كريتر نت – العرب
يعطي استهداف إحدى منشآت أرامكو السعودية في جدة خلال وقت سابق هذا الأسبوع تأكيدا جديدا على مدى محدودية كفاءة أنظمة الدفاع الجوي أمام هجمات الطائرات دون طيار، والتي فرضت نفسها رقما صعبا خلال المعارك في أجواء الشرق الأوسط، وسط ترجيحات الخبراء العسكريين من أن تحل هذه المسيرات مكان المقاتلات الجوية في المستقبل نظرا لتكلفتها المنخفضة وقدرتها على تفادي أي اعتراض أرضي بسلاسة كبيرة.
مرة أخرى تثبت الطائرات المسيرة أنها إحدى الأدوات العسكرية الأكثر نجاعة في الحروب أو الهجمات، فمن أجواء الشرق الأوسط، ومرورا بأجواء مناطق النزاع في أفريقيا، ووصولا إلى المعارك في إقليم ناغورني قره باغ الانفصالي في القوقاز وجدت الدفاعات الأرضية صعوبة في مواجهتها أو حتى إسقاطها.
وبمعزل عن الاحتمالات المطروحة في قراءة الهجمات، التي تعرضت لها محطة توزيع منتجات بترولية تابعة لشركة أرامكو السعودية في جدة، وهو الهجوم الأبرز حتى الآن منذ الهجمات التي تعرضت لها منشآت نفطية في بقيق وخريص بالمنطقة الشرقية للبلاد خلال سبتمبر العام الماضي، تحولت المسيرات إلى سلاح يريده الجميع، تقريبا، في الشرق الأوسط.
وفي الوقت الذي تصاعدت فيه التوترات بين الولايات المتحدة وإيران منذ تبني طهران في شهر يونيو العام الماضي إسقاط طائرة أميركية مسيرة مخصصة لعمليات الاستطلاع، فقد كثفت جماعة الحوثي هجماتها بالطائرات دون طيار على الحدود الجنوبية السعودية طيلة السنوات الماضية.
ونجحت المنظومة الدفاعية السعودية خلال هجمات سابقة، في اعتراض صواريخ باليستية على ارتفاعات عالية أطلقها الحوثيون على مدن سعودية كانت العاصمة الرياض من بينها، لكن في ضوء طيران الطائرات المسيرة (الدرون) بسرعات أبطأ وعلى ارتفاعات أقل فمن الصعب على نظام باتريوت رصدها في وقت مناسب يسمح باعتراضها.
أنظمة دفاعية عاجزة
بينما تعاني معظم البلدان من جائحة فايروس كورونا المستجد، باتت الحروب الأهلية في سوريا وليبيا واليمن ساحات قتال للعديد من الدول، التي تدعم أطرافا محلية مختلفة.
ولقد تدخلت القوى الخارجية في تلك الحروب بتزويد حلفائها، وفي الغالب ميليشيات، بأسلحة تقليدية متطورة أدت إلى اشتداد حدة الصراعات، ولكن لم يصل أداء معظم تلك الأسلحة لمستوى ما كان يُزعم عنها.
ويقول الباحثان جون ف. باراشيني كبير الباحثين في المجال الدولي والدفاع، وبيتر ويلسون باحث مساعد في الدفاع الدولي وكلاهما يعمل في مؤسسة راند التي تقدم تحليلات وأبحاثا للقوات المسلحة الأميركية إن أكثر الأمثلة المدهشة على ذلك هو كيف كانت أنظمة الدفاع الجوي الروسية الحديثة غير فعالة في مواجهة الطائرات دون طيار والصواريخ التي تحلق على ارتفاع منخفض.
وفي المواجهة بين أنظمة دفاع جوي باهظة الثمن وطائرات دون طيار هجومية منخفضة التكلفة وصواريخ تحلق على ارتفاع منخفض، من الواضح أن كفة الهجوم هي الرابحة.
ولا تعد الطائرات المسيرة أمرا جديدا في الشرق الأوسط، حيث تستخدم وكالات الاستخبارات الأميركية والجيش مركبات جوية دون طيار في المنطقة منذ أكثر من عقد، لكن، بدأت الطائرات الصغيرة المسيرة تجد دورا متزايدا في ساحة المعركة وتؤرخ لحقبة جديدة من حرب المسيرات.
وعلى سبيل المثال، رصد التحالف العربي باليمن طيلة العامين الماضيين ارتفاعا ملحوظا في استعمال الحوثيين للطائرات المسيرة، التي لم تعد تستهدف فقط السعودية، بل توسعت أهدافها لتطال ناقلات النفط وشن هجمات متفرقة في مختلف أرجاء المنطقة في تطور أطلق صفارات الإنذار لدى الولايات المتحدة وحلفائها بشأن هذه الأسلحة.
وفي الأسابيع الأخيرة، أفادت التقارير أن الطائرات دون طيار التي قدمتها تركيا لدعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس دمرت أنظمة الدفاع الجوي الروسية قصيرة المدى بانتسير شورادس، والتي استخدمها الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر لحماية قواته.
ويقول الباحثان باراشيني وويلسون إن عدم قدرة الجيش الوطني الليبي على حماية قواته أدى إلى قلب مجرى الصراع، وهو تذكير بمدى صعوبة الدفاع الجوي في عصر الطائرات المسلحة دون طيار الرخيصة نسبيا وصواريخ كروز المنخفضة الموجهة بدقة.
