد مرسي (الله يرحمه) أنه خاطب أيمن الظواهري بقوله “يا مولانا” من خلال الاتصال المباشر بينهما، كما سربته المخابرات المصرية، فإن أساتذة ومعلمي بن لاذن وأيمن الظواهري وغيرهم من قيادات القاعدة، قد خرجوا من اليمن وهم من ألمع النجوم في حركتها الإسلامية، ومنهم من قضى عدة سنوات في أفغانستان، ولم يكن في رحلة سياحية هناك، كما يعلم الجميع وقد جاءت حرب 1994م ضد الجنوب لتبين أمرين هامين:
الأول: أكذوبة أن الإخوان المسلمين يعارضون نظام الحكم في اليمن، بل إن ميزة الإسلام السياسي في اليمن أنه نشأ وتنامى في كنف أجهزة مخابرات السلطة، ويكفي أن نعلم أن من كبار قادة حزب الإصلاح اليمني هم بعضٌ من كبار ضباط الأمن الوطني (الذي سمي لاحقاً بـ(الأمن السياسي) بعد العام 1990م (وهناك تفاصيل في هذه الجزئية نؤجل الحديث عنها إلى اللحظة المناسبة).
والثانية: أن حركة الإخوان في اليمن، وبقيادة وإشراف قوى عسكرية نافذة هي من قاد ونظم عمليات ترحيل الشباب اليمن إلى أفغانستان خلال الثمانينات من القرن الماضي، ثم استعادة ما عرف بـ”الأفغان العرب” من أفغانستان إلى اليمن للقيام بالعمليات “الجهادية” في اليمن الجنوبي، حتى بعد أن صار جزءً من الجمهورية اليمنية بعد العام 1990م، وقد أوضح الكثير من هذه التفاصيل المسؤول المالي للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، يوسف ندا في مقابلاته المطولة مع مذيع قناة الجزيرة الإعلامي أحمد منصور ضمن برنامجه “شاهد على العصر” ، حيث تحدث عن عمليات (نقل المجاهدين ) من أفغانستان إلى اليمن بعد إسقاط (الشيوعية) في أفغانستان وذلك لإسقاط (الشيوعية) في جنوب اليمن، مستعرضاً المبالغ التي ساهمت بها الحركة وأسامة بن لاذن في دعم حرب 1994م، ونتذكر قبل ذلك كل عمليات التفخيخ ومحالاوت الاغتيال وتفجير الكنائس والمراكز السياحية في عدن وما جماعة “جيش عدن-أبين” إلا صورة مصغرة من عدة صور لتجلي ذلك الترابط العضوي بين الإخوان المسلمين، ومخابرات النظام وتلك الجماعات الإرهابية.
أما غسيل الأموال وممارسة رذيلة الغش والنهب وخداع الفقراء ونهب مقتنياتهم فيكفي أن نتذكر “شركة الأسماك والأحياء البحرية” (الإخوانية) التي حصدت من أبناء وبنات عدن ومحافظات الجنوب (دون غيرهم) عشرات المليارات، تحت هذا المسمى المغشوش، والتي أصبحت أثرا بعد عين وبقي الفقراء يعضون أصابع الندم تحسرا على مدخراتهم التي هي كل ما اكتنزوه في كل أعمارهم، ومثلها “شركة المنقذ” الوهمية التي استلبت من ميزانية الدولة عشرات المليارات مقابل وثائق مزورة لعشرات الكيلومترات المربعة من مساحات المنطقة الحرة بمنطقة كالتيكس (عدن)، وانصرف أساطينها دون أن يتركوا حتى لوحة جدارية للاستدلال على عنوان إدارة الشركة ومكان نشاطها(على افتراض أنها فعلا شركة وأن لها نشاطا ما).
الغريب في الأمر ليس كل هذا على ما فيه من غرائبية، بل إن الأغرب هو أن حركة يصنفها العالم على رأس قائمة المنظمات الإرهابية، وبدلا من العمل على نفي التهمة ومحاولة التظاهر بعكس هذا، تتمادى في القيام بالأعمال الإرهابية وقتل الأبرياء تحت مسمى “الشرعية” بل وتعد العدة للقيام بالمزيد من الأنشطة العسكرية التوسعية في مناطق ومحافظات حررها أبناؤها من إرهاب السلالة الحوثية ليأتي هؤلاء بإرهابهم بديلا عن الإرهابي المنسحب، وليس ما يدور في أبين وشبوة والتربة في الحجرية وفي مدينة تعز وغيرها مما تسمى بـ”المناطق المحررة”، ليس إلآ دليلاً على أن هذه الحركة لا تأبه لكل ما تتهم به، ولا تولي اهتماما لا لأرواح ضحايا مغامراتها ولا لسمعتها ولا لنظرة العالم ولا حتى لنظرة مواطني بلادها إليها، بل تستغل اختطافها لـ”الشرعية” لمواصلة النشاط الإرهابي المكشوف والخفي. ولكن كما يقول المثل “ليس المجنون من أكل الكيلة، لكن المجنون من قربها له”.
من صفحة الكاتب على “فيسبوك”