كريتر نت – العرب
لم تنتظر جماعة الإخوان المسلمين حتى يتسلم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مهام منصبه رسميا، وأبدت حماسا كبيرا لدخوله البيت الأبيض، باعتباره سيكون المنقذ لها من التيه السياسي.
وظهر استعجال الجماعة مبكرا، من خلال تعليقات وتصريحات عديدة متفائلة لقياداتها منذ التأكد من فوزه.
ورفع نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين إبراهيم منير، السبت، ما يشبه البيان العسكري، متوعدا بعودة الإخوان إلى العمل السياسي في مصر مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض، وعدم استبعاد حدوث تغيير في مصر والمنطقة يصبّ في صالح الجماعة.
وتحدث عن إعادة تأهيل الإخوان سياسيا في عهد بايدن، مؤكدا أن الإسلام السياسي موجود، والجماعة مستعدة لتكون الرافعة الرئيسية للتغيير القادم، وخطوطها مفتوحة مع جهات مؤثرة في الولايات المتحدة.
وحمل الحوار، الذي أجرته قناة الجزيرة القطرية مع إبراهيم منير، العديد من الرسائل السياسية، والتي لا تخلو من تناقضات أيضا، فالرجل تحدث عن أهمية وصول بايدن إلى الحكم، لكنه بدا منزعجا من مشروع قانون جديد قدمه للكونغرس النائب تيد كروز مؤخرا، طالب فيه بإدراج الجماعة على اللائحة الأميركية للإرهاب.
وحاول التقليل من أهمية التحرك في هذا التوقيت بالإشارة إلى أن إدارة الرئيس ترامب أيامها معدودة، ورفضت خطوة من هذا النوع قبل ذلك.
وتعمّد التأكيد على الدور الحيوي الذي تقوم به وزارة الخارجية الأميركية في منع استهداف الجماعة، لافتا إلى استمرار عقد لقاءات مهمة مع مسؤولين فيها، وأعضاء في الكونغرس، ومراكز دراسات بحثية، وكلهم يقومون بدور مؤثر لتبييض وجه الجماعة.
وأعاد القيادي الإخواني المقيم في لندن تكرار ما يوصف بـ”الاعتدال” كانطباع وهمي سائد عن الجماعة، في محاولة لتجديد الدماء لهذه الفكرة التي اهتزت وبدأت تتراجع في العقل الجمعي الغربي، بعد ثبوت وجود علاقة وثيقة بين الإخوان وتنظيمات متطرفة.
وسعى نائب مرشد الجماعة إلى قطع الطريق على إمكانية دخول إدارة بايدن على خط مكافحة الإسلاميين الصاعد في بعض الدول الأوروبية حاليا، والإيحاء بأن الإخوان مخزون استراتيجي وسياسي للغرب عموما في مواجهة المتشدّدين.
ويقول مراقبون إن إبراهيم منير أراد العودة إلى الصيغة القديمة القائمة على منح الفرصة كاملة لجماعة الإخوان في المنطقة، كرأس حربة في معركة التصدي للإرهاب، بذريعة أنهم مختلفون وليسوا جزءا من الارهاب أو يتحملون مسؤولية تصاعده.
وقال الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية منير أديب إن تنظيم الإخوان يراهن على واشنطن لإنقاذه من حالة العداء الشعبي والسياسي والمجتمعي، ويستدعي الخارج لمساعدته على تحقيق أهداف ترتبط بإنهاء تلك الحالة، وإن عبارات الغزل بين قيادات التنظيم وإدارة بايدن لم تتوقف منذ إعلان نتيجة الانتخابات.
وأضاف أديب في تصريح لـ”العرب” أن الجماعة تبحث عن مساحة مشتركة مع الديمقراطيين المعروفين باستخدام أساليب ضغط على الأنظمة السياسية، وتحاول أن تكون أحد أدوات إدارة بايدن إلى جانب المنظمات الحقوقية.
