عقيل محمد سعيد
أَفِقْتُ مفزوعاً أتحسس هَشِيم رأسي بعدما بدا وكأن أحدهم هوى عليه بغتة بمطرقة ضخمة .. مسحت العرق البارد الذي غطى جبهتي ،تلفت يميناً وشمالاً ولكن لاأحد هناك .. كان الملعب فارغاً وموحشاً الا من بقاياغبار وشمس غاربة صبغت مدرجاته المتهالكة وارضيته الترابية غير المستوية بلون أحمر باهت فبدت كأنها من قرميد مطحون ..
لابد أني غفوت اثناء المباراة وانتهت وأنا أصارع كوابيسي .. كنت مجهداً، لم أنم منذ مدة بسبب ذلك الكابوس اللعين الذي يلاحقني في أحلامي كلما غلبني النعاس ولا أتمكن من الإفاقة منه إلا بشق النفس ..
غادرت متثاقلاً بإتجاه محطة الحافلات الواقعة على بعد كيلومترات .. كانت حشود المشجعين المتحمسين تتكدس على طول الطريق، وقد انخرطت كعادتها عقب كل مباراة في سجالات متشنجة و جدالات عقيمة حول النتيجة وأداء اللاعبين والمدربين والحكام، لاتخلو من مُشَادَّات يصل بعضها أحياناً حد العراك ..
سألت اقرب شخص صادف وجوده الى يساري :
– من فاز ؟
ارتسمت على ملامحه علامات الإندهاش قبل أن أخبره بما حصل لي .. ومع انه بدا غير مصدقاً تماماً لروايتي ، إلا أنه رد بتفلسف :
– ياأخي الفائز في المباراة كان معلوماً قبل ان تبدأ ! كل هذا الجدال الذي تراه محض هراء .. مباراة حاسمة كهذه لاتُكسب في الوقت الضائع ..
صمت منتظراً إشارة مني ليسترسل ويوضح ماقصد ، لكن من سوء حظه لم تكن بي أي رغبة لمجاراته، كان مجرد سؤال عابر لاغير .. في الجوهر لم يكن يهمني حقيقةً من فاز ، لم تستهوني هذه اللعبة يوماً، وعندما أحضر بعض مبارياتها بين الحين والآخر ، أفعل ذلك في الغالب مرغماً لأنه لامكان آخر أذهب اليه .
ماكان يشغل تفكيري جدياً لحظتها أكثر من إنتظار إجابة شافية على سؤالي ، هو كيفية اللحاق بآخرحافلة مغادرة بإتجاه المدينة، أن لايفوتني موعدها كما حصل معي مراراً من قبل في مناسبات كهذه ، وبدا واضحاً أنه سيتكرر هذه المرة أيضاً بعد أن سدت رعونة الحشود المتناوشة كل المسالك الممكنة الموصلة للمحطة ..
وفي خضم استغراقي بهواجسي تلك وجدتني أتمتم مبتعداً دون أن ألتفت اليه ، وقد علقت في تفكيري عبارته الأخيرة :
– صدقت ياصاح .. مباراة كهذه لاتُكسب في الوقت الضائع .. وأظننا الخاسر الوحيد فيها .. لكن ماذا بوسعنا أن نفعل يارفيقي وكل أوقاتنا ضائعة ! .. كلها !..
—————————
ديسمبر 2017م