كريتر نت – العرب
بتنفيذها عملية اغتيال المسؤول الأول عن المشروع النووي الإيراني والقيادي في الحرس الثوري اللواء محسن فخري زادة، تكون إسرائيل قد وسعت من دائرة تصفية المتنفذين في القرار النووي الإيراني ورسمت حدا “بشريا” يترافق مع الحدود التقنية التي يفترض أن تلتزم بها طهران في اتفاقياتها مع المنظمة الدولية أو الاتفاق الذي نقضه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وجاء اغتيال العالم النووي فخري زادة كضربة جديدة للمشروع الإيراني، إذ سبقت اغتياله عمليات إسرائيلية مشابهة استهدفت علماء آخرين، ومهاجمة منشآت نووية تحت الأرض بأفراد أو بهجمات معلوماتية وسرقة ملفات حساسة، في حين تكفلت الولايات المتحدة بتصفية الجنرال قاسم سليماني ومساعده العراقي أبومهدي المهندس مطلع عام 2020 بضربة جوية بالقرب من مطار بغداد.
وتواصل إسرائيل بدورها حربا واسعة على التواجد الإيراني في سوريا والقسم الغربي من العراق، إذ تستهدف تجمعات من “الخبراء” الإيرانيين الذين يوجهون الجهد الصاروخي وكتائب من المتطوعين العراقيين والإيرانيين والأفغان ويدعمون قوات الأسد في الحرب الأهلية شمال سوريا، في حين تواصل الطائرات الإسرائيلية مهاجمة تشكيلات فنية وعسكرية إيرانية – لبنانية جنوب سوريا وبالقرب من هضبة الجولان.
وكشفت العملية التي تم فيها اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة بالقرب من العاصمة طهران، نقاط ضعف الأمن القومي الإيراني، كما أكدت العملية السرية الجريئة بشكل واضح أن إسرائيل مصممة على إذلال القادة الإيرانيين بتذكيرهم بضعفهم.
وتعزو مصادر استخباراتية دولية نجاح العملية الإسرائيلية إلى نجاح الموساد الإسرائيلي في تطوير سجل معلوماتي دقيق عن المواقع النووية الإيرانية والكادر الذي يقف وراء تطويرها.
وتضع عملية اغتيال “أبي القنبلة النووية الإيرانية” طهران أمام خيار مؤلم بين مُطالبة الطبقة المتشددة بالرد السريع على إسرائيل، أو التأني لحين انتقال الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن إلى البيت الأبيض.
وسبق أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن نجاح فريق من الكوماندوز الإسرائيلي في اختراق قبو مستودع يخضع لحراسة مشددة في إيران ونهب 5000 صفحة من الأوراق السرية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.
واستشهد نتنياهو في أبريل من عام 2018 بمحتويات الوثائق المسروقة في بث تلفزيوني وكشف أيضا عن صورة لفخري زادة، ملمحا إلى خطط مستقبلية جريئة داخل إيران.
وتبنت إسرائيل منذ عقود إستراتيجية الاغتيالات المستهدفة في محاولة لإبطاء التقدم المحتمل نحو تطوير سلاح نووي بين جيرانها المعادين.
وسبق أن نفذت المخابرات الإسرائيلية عمليات اغتيال لعلماء نوويين في مصر والعراق في الستينات والثمانينات من القرن الماضي.
وأعلنت إيران الجمعة مقتل فخري زادة متأثرا بجروحه بُعيد استهدافه من قبل مسلحين هاجموا سيارته واشتبكوا بالرصاص مع مرافقيه، في مدينة آب سرد بمقاطعة دماوند شرق طهران.
وشغل فخري زادة منصب رئيس منظمة الأبحاث والإبداع في وزارة الدفاع الإيرانية. وعبر مراقبون عن دهشتهم من دقة تنفيذ العملية الإسرائيلية، خصوصا أنها وقعت داخل الأراضي الإيرانية.
وذكروا أن الولايات المتحدة عندما اغتالت قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني مطلع العام الحالي قرب مطار بغداد، فضلت العراق كمساحة مكشوفة أمامها ولم تختر الهدف داخل الأراضي الإيرانية، بينما العناصر الإسرائيلية تحركت داخل العاصمة الإيرانية ونجحت في ضرب الهدف المطلوب.
واعتبر المعلق السياسي الفلسطيني محمد مشارقة أن الوثائق السرية التي أعلن جهاز الاستخبارات الإسرائيلية حصوله عليها كانت المفتاح الذي تم بمقتضاه اعتبار فخري زادة المسؤول الأول عن تطوير الرؤوس الدّقيقة للصواريخ الباليستية، بعدها صدر التنبيه الشهير من قبل رئيس الحكومة نتنياهو بأن على العالم بأسره “تذكّر هذا الاسم”.
وقال مشارقة الذي يدير “مركز تقدم للسياسات” في لندن، في تصريح لـ”العرب”، إن توقيت الاغتيال يشير إلى محاولة إسرائيلية لإجبار إدارة ترامب قبل مغادرتها البيت الأبيض على توجيه ضربة كبرى للمنشآت الإستراتيجية الإيرانية، وتوريط الإدارة القادمة في تعقيدات الضربات الانتقامية، وهو ما من شأنه أن يحد من إمكانية استئناف المفاوضات مع طهران.
