كتب : د عبده يحيى الدباني
صعقنا خبر استشهادك وصدمنا أيها القائد الفذ والصديق العزيز علي قاسم شريبة… توالت علينا المصائب والأحداث وفي كل يوم يرحل عنا قريب او حبيب او رفيق او صديق، تعددت الأسباب والموت واحد.
ذهب الذين أحبهم
وبقيت مثل السيف فردا
هاهي الحرب تختطف روح قائد آخر من قادة الجنوب الشباب المجربين وعددا من جنوده الميامين وفي الضفة الأخرى يقاتلنا بغاة غزاة يسعون ويتربصون حثيثا للدخول إلى عدن وفيهم عدد من أبناء جلدتنا الجنوبيين غرر بهم قادة الشمال وبعض قادات الجنوب الذين يسعون إلى السلطة سعياً مسعوراً ، فاما أن يحكموا الجنوب وحدهم واما أن يكونوا ذيولا لغزاة الشمال في تمثيلهم للجنوب كما مثلوه منذ حرب ١٩٩٤ م تمثيلاً ذليلا صوريا لم يعترف به نظام صنعاء تمثيلا للجنوب وشتان بين الجنوبيين الذين يبحثون عن وطن ودولة مستقلة ويقدمون التضحيات من أجل ذلك ، وبين الجنوبيين الذين يسعون إلى السلطة ويبحثون عن حكم الجنوب قبل أن تقوم دولته من غير أن يقدموا شيئا في سبيل قيام هذة الدولة المرتقبة. إن الثورة هي الطريق إلى الدولة وان الدولة هي من سيرتب أوضاع السطلة جنوباً ولكن هؤلاء لم يشاركوا في الثورة ولم يعملوا من أجل قيام الدولة ولكنهم يقفون ضدهما ويشكون من الإقصاء مع أن باب الثورة الجنوبية مفتوح لكل الجنوبيين إلا من ابى.
لقد زلزلنا خبر رحيلك أيها القائد المبادر المتواضع النقي القوي كنت جنديا وقائداً في آن واحد وكنت تستحق أكبر من منصب قائد كتيبة لما تمتعت به من شجاعة واقتدار وخبرة واحتراف وروح فداء وتضحية ، لم لا ؟ وقد انحدرت من ذلك الجبل جبل القضاة في جبل حالمين فكنت جبلا شمخ بين جبلين
ومن أمامها جبال الشعيب الشاهقة.
عرفتك المواقع والجبهات واسرك الأعداء اكثر من مرة لأنك تقتحم مواقعهم وتلتحم بهم، عرفتك سيلة بلة وجبل منيف والعند مثلما عرفتك الضالع ومريس وحجر وشخب وغيرها وعرفتك شبوة مهاجما ثم أسيرا وعرفتك سجون المحتلين الغزاة في شبوة وخرجت من كل هذه المواقف اكثر صلابة وشجاعة ثم دعاك الواجب ورفاقك الأفذاذ إلى المعارك الطرية في قرن الكلاسي ووادي سلا والطرية فمثلت كتيبتك
كتيبة الصمود صخرة فولاذية في ذلك الثغر الخطير مع العدو المتربص.
كتيبتك تلك التي لم يتم اعتمادها رسمياً حتى الان للأسف الشديد.
لقد اعتمدك الله شهيدا بعونه تعالى ورفاقك الشهداء قبل ان تعتمدك الجهات الرسمية قائداً وتنال جميع حقوقك لقد تجاوزت الرسميات والروتين العسكري ومالك من حقوق
لأن همك هو الجنوب والدفاع عنه وليس الوظيفة او المنصب وإن كان ذلك من حقك وحق أفراد كتيبتك مثلكم مثل غيركم .
كنا على تواصل دائم منذ سرت إلى ابين تقود كتيبتك المظفرة ، كنت تسألني عن الوضع السياسي وانا اسألك عن الوضع العكسري وكان كل منا يطمئن الآخر ولكنك كنت في الميدان وكنا نحن بين الأهل والإخوان فنلت بذلك شرف الشهادة
وبقينا نحن ننعي ونولول ونشيع ونعزي ونكتب البيانات .
