كتب : محمد ماموني العلوي
يحتل عبدالقادر الخراز مقعده اليوم ضمن زمرة المؤثرين، بعد أن تمكن بطريقته الخاصة من جذب المتابعين من خلال نوعية المحتوى الذي يقدّمه. هو ضابط شرطة متقاعد عمل في سلك الأمن لمدة 40 سنة، حاز خلالها خبرة كبيرة في موضوع الجريمة وعوالمها، فقرر أن ينشر مشاركات منتظمة حول تلك المواضيع الشيقة على قنوات تستقطب يوميا عددًا كبيرًا من المتحمسين والمشاركين الذين يهتمون عن كثب بطريقة سرده للأحداث وآرائه. ومع الوقت، تحوّل إلى ظاهرة واسعة الانتشار. وكدليل على احتكاره “الترند” المغربي، وصل عدد مشاهدات إحدى حلقاته إلى أكثر من مليوني مشاهدة في أقل من أسبوع، كما حظيت حلقات أخرى بانتشار كبير بين المشاهدين.
لقد حقق الخراز، على ما يبدو، حلمه بالظهور على الشاشة، وهو حلم ظل يُرافقه طيلة سنوات، منذ أن التحق بصُفوف الجيش المغربي، في إطار التجنيد الإجباري، ليواصل بعدها في سلك الشرطة، متنقلاً بين مُختلف الأقسام.
ميزان الجريمة والأمن
كلما ارتفع منسوب الجريمة في البلاد تطرح تساؤلات جديدة بخصوص المنظومة الردعية داخل المؤسسات السجنية والتشريعات المرافقة، وتؤكد الفعاليات الحقوقية والمدنية والسياسية على ضرورة تشديد العقوبات ضد المجرمين الذين ثبت تورطهم في ترويع أمن وطمأنينة المواطن بارتكاب جرائم القتل والاغتصاب.
أما الخراز فيرى أن السجن أضحى مدرسة لتكوين المجرمين عوض تهذيب سلوكم وتأهيلهم للعودة إلى المجتمع، مطالبا كرجل أمن سابق باستعادة قطاعات إنتاجية يعمل بها السجناء بدل الراحة التي يعيشونها حاليا.
الخراز يرى أن السجن أضحى مدرسة لتكوين المجرمين عوض تهذيب سلوكهم وتأهيلهم للعودة إلى المجتمع، وهو يطالب، كرجل أمن سابق، بتنشيط قطاعات إنتاجية معينة ليعمل بها السجناء بدل الراحة التي يعيشونها حاليا
في حياته المهنية الطويلة، مرّت بين يديه ملفات كان ضحايها أطفال شوارع وأيتام، لذلك يحمل على كاهله اليوم مسؤولية لفت الأنظار إلى ضرورة رعاية تلك الفئة من أبناء المجتمع، ولهذا دخل عالم المجتمع المدني كممثل قانوني للجمعية الخيرية للتكافل الاجتماعي ورعاية اليتيم، وذلك من أجل مساعدة الأيتام على متابعة دراستهم في جو سليم ووضع سد منيع بينهم وبين الانحراف والجريمة، وغرض الجمعية حماية الأيتام والوقوف إلى جانبهم وتهيئة دار اليتيم للإقامة وتقديم مساعدات مادية ومعنوية في إطار قانوني خدمة لهؤلاء الأطفال الأيتام وتحصيناً لهم من الضياع.
الخراز متابع جيد لخيوط الجريمة ودوافع المجرم النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وكان له رأيه في جريمة مروّعة اهتز لها المجتمع المغربي قبل شهرين حين تم الاعتداء على قاصر، وقد أكّد الخراز حينها أنه لا وجود لجريمة كاملة، ولهذا لم ينتبه قاتل القاصر إلى الكاميرا التي التقطته مع ضحيته، وهذا، كما قال ”خطأ وحيد لولاه لما تمكنت المصالح الأمنية من كشف القاتل“. وحتى طريقة ارتداء المجرم لملابسه كانت مدروسة، لكسب ثقة ضحيته، ما يظهر تمكّن القاتل من جريمته التي خطط لها بدقة، عن طريق تغيير شكله.
بين الواقع والمتخيل
أسلوبه القريب إلى وعي الإنسان البسيط يحقّق الخراز بواسطته نجاحا كبيراً، ومع ذلك يعلّق البعض مشككاً بأن القصص التي يرويها، بعد تجربة أربعين عاماً في سلك الأمن، لا علاقة لها بالواقع
بعمر الثامنة والستين لايزال ابن مدينة القنيطرة قرب العاصمة الرباط، متحمسا لمشاركة خبرة مساره المهني مع الناس، واستطاع استثمار تجربته في الميدان ومساهمته في فك ألغاز مجموعة من الجرائم وإلقاء القبض على عدد من المجرمين، فعمل محللا أمنيا في عدد من البرامج الإخبارية والتوثيقية كبرنامج “أخطر المجرمين” على القناة الثانية المغربية.
تمت استشارته في بعض الأفلام والمسلسلات التي تتطرق إلى كيفية التعامل مع الجرائم والتحقيق فيها، وفي نظره لم نصل بعد في المغرب إلى صناعة الفيلم البوليسي الأصيل، فغالبية الأعمال منقولة عن أفلام أجنبية، وهو يعترف بأن مجال التحقيق الأمني في الجرائم قد تشوبه الهفوات القانونية.
أسلوبه القريب إلى وعي وفهم الإنسان البسيط الشعبي حقق الخراز بواسطته نجاحه، ليعلق البعض زاعما أن تلك الوقائع التي يرويها الرجل لا علاقة لها بالواقع، لكنه لا يلتفت إلى تلك الملاحظات والانتقادات بل يضعها في خانة أعداء النجاح، معلناً أن هدفه تقديم مادة تفيد المشاهد وحسب.