وقال بروس ريدل الباحث في معهد بروكينغز والمسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية “نادرا ما أظهر أي بلد قدرة مماثلة على الضرب مع الإفلات الواضح من العقاب داخل أراضي ألد أعدائه كما فعلت إسرائيل”.
ووصف ريدل الذي يمتلك خبرة عمل مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في تصريح لصحيفة نيويورك تايمز، عملية اغتيال فخري زادة بالعمل الاستخباراتي غير المسبوق، إلى درجة أنها سلبت أي رد من قبل الإيرانيين لحماية عالمهم النووي من القتل.
ووصف ريدل الذي يمتلك خبرة عمل مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في تصريح لصحيفة نيويورك تايمز، عملية اغتيال فخري زادة بالعمل الاستخباراتي غير المسبوق، إلى درجة أنها سلبت أي رد من قبل الإيرانيين لحماية عالمهم النووي من القتل.
وأثارت العملية صراعا داخل القوى السياسية والأمنية الإيرانية التي تشعر بمهانة وضعف غير مسبوقين.
ونجحت إسرائيل في تطوير سجل فريد ضد إيران من خلال تركيز الموارد الكبيرة لوكالات التجسس لديها بشكل أساسي على العمليات داخل إيران. وطورت إسرائيل العلاقات داخل الدول المجاورة لإيران باعتبارها “منصات” للمراقبة والتجنيد وعلى الأخص في باكو بأذربيجان.
وزودت إسرائيل، مقابل تلك الخدمة الاستخباراتية، أذربيجان بأسلحة وطائرات دون طيار ساعدت بشكل كبير على حسم القتال ضد جارتها أرمينيا مؤخرا.
وجندت متحدثين باللغة الفارسية من بين المهاجرين الإيرانيين إلى إسرائيل لإجراء اتصالات أو تحليل الاتصالات التي تم اعتراضها، وتمكنت أيضا من تجنيد مجموعة من المتعاونين الإيرانيين.
وتطالب قوى سياسية إيرانية بتطهير البلاد من المتعاونين مع الإسرائيليين والقيام برد مناسب يعيد للبلاد كرامتها المهدورة. وألقى المتشددون باللائمة على إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني، وحمّلوه مسؤولية الإخفاقات الأمنية التي سمحت بالهجوم.
إلا أن المتحدث الرسمي باسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، قال إن “سياسات إيران العلمية والدفاعية لن تتغير بسبب اغتيال عالم أو جنرال”. ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن ربيعي قوله إن بلاده “يجب ألا تقع في فخ ربط الاغتيال بالمفاوضات النووية السابقة”.
وتعهد بألا يظل هذا الاغتيال دون رد، “ولكن ذلك لن يحدث في الوقت الذي يريدونه، أو بالطريقة والمكان اللذين يتوقعونهما”، مضيفا أن “إيران هي من ستحدد الزمان والمكان”.
لكن في الوقت نفسه، لا تخفي طبقة سياسية واسعة في إيران مخاوفها من أن تستغل الولايات المتحدة وإسرائيل لحظة الضعف الحالية لمهاجمة طهران بشكل أكبر، الأمر الذي يضغط على القادة في اختيار ردة فعل مناسبة.
وكتب محمد حسين خوشفاغت المسؤول السابق في وزارة الثقافة والإرشاد “حتى (حلول موعد) مغادرة ترامب البيت الأبيض سنعيش أياما هي الأثقل على إيران”.
ويرى خوشفاغت أن الرد الإيراني إن حدث سيخدم حلفاء الولايات المتحدة والدول العربية التي أقدمت على التطبيع مع إسرائيل، وخصوصا أنها ستروج لما أسماه الوضعَ الصعب الذي تعيشه المنطقة للحيلولة دون قيام بايدن بإعادة الاتفاق النووي مع إيران.
غير أن بعض المتشددين استغلوا مقتل فخري زادة للقول بأن ضبط النفس سيشجع خصوم إيران، مطالبين بعدم التعويل على أي بداية جديدة مع إدارة بايدن.
الموساد نصب منصات للمراقبة والتجنيد في أذربيجان لمراقبة إيران
وقال المحلل السياسي المحافظ فؤاد إزادي “إذا لم نرد على هذا المستوى من الإرهاب، فقد يتم تكراره”. وتوقع ريدل ألا يكون مقتل فخري زادة الهجوم الأخير الذي تشنه إسرائيل على إيران.
وأكد في تصريح لصحيفة نيويورك تايمز أن إسرائيل تعتزم استغلال تلك الشبكة مرة أخرى لمهام مماثلة. وقال “أعتقد أنها إشارة إلى أن اللعبة مستمرة على قدم وساق”.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤول إسرائيلي كبير شارك لسنوات في تعقب فخري زادة، شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله إنه سيواصل العمل ضد البرنامج النووي الإيراني حسب الضرورة.