تسيل دماؤكم فيسيل مدادنا
وشتان بين الدماء والمداد
وشتان بين الدماء والدموع
فكيف لنا أن نساويكم او نقترب
من مقامكم او نشعر بأداء الواجب
نحوكم ونحو من خلفتم في اعناقنا
من أطفال وآباء وامهات ووطن وقضية ودرب نضال ما يزال وعرا وخطرا ، والله المستعان .
الا قاتل الله المعتدين ومن ساندهم من أبناء الجنوب الأشقياء الشقاة.
عمر قصير لكنه مفعم بالبطولة والرجولة التحق الشهيد بالقوات العسكرية الجنوبية وعمره خمسة عشر عاما في سلاح الدروع في رأس عباس في صلاح الدين قبل عامين من الوحدة الورطة التي بعدها تحول
لواء الدروع الذي يخدم فيه إلى عمران في أقصى الشمال.
ولد الشهيد في قرية راب جبل القضاة حالمين التابعة إداريا لمديرية الشعيب المتاخمة لحالمين عام 1973م درس التعليم الأساسي
في كل من مدرسة قرية الجذا
ومدرسة ال انعم في جبل القضاة
وسرعان ما التحق في السلك العسكري الجنوبي .
رأى عن قرب غدر الطرف الشمالي بالوحدة وبالجنوبيين عندما
فجر الموقف اللواء الشمالي في عمران ضد اللواء الثالث الجنوبي
المرابط هناك مستقويا بالقبائل الشمالية المحيطة بالمكان.
كان الجندي الشاب علي قاسم هناك في المعمعة في معركة غير متكافئة
بين الطرفين. لقد قاتل مع رفاقه
حتى التحمت الدبابات ببعضها
ونظرا لتكالب القوات الشمالية على اللواء الجنوبي المغدور به في ذلك المكان الموبوء قبليا وسياسيا بقيادة
الهالك القشيبي جرى أسر الجنود والضباط الجنوبيين الذين نجوا من القتل ومن ثم عادوا إلى أرض الجنوب.
وقد كان شهيدنا معهم وفيهم .
كانت معركة عمران الغادرة انطلاقا لحرب شاملة شنها الشمال ضد الجنوب . وما أن وصل الجندي الشاب علي قاسم إلى جبل القضاة
حتى استعرت الحرب وعاد ملتحقا
بجبهة الشعيب تلك الجبهة
التي نازلت الغزو وصمدت في وجهه
ومنعت اي دخول من خلالها حتى بعد أن احتل الغزاة العاصمة عدن
واجتاحوا أرض الجنوب الحبيبة.
لم يعد شهيدنا إلى صفوف جيش الاحتلال تاركا راتبه ورتبته فليست اغلى من الجنوب، ومرت السنون والأيام حتى كان تشكيل جمعية المتقاعدين العسكريين الجنوبيين
فالتحق بها وبالحراك السلمي الجنوبي بوجه عام ولكن شهيدنا ذو شخصية
فدائية قتالية فلم يشف غليله النضال السلمي فعمل على تشكيل كتيبة مقاومة مسلحة سرية في حالمين. وحين نادى المنادي من عسيلان بيحان في شبوة حين اعتدت قبيلة من جهة الشمال مدفوعة من قبل النظام في صنعاء
على أرض قبيلة بلحارث الجنوبية
عام 2014م كان الشهيد علي قاسم
في مقدمة الملبين لذلك النداء الجنوبي وهناك سطروا ملحمة ودحروا المعتدين الذين لا هم لهم إلا السيطرة على أماكن الثروة .
وإلى جواره استشهد الشاعر نبيل الخالدي والشاعر ابن العم سيف علي الدباني والمقاوم اسد البشيري وأخوه الشقيق عاطف البشيري رحمهم الله جميعا.
وقد كان من ضمن أولئك المشاركين
القائد الشاب مختار النوبي حفظه الله من كل شر واخرون أيضا.