الخراز يرى أن السجن أضحى مدرسة لتكوين المجرمين عوض تهذيب سلوكهم وتأهيلهم للعودة إلى المجتمع، مطالبا كرجل أمن سابق باستعادة قطاعات إنتاجية يعمل بها السجناء بدل الراحة التي يعيشونها حاليا.
الخبير الأمني لا يسرد الوقائع كي يتعاطف المشاهدون مع المجرمين، لكن بعض الضحايا وجدوا أنفسهم، صدفة أو بكثير من سوء الحظ، منخرطين في خيوط جريمة لم يكن لهم علاقة بها تفكيرا وإعدادا وتخطيطا. وبالتالي فإن سرد مثل تلك الجرائم يهدف من ورائه إلى توعية المواطن البسيط كي لا يقع في نفس المطب، وهناك من أصبح يعي بشكل جيد المهام الصعبة الواقعة على كاهل الشرطة وضباط التحقيق لكشف الجرائم والحفاظ على أمن البلد. وعرض الواقعة يسبقه تحضير جيد مبني على محاضر قانونية لتفاصيل قصص “بوليسية” غريبة أحيانا وقاسية ومعقدة في أحيان أخرى، تمكنت السلطات الأمنية من فك رموزها.
يقول الخراز إن الجريمة التي لا يمكن أن تفيد المشاهد حتى وإن كانت مشوقة لا يمكنه تمريرها، والغاية من كشف بعض تفاصيل اشتغال رجال الأمن في جرائم بعينها هدفها ليس فقط رفع نسب المشاهدة، بل خلق نوع من الثقة بينه وبين المشاهد لإعطاء مصداقية لما يرويه من قصص جرائم وقعت أثناء عمله أو تلك القضايا التي وقعت خارج نطاق خدمته لكن زملاءه أمدّوه بها.
مسرح الجريمة
الخراز متابع جيد لخيوط الجريمة بمعناها الجنائي، ودوافع المجرم النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وكان له رأيه الدقيق وتحليله العلمي الشامل في جريمة مروّعة وقعت مؤخراً واهتز بسببها وجدان المجتمع المغربي
القاعدة الجماهرية التي حققها في الآونة الأخيرة شجعته لإنشاء قناة خاصة به على يوتيوب تحمل اسمه، بعد إنهاء علاقته بأحد المواقع الإخبارية التي كان يشتغل معها بعدما اختلف الطرفان بخصوص التعويضات والراتب، حيث اعتبر الخراز أن التعويضات التي كان يتقاضاها تبقى هزيلة جدا، مقارنة مع حجم الأرباح التي ساهم في تحقيقها.
توقيف البرنامج التلفزيوني “مسرح الجريمة” في العام 2015 كان قرارا خاطئا حسب الخراز، على اعتبار أن البرنامج ساهم بشكل مباشر في التوعية من أخطار النصب والاحتيال ومحاربة الجرائم وطرق النصب من خلال فضح أساليب النصب المُسمَّاة “السماوي والكنز”، كما فضح بعض أساليب وطرق زرع الإرهاب عندما تطرق البرنامج إلى العنف الديني.
الهدف الأسمى للخراز هو تحقيق الانسجام مع دولة الحق والقانون من خلال توعية المشاهد وإشعاره بضرورة الالتزام بالقانون وعدم الاعتداء على حرية وممتلكات وحياة الغير، وعدم الإشادة بالجرم أو المجرم الذي مصيره السجن نظير ما اقترفه من جرائم ضد المجتمع.
أسلوبه القريب إلى وعي وفهم الإنسان البسيط الشعبي حقق الخراز بواسطته نجاحه، ليعلق البعض زاعماً أن تلك الوقائع التي يرويها لا علاقة لها بالواقع، لكنه لا يلتفت إلى تلك الانتقادات
وعند حديثه عن طريقة تحقيقه مع المجرم كي يستخلص منه المعلومات وظروف ارتكابه الجرم، يكرّر في كل حلقات البرنامج مفردة بالدارجة المغربية “زيّرناه” أي حاصرناه وشددنا عليه الخناق كي يقر بالذنب، بقدر ما تكررت المفردة وأصبحت لازمة للتندّر عند المتابعين له، بقدر ما اعتبرها هفوة خلقت له، كما يقول، أخذا وردّا مع المتابعين بعدما انطبعت به، فيما يراها آخرون بصمة للخراز لا تعبيراً عن وجه سلبي وحسب.
صناعته لمحتوى الحلقات تطبعها قوة في قص الوقائع بشكل يتداخل فيه الفكاهي للتخفيف عن المشاهد من ثقل الجريمة وعنفها، إلى جانب الصرامة في التعامل مع المعطيات كي لا يتسرب إليها حشو لا طائل من ورائه. وبطريقته البسيطة وأسلوبه المتميز نال إعجاب فئة واسعة من المتابعين، لهذا لا تبدو مسألة التواصل الجيد عنده مكتسبة أو عن سابق دراسة وتحصيل، وإنما هي، كما يقول، موهبة صقلها بالاحتكاك اليومي بقضايا التحقيق طيلة عقود.
يعترف الخراز أنه عندما كان يحقق في جرائم سرقة متشابهة كان يتساءل عن دور الإعلام في توعية المواطن بحِيل اللصوص وطرق اشتغالهم، فأصبح هاجسه توعية الناس بتلك الأفعال حتى لا يكونوا ضحايا محتملين مستقبلاً.
الهدف الأسمى للخراز هو تحقيق الانسجام مع دولة الحق من خلال توعية المشاهد وإشعاره بضرورة الالتزام بالقانون
نقلا” عن العرب اللندنية