لاتزال القضية تثير إشكالاً وعلامات استفهام كبيرة
كتب : محمد جميل أحمد
منذ اعتقال 17 مواطناً في مدينة سواكن، في 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعد 7 أيام من أحداث القتل التي دارت على خلفية اشتباك في اعتصام لأنصار والي كسلا المقال صالح عمار، بينهم ومواطنين آخرين وراح ضحيته 6 قتلى، لا تزال القضية تثير إشكالاً وعلامات استفهام كبيرة حول الأسباب الكامنة وراء استمرار اعتقال المواطنين الـ 17 وهم من مكوّن واحد (بني عامر والحباب) بعد مضي أكثر من شهر ونصف الشهر.
الملاحظ في شأن هؤلاء المواطنين أولاً: أنهم من مكوّن واحد، كما أسلفنا من قبل، وثانياً أنهم أشخاص ذوو حيثيات، من بينهم تجار وموظفون حكوميون وناشطو لجان مقاومة، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن الهدف من اعتقالهم بعد 7 أيام من الأحداث، وعلى أي أساس اعتقلوا، فيما البلاغ الذي دُوّن في أحداث القتل التي جرت قرب ميناء سواكن، سجّل ضد مجهول، ولم يوجّه أولياء دم المقتولين أي اتهام محدد لأي منهم، فضلاً عن أن البلاغ الذي فتحت فيه القضية هو تحت المادة 130، وهي مادة يستند إليها في إحدى هذه الحالات الثلاث: إما أن يعترف مرتكب الجريمة بالجرم المشهود، أو أن يشهد شهود عيان على ارتكاب جريمة القتل من قبل المتهم المعين، أو أن توجد أداة قتل أو وسائل وأغراض تتعلق بالجاني والمجني عليه وثبوت أنها عائدة لطرفي الجاني والمجني عليه.
لكن حدث اعتقال المواطنين لا تنطبق عليه أي من الشروط المذكورة، والسؤال الذي يفرض نفسه: كيف سوّلت الشرطة أن تعتقل هؤلاء المواطنين تحت المادة 130، فيما لا تنطبق على ملابسات احتجازهم؟
وبحسب إفادات 24 شاهداً كانوا موجودين في المكان أثناء وقوع جرائم القتل الستّ، وهم شهود من مختلف مكوّنات العاملين في الميناء، فيهم من الشرطة والجمارك وغيرهم، أفادوا كلهم بأن المعتقلين الـ17 لم يكونوا في مكان وقوعها ولم يشاهدوا أحداً من المتهمين في المكان ذاته. بطبيعة الحال، فإن الإجراء المتبع في وضع كهذا هو أن يشطب البلاغ ويلغى ويطلق سراح المتهمين على الفور.
لكن أيّاً من ذلك لم يحدث وظل المعتقلون قيد الحجز، ومن ثم بدأوا معهم بالتحري في جريمتين فقط من جرائم القتل الستّ، وعقب الانتهاء من التحريات في الجريمة الأولى توصلت النيابة إلى قبول إطلاق سراح المتهمين الـ17 بضمانة مالية على الرغم من أن جرائم القتل ليس فيها ضمان، وبما أنه تم قبول الضمان في الجريمة الأولى، وبما أن الجرائم الست تمت في مكان واحد وفي يوم واحد، فهذا يعني أن إثبات غياب وجود هؤلاء المتهمين في الجريمة الأولى يسري على بقية الجرائم الخمس بما أن الجرائم كلها قد حدثت في المكان والتوقيت ذاتهما. ومع ذلك، فتحت النيابة التحري في الجريمة الثانية؟ وهذا بالطبع إجراء غير قانوني ويدلّ على إعاقة لمسار العدالة في هذه القضية، وهو شكل من أشكال تسييس العدالة وهذا أيضاً يتناقض مع القانون.
كل ما أسلفناه سابقاً في هذه القضية وخلفية الاعتقال غير المبررة، سيحيلنا بالضرورة إلى ضغوط سنجد خلفيتها في تدابير اللجنة الأمنية التي تعمل على شيطنة مكوّن واحد في ولاية البحر الأحمر وهو مكوّن بني عامر والحباب.
وهذا يؤكد لنا بوضوح أن هذا المسار غير العادل للإجراءات التعسفية التي تمارسها الشرطة تحت سمع وبصر الوالي عبد الله شنقراي بحق هؤلاء المتهمين هي إجراءات مسيّسة والهدف منها إما توهّم الضغط على مكوّن بني عامر والحباب في سواكن، وإما تعطيل مصالح هؤلاء المواطنين (وهم مواطنون من خيرة أبناء مدينة سواكن) الذين ينتمون إلى هذا المكون لإرضاء مكوّن آخر لا لمقتضيات مجريات العدالة، وإنما لأسباب لا علاقة لها بأي معنى من معاني العدالة.
