كريتر نت – العرب
“رسائل فيوليت جولة في حياة يهود بغداد” كتاب مذكرات يضم رسائل بعثتها فيوليت شمّاش، وهي سيدة يهودية وُلِدت في بغداد في مطلع القرن الماضي، إلى ابنتها ميرا وصهرها الصحافي البريطاني توني روكا، وضمّنتها شهادتها عن العصر الذي عاشت فيه والكثير من الحكايات والنوادر والطرائف.
وفي رسائلها تقدم شماس وصفا دقيقا لطقوس الأعياد اليهودية في بغداد وطرق إعداد الأطعمة التقليدية، وملامح الألبسة والتغيرات التي طرأت عليها في تلك المرحلة المفصلية التي شهدت عصرنة حياة أهل بغداد بعد أن استولى البريطانيون عليها، ونصّبوا فيصل الأول ملكا على العراق.
ترسم الرسائل أيضا صورة بانورامية عن صفو علاقات اليهود والمسلمين في تلك الفترة، ثم تمر على أحداث الفرهود المريعة، ومشاق رحلة الهجرة التي حملت صاحبة النص وأسرتها إلى ضفاف بعيدة شتى، قبل أن يستقر المقام بهم في العاصمة البريطانية لندن، حيث عاشت فيوليت حتى وفاتها، فيما قلبها وعينها على العراق الذي ما برح يعاني من ويلات الحروب والاضطرابات.
ونذكر أن جذور الطائفة اليهودية في العراق تعود إلى أكثر من 2600 عام. حيث كانت أكبر طائفة يهودية في العالم خارج إسرائيل. وساهم يهود العراق في بناء العراق الحديث بكل المجالات؛ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وتنامت المشاعر العدائية مع تفشي الأفكار النازية عبر راديو ألمانيا بالعربي وتشكيل “الفتوة”. وفي 1941 اندلعت أعمال بطش وقتل ونهب ضد اليهود في أول أيام عيد نزول التوراة. وحصدت أحداث الفرهود، وهي أعمال عنف ونهب نشبت في بغداد بالعراق واستهدفت سكان المدينة من اليهود، أرواح 179 يهوديا وحوالي 2000 جريح. ولم تعوض الحكومة العراقية المتضررين على الرغم من أنها أعلنت عن نيتها ذلك.
شكلت هذه الأحداث انعطافة كبرى في تاريخ يهود العراق. فقد اشتدت الملاحقات والمد القومي ضد اليهود بعد إعلان دولة إسرائيل عام 1948، وشرع اليهود في الفرار من العراق بحثا عن ملاذ آمن. وبموجب قانون في البرلمان العراقي في 1950 فتح الباب بوجه من يريد المغادرة إلى إسرائيل مقابل إسقاط الجنسية العراقية عنهم ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم.
وفي 1948 كان عدد اليهود الموجودين في العراق يبلغ 150 ألف شخص. وبعد ثلاث سنوات كان 96 في المئة منهم قد رحلوا.
وهاجر من تبقى منهم بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003، الذي دشن عقدين من العنف شبه المتواصل إلى اليوم في البلاد التي باتت تعاني من الطائفية الدينية ومن الصراعات المتواصلة.
وتفيد واحدة من الوثائق الدبلوماسية التي نشرها موقع ويكيليكس أن الجالية اليهودية في بغداد كانت تضم ثمانية يهود فقط في 2009.
وتشير إحصاءات رسمية إلى وجود 219 ألف يهودي من أصل عراقي في إسرائيل يشكلون أكبر مجموعة لليهود من أصول آسيوية.
وقد صادرت الدولة العراقية ممتلكاتهم ومنازلهم، بما في ذلك مدارسهم بينها التي كانت مفتوحة في منطقة البتاوين في وسط بغداد، التي تتداعى يوما بعد يوم بسبب الإهمال.
النزاعات التي اجتاحت عددا من الدول العربية في مطلع هذا العقد، وما رافقها من أحداث جسام وشن حملات تهجير وتطهير عرقي وديني، أعادت جميعها إلى الأذهان معاناة اليهود العرب، وأوجدت طلبا على نصوص تروي حكاياتهم، فاستجاب المؤلفون لذلك بإصدار سيل من الروايات كانت شخوصها الرئيسية من اليهود العراقيين والمصريين والشاميين وسواهم.
ودارت أحداث أغلب هذه المرويات في الأحياء اليهودية في المدن العربية، حيث اختلفت تلك الأعمال في جديتها وجودتها، وترشح بعضها لنيل جوائز أدبية مرموقة، لكن رفوف المكتبات ظلت تعاني من شح في النصوص غير الروائية، والشهادات الحية لأبناء تلك الجاليات، رغم كثرة الأعمال المنشورة لهم وعنهم بشتى اللغات الأجنبية.
ميزة رسائل فيوليت شمّاش، أنها تحمل لنا رواية امرأة يهودية عراقية عاشت في ذلك الزمن ومرّت بتلك الصعاب، وهي بسردها الحميم وأسلوبها المرح والمثير للشجون في آن واحد تتيح للقارئ العادي من شتى الأعمار والمشارب، وكذلك المؤرّخ والباحث الأكاديمي، نصّا سلسا مشوّقا يشبع فضولنا لمعرفة حقيقة ما حدث وتفاصيله.
ونذكر أن كتاب “رسائل فيوليت جولة في حياة يهود بغداد”، صدر أخيرا عن الدار العربية للعلوم ناشرون، قام بترجمته إلى العربية عن النص المنشور بالإنجليزية بطبعتين بعنوان Memories of Eden، المؤلف العراقي/ النيوزلندي والمهندس المعماري علي شاكر.