وتدور معركة خفية لتمهيد التواصل مع بايدن بين النظام المصري وجماعة الإخوان، حيث تريد القاهرة البناء على التغير النوعي السلبي في مواقف بعض الدول الأوروبية من تيار الإسلام السياسي، وفي القلب منه الإخوان، ومراكمة الأدلة التي تثبت تورطها في رعاية شخصيات إرهابية واحتضانها، ووضع العصيّ بين عجلات بايدن.
وتبذل الجماعة جهدا لمنع استثمار مصر للتطورات الفرنسية والنمساوية بمحاصرة تنظيمات الإسلام السياسي بنفي علاقة الإخوان بمتطرفين من جهة أولى، ومن جهة أخرى بإثارة الغبار من خلال فتح ملف حقوق الإنسان وسجله السيء في مصر، لدغدغة مشاعر الغرب والتشكيك في مصداقية الخطاب المصري الحاد مع الإخوان.
وبدا إبراهيم منير كمن يرسم خارطة طريق للرئيس الأميركي المنتخب لتفعيل تصوراته الإيجابية السابقة التي اكتسبها خلال فترة عمله نائبا للرئيس باراك أوباما وعدم الانسياق وراء شيطنة الجماعة والتمسك بمنظومة القيم الأميركية.
وأشار أديب، لـ “العرب”، إلى وجود محاولات لإقناع بايدن بالسير في اتجاه الاستعانة بالإخوان، لكن ما يعرقل ذلك أن مصر أضحت قوية بشكل قد لا يجعل تلك الأدوات مؤثرة كثيرا، كما أن الجماعة ذاتها باتت أضعف مقارنة بفترة أوباما.
وتجد جماعة الإخوان في أحاديث سابقة لبايدن حول الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية مدخلا لتحريضه على ممارسة ضغوط قاسية على النظام المصري.
وقد كان منير متواضعا بعض الشيء في تحديد ملامح خطته، عندما توقع ألا يمارس بايدن “فورا” ضغوطا على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للإفراج عن موقوفي الجماعة، زاعما أنه “يحتاج وقتا ليرتب نفسه”.
وعن تواصل الجماعة مع إدارة بايدن، قال “هذا ليس وقته، لكن ما نرسله وما يحدث من لقاءات مع أعضاء مجلس الشيوخ ونواب آخرين أعتقد أنّ هذا يكفي وأعتقد أن الباب سيفتح، ونحن لا نعوّل على بشر، بل نعول على قدر الله ولكن سنأخذ بالأسباب”.
ويؤكد حوار منير أن الهدف الثمين أمام الجماعة هو استهداف النظام المصري من باب الحريات، ومحاولة خلق مساحة كبيرة من التناقضات بينه وقوى دولية كبرى بدأت تنجذب إليه على أساس المصالح المتشابكة.
ويلفت ما يمكن وصفه بحوار تغيير الصورة النمطية إلى أن جماعة الإخوان لا تريد القيام بمراجعات لأفكارها، بينما تطالب الآخرين بها، ما يشي بالتضخم المعنوي والإصرار على عدم التغيير، والثقة المفرطة في تعاون واشنطن في عهد بايدن، والبعد عن الواقع وتحولاته.
وظهر منير كمن وضع مستقبل جماعته في كفة بايدن وحده، وكأن شيئا لم يتغير في القاهرة، فقد تجاهل المستجدات في المشهد المصري وما حدث من تجريف حاسم لأذرع الجماعة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، بل قام القضاء المصري بعد انتخاب بايدن بأيام بإدراج حلقات جديدة من الإخوان ضمن لوائح الإرهاب.
وبقدر ما حاول البيان “رقم 1” الترويج إلى أن الجماعة قادمة لا محالة، فإنه حمل في داخله شكوكا في رهانها على الرئيس بايدن نفسه، حيث حوى حديث منير إشارات تحمل خوفا من خضوع الرئيس الأميركي الجديد لحسابات المصالح المعقدة مع مصر، وقدرة الأخيرة على امتلاك أوراق تعظّم علاقتها معه.