وعلى الرغم من الوقفات التي وقفها ناشطون في مدينة بورتسودان للمطالبة بإطلاق سراح هؤلاء المتهمين بطريقة غير قانونية، إلا أن الشرطة لم تحرّك ساكناً في هذه القضية. هذا يعني بالضرورة أن مثل هذه الإجراءات التعسفية ومحاولات الكيد لمكوّن معين في الولاية (مكون بني عامر والحباب) بإجراءات خارج مقتضيات العدالة، لا بد من الكشف عنها وتعريتها في الإعلام، في ظل أداء اللجنة الأمنية في الولاية وهي اللجنة التي وقعت في ظل إدارتها للأوضاع الأمنية في الولاية، 5 موجات من الاقتتال الأهلي، راح ضحيتها أبرياء من مكونات الولاية كافة، فيما لم نعرف حتى الآن لماذا تتجدد موجات الاقتتال في هذه الولاية بالذات دون غيرها من ولايات شرق السودان على مدى 5 مرات ومن دون أن نرى أي دليل يشير إلى عدم إمكانية تجدد موجات الاقتتال مرة أخرى، في ظل إدارة هذه اللجنة للأوضاع الأمنية للولاية؟
ونحن نحمّل حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك تقاعسها عن الاهتمام بالأوضاع الأمنية في البحر الأحمر، بعدما شهدته هذه الولاية من أحداث ومن دون أي تحرّك من المركز.
إن الأفعال الكيدية التي يقوم بها نافذون وضباط كبار في اللجنة الأمنية ضد بني عامر والحباب بطريقة غير قانونية وعلى خلفية تعكس تواطؤاً عنصرياً منافٍ للقانون، لا بد من أن توقف عند حدّها، لا سيما أننا نرى الوالي الذي من المفترض أنه والٍ محسوب على الثورة، يتقاعس بهذه الشكل المخيّب للآمال من دون أن يواجه أداء اللجنة الأمنية ضد مكون وطني من مكونات ولاية البحر الأحمر.
لطالما كتبنا كثيراً عن الإخفاقات التي تسببت فيها اللجنة الأمنية بولاية البحر الأحمر منذ الأحداث الأولى للاقتتال الأهلي بين مكوّنَي النوبية وبني عامر تزامناً مع فض اعتصام القيادة العام بالخرطوم في 3 يونيو (حزيران) 2019 التي تجددت لأربع مرات، وأسفرت عن دخول مكون آخر من مكونات الولاية إلى حلبة هذا الصراع المؤسف. واليوم تأتي أحداث اعتقال مواطنين أبرياء من سواكن بطريقة كيدية وتعسفية لتؤكد ما تفعله هذه اللجنة في ظل والٍ من المفترض أنه ينتمي للثورة، وليس إلى مكون واحد من مكونات المدينة.
ليكن واضحاً للجميع أن هذه الاستفزازات التي تمارسها اللجنة الأمنية في ولاية البحر الأحمر بحقّ بعض ناشطي لجان المقاومة بمدينة سواكن، وحق مواطنين صالحين (ومنهم من أشهد شخصياً بحكم معرفتي اللصيقة بهم أنهم أبرياء ومواطنون صالحون ومحبون للسلم)، لن يتم السكوت عنها لأنها من أفعال الظلم المشينة التي لا تليق بهذه الثورة التي أسقطت نظام البشير نتيجة لتماديه في الظلم، كما لن يسكت الصحافيون الشرفاء في المركز والخرطوم عن مثل هذه الممارسات غير القانونية التي تتم بحقّ مواطنين أبرياء.
ولعل أغرب ما يمكن أن نعرفه في حق هؤلاء المواطنين المعتقلين تعسفياً من مدينة سواكن، أن من بينهم شخصاً ظل يدعو منذ أكثر من 3 أشهر وقبل وقوع أحداث القتل في مدينة سواكن يوم 14 أكتوبر الماضي، كل المكونات القبلية والأهلية في المدينة إلى ميثاق شرف بين أهلها، عبر دعوات في المساجد والمنابر العامة، لتنبيه مواطنيها وتحذيرهم من الانجرار إلى الفتنة التي حدثت في مدينة بورتسودان وكسلا، وسعى هذا الشخص جاهداً بين العمد والشخصيات العامة والشرطة في سواكن إلى تفعيل مبادرة ميثاق شرف التعاهد على حماية المدينة من الوقوع في تأثير الفتنة.
ويوم سماع هذا الشخص بأحداث القتل والاشتباك، ذهب بنفسه إلى مدير شرطة سواكن وطلب منه إما حماية المواطنين أو فض الاشتباك، ولكن أيّاً من ذلك لم يحدث للأسف.
نقلا” عن أندبندنت عربية