والجيش الوطني الليبي ليس الوحيد الذي يواجه صعوبة في استخدام أنظمة الدفاع الجوي بفعالية، فالجيش السوري يستخدم العديد من أنظمة الدفاع الجوي الروسية، بما في ذلك أس-300 وأس-400 ونظام الدفاع الجوي العالي إلى متوسط الارتفاع هيمادس، ونظام صواريخ بوك-أم 1 ذاتي الدفع وأنظمة صواريخ أرض جو متوسطة المدى سام ونظام بانتسير شورادس الدفاعي قصير المدى.
ولكن في المقابل، دأب سلاح الجو الإسرائيلي على هزيمة هذه الأنظمة بانتظام عبر الاستخدام المشترك للحرب الإلكترونية والصواريخ المضادة للإشعاع والذخائر الموجهة بدقة.
تكتيكات ضعيفة للمواجهة
أنظمة متطورة
تم اختبار العديد من التكتيكات والتقنيات لهزيمة أنظمة الدفاع القصيرة المدى شورادس، التي استخدمت في ليبيا، فخلال حملة الجيش التركي القصيرة الشتاء الماضي في محافظة إدلب السورية تم تدمير أنظمة بانتسير وشورادس الدفاعية ونظام صواريخ بوك-أم 1 متوسطة المدى التي يديرها نظام الأسد.
ويبدو أن بعض أنظمة بانتسير السورية والليبية المدمرة تعمل في الميدان، بينما كان البعض الآخر يتحرك على مقطورات مسطحة أو يختبئ تحت حاميات عندما تم تدميرها، يوضح هذا كيف يمكن للمعلومات الاستخباراتية أن تساعد المهاجمين بتحييد هذه الأنظمة الدفاعية بسهولة.
ولم تتم هزيمة كل هذه الأنظمة فقط بسبب أوجه القصور التقنية الكامنة فيها، فقد يؤثر الوضع التكتيكي والاستراتيجي، الذي تستخدم فيه هذه الأنظمة الدفاعية الجوية على أدائها كجزء من مشروع ممول من المساعدات الخارجية المرسلة من قبل الولايات المتحدة.
وقامت مؤسسة راند بدراسة مصادر معلومات مفتوحة تسلط الضوء على أن المجندين السوريين الذين يشغّلون أنظمة الدفاع الجوي الروسية المتقدمة التي حصلوا عليها حديثًا يفتقرون إلى وقت التدريب اللازم لتشغيل هذه الأنظمة المعقدة بفعالية.
ويرى الباحثان باراشيني وويلسون أن النجاح المتكرر للقوات التي تستخدم المسيرات وصواريخ تحلق على ارتفاع منخفض لتدمير أو التخفي عن أنظمة الدفاع الجوي المتعددة في ساحة المعركة هو رسالة تحذيرية حول فعالية هذه الأنظمة ضد التهديدات الجوية الحديثة.
إيران تعلم، من خلال إخفاقاتها المأساوية في نظام الدفاع الجوي تور، الذي زودتها روسيا به، والذي أسقط طائرة ركاب أوكرانية، بأن تشغيل أنظمة صاروخية دقيقة ومتطورة يتطلب تدريبا مكثفا
وفي كل من ليبيا وسوريا، أفسدت الطائرات الهجومية دون طيار والصواريخ منخفضة التكلفة أنظمة دفاع جوية أكثر تكلفة وتعقيدا وصعبة في التشغيل.
وحتى الدول المجهزة تجهيزا جيدا مثل السعودية تعلمت من خلال الضربات الصاروخية وهجوم المسيرات على منشآتها النفطية أن الدفاع الجوي الفعّال ضد تلك الطائرات الصغيرة منخفضة التحليق أمر صعب للغاية.
وبالمثل، فإن إيران تعلم، من خلال إخفاقاتها المأساوية في نظام الدفاع الجوي تور، الذي زودتها روسيا به، والذي أسقط طائرة ركاب أوكرانية، بأن تشغيل أنظمة صاروخية دقيقة ومتطورة يتطلب تدريبا مكثفا، وحتى بعد التدريب من الممكن حدوث أخطاء كارثية.
وسوقت روسيا وشركاتها الدفاعية نظامي الدفاع الجوي هيمادس وشورادس على أنها فعالة للغاية ضد التهديدات الجوية. ومع ذلك، وكما أظهر القتال الأخير في ليبيا وسوريا، فإن شراء وتشغيل نظام دفاع جوي متكامل حديث يمثل مشروعا عسكريا صعبا حتى من الناحية الفنية، يمكن هزيمة الأسلحة الفعالة.
ولسوء حظ المدافعين الجويين حول العالم، يمتلك المهاجم مجموعة واسعة من خيارات الأسلحة الإلكترونية والحركية للحد من فعالية إن لم يكن هزيمة تلك الأنظمة الدفاعية الجوية.
ولذلك سيكون من الحكمة لدى صانعي القرار أن يوازنوا بعناية مقايضات الهجوم والدفاع لتلبية احتياجاتهم الأمنية قبل إنفاق الأموال على أنظمة باهظة الثمن ومعقدة يصعب تشغيلها ولا تعمل دائما كما يروج لها.