وأثناء بناء السرايا الأولى للمقاومة الجنوبية في الضالع وردفان ويافع
وغيرها كان شهيدنا أحد رجال الرئيس عيدروس الزبيدي الذين
يعتمد عليهم .
وعند الغزو الشمالي الثاني للجنوب
كان الشهيد وكتبيته الصمود في قلب المواجهة في جبهة الضالع العنيفة حتى جرى تحريرها على ذلك النحو الأسطوري في مايو 2017م بقيادة وهندسة الرئيس القائد عيدروس الزبيدي رعاه الله وسدد خطاه.
وما كان لهذا الفارس ان يستريح
ولو حتى استراحة محارب
فالتحق بجبهة بلة العند وصمد مع رفاقه إلى أن تحررت العاصمة عدن
وبعدها لحج والعند حتى كرش.
وحين عاود الحوثيون التربص بالضالع ومحاولة غزوها للمرة الثالثة
بدعم واضح من قوات الإصلاح
كان القائد علي قاسم هناك في المواجهة هو وأفراد كتيبته في جبهة شخب وغيرها ولم يخرجه من ذلك الرباط العسكري شمالا إلا الصوت القادم من الشرق حين غدر بالنخبة الشبوانية ودخلت ميليشيات الإصلاح
شبوة تاركة جبهات الشمال للحوثيين
وفيها بيوتهم وأعراضهم تتفجر وتنتهك ، في ذلك الظرف العصيب
كان الشهيد شريبة وعدد من أفراد كتيبته المقاومة العريقة في طريقه
إلى شبوة لنجدة رفاقهم في النخبة
الشبوانية ولكنهم وقعوا في الأسر
بعد الغدر والخديعة بهم . وهناك رزحوا في الأسر اشهرا سبعة ومارس الاخونج عليهم عقده العنصرية الانتقامية وتعرض شهيدنا البار لبداية ذبحة قلبية فخرج للعلاج إلى المكلا
ومنها عاد إلى عدن . وسرعان ما نشبت المواجهات في شقرة وما حولها بين الغزاة الذين يريدون التقدم نحو عدن وبين القوات الجنوبية المستميتة دفاعا، ولم يذهب شهيدنا للعلاج ولا للنقاهة
بل سار مع أفراد كتيبته كتيبة الصمود إلى وادي سلا والطرية فهناك السلا وهناك الشفاء من كل بلية.
لكل امرئ من دهره ما تعودا
وعادة سيف الدولة الضرب بالعدا
كما قال المتنبي.
ظل هنالك اشهرا ولم ينقطع التواصل فيما بيننا وكم كنت خائفا على حياته
لأن رحيل مثل هؤلاء القيادات خسارة لا تعوض بسهولة والحرب عادة إقدام واحجام على حسب الموقف القتالي وصاحبنا من النوع المقتحم لأماكن الخطر وقد أسر مرات وجرح مرات ونجى مرات فجاءت المرة المرة التي كان فيها شهيدنا القائد على موعد مع الشهادة فجرا في ذلك اليوم الموافق 5 ديسمبر 2020م حيث التحم كعادته
بالعدو ولم يتقهقر او يؤسر فاخترقت جسده الحبيب طلقات العدو وصعدت روحه نحو السماء .
لقد حز في نفسي أنه استشهد وهو يشعر بالإحباط والخذلان رغم صبره الطويل فكتيبة الصمود التي يقودها
لاقت تهميشا وعدم اهتمام واعتماد
مع انها ترابط في النسق الأول باتجاه العدو المعتدي.
وهنا نوجه رسالة حارة إلى الرئيس القائد عيدروس الزبيدي بضرورة اعتماد هذه الكتيبة وترقيم منتسبيها
وإجراء ما يلزم تجاهها.
سلاما عليك شهيدنا البار على قاسم شريبة، فقد كانت حياتك ملحمة حقيقية في سبيل تحرير الجنوب.
فجزاك الله خير ما يكون الجزاء
وجعل كتابك في عليين.
انا لله وانا اليه راجعون.
.