كريتر نت – العرب
استعاد الرئيس التونسي، قيس سعيد، مساء الأربعاء عبارات التهديد والوعيد وذلك في سياق حديثه عن موقفه من دعوات لإجراء حوار وطني وذلك عشية إحياء التونسيين لذكرى “ثورة” 14 يناير 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق والراحل زين العابدين بن علي وهو ما جعل المواقف تتباين بشأن هذا الخروج للرئيس الذي توعد فيه “الخونة والعملاء” دون أن يسميهم.
اختار الرئيس التونسي، قيس سعيد، العودة إلى خطاب التهديد والوعيد بمفردات حادة وعنيفة عشية احتفالات بلاده بالذكرى العاشرة لـ”ثورة الحرية والكرامة” التي اندلعت في 2011، ووصفها بـ”التفجير الثوري غير المسبوق في التاريخ”.
وقال في كلمة أثناء اجتماعه مساء الأربعاء، مع نورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد)، ”هناك العديد من الخونة والعملاء الذين باعوا ضمائرهم بالعملة التي تأتي خلسة، لكننا نعلم مأتاها ومن يريد ضرب الدولة من الداخل”.
وأضاف في كلمة بثتها الرئاسة التونسية في صفحتها الرسمية على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، “هناك دولة ومؤسسات وصادقون يبحثون عن حلول وطنية لإنقاذ تونس وستبقى الراية التونسية مرفوعة.. ونحن نفتديها بدمائنا وبكل ما أوتينا من قوة”.
ولم يُحدد هوية من وصفهم بـ”الخونة والعملاء”، واكتفى بالتأكيد على أنه لن يتردد في اللجوء إلى كل الوسائل القانونية المتاحة لملاحقتهم قضائيا، واصفا في نفس الوقت الوضع في البلاد بالدقيق، قائلا ”البعض خلقوا المستنقعات لأنهم لا يمكنهم العيش خارج المستنقعات، ومن يحاول استدراجنا إلى المستنقعات فهو مخطئ في العنوان”.
وتابع قائلا ”لا مجال لترك المتآمرين يتآمرون على تونس وستأتي اللحظة التاريخية التي نبيّن فيها كل الحقائق للشعب التونسي ووقتها سيعرف الشعب من هو المخلص والوطني”.
وأثارت هذه الكلمة الكثير من التعليقات التي اكتسحت مواقع التواصل الاجتماعي، تباينت بين التأييد، والتهكم، خاصة وأن سعيد أكثر من الوعيد والتهديد في خطابه السياسي الذي طغت عليه مفردات “التآمر” و”الخيانة”، دون أن يتخذ خطوات عملية لترجمة ما يقول على أرض الواقع.
بل إن الكثير من المتابعين للشأن السياسي تساءلوا عن مغزى الرسائل التي يريد قيس سعيد إرسالها للداخل التونسي وللخارج من وراء مثل هذا الخطاب، خاصة وأن سياقه تزامن مع تعدد المبادرات الداعية إلى حوار وطني لإنقاذ البلاد، وذلك عشية الذكرى العاشرة للحراك الاجتماعي الذي أطاح بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011.
واعتبروا أن سعيد يكون بذلك الخطاب قد رفض بشكل ضمني مبادرة اتحاد الشغل لعقد مؤتمر وطني للحوار، رغم قوله في كلمته ”أنا مع أمين عام اتحاد الشغل، نحن نعمل معا، قد نختلف في المقاربات لكن هدفنا واحد.. لكن من هم مطالبون للعدالة مكانهم قصور العدالة، …ولا فضل لأحد على أحد بالثروة أو العمالة والخيانة”.
وتساءل البعض الآخر عن دلالة توقيت عودة الرئيس قيس سعيد لمثل هذا الخطاب، وذلك في علاقة بالجدل المتواصل حول الأزمة الحادة التي تعيشها البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا والتي وصلت إلى درجة دفعت العديد من الفاعلين السياسيين إلى التحذير من “ثورة جياع” بدأت ملامحها تتراكم على وقع الاحتجاجات الواسعة التي تعرفها غالبية مدن البلاد.
التيار الشعبي: حصيلة السنوات العشر الماضية بددت آمال الشعب في التغيير
ويبدو أن الحصيلة التي تُوصف بـ”الكارثية” للسنوات العشر الماضية لها صلة بلجوء الرئيس سعيد إلى هذا الخطاب، للنأي بنفسه عن تداعيات الغضب الشعبي المُتصاعد، وصولا إلى التنصل من أي مسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في البلاد بعد عشر سنوات من “الثورة”.
ورغم التباينات في تقييم حصيلة مسار “الثورة” لم يتردد حزب التيار الشعبي في القول إن الانتقال الديمقراطي في تونس الذي جاءت به “الثورة” فشل “بسبب استيلاء تنظيم الإخوان المسلمين على السلطة، وصعود الشعبوية”.
واعتبر في بيان له حمل توقيع أمينه العام زهير حمدي، وزعه الخميس بمناسبة الذكرى العاشرة لـ”الثورة”، أن حصيلة السنوات العشر الماضية التي عرفتها تونس “بددت كل آمال وأحلام شعبنا في الحرية والكرامة الإنسانية والسيادة”.
وأنهت “الثورة التونسية”، الخميس، عامها العاشر على التوالي، حيث احتفل أهالي سيدي بوزيد بهذه الذكرى بإقامة بسلسلة من الفعاليات الفكرية والموسيقية تحت شعار “عشر سنوات…طال الانتظار”، جاءت باهتة، ولم تخل من مظاهر الغضب الشعبي والاحتقان السياسي.
وعلى غير العادة التي جرت خلال السنوات الماضية، غاب عن تلك الاحتفالات الرؤساء الثلاثة، أي الرئيس قيس سعيد، ورئيس الحكومة، هشام المشيشي، ورئيس البرلمان، راشد الغنوشي، إلى جانب كبار مسؤولي الدولة، وغالبية الأحزاب السياسية، وكذلك أيضا اتحاد الشغل.
وبررت الرئاسة التونسية في بيان نشرته ليلة الأربعاء-الخميس، غياب الرئيس قيس سعيد عن المناسبة، بـ”ارتباطه بالتزامات طارئة”، فيما لزمت رئاسة الحكومة الصمت، تماما مثل رئاسة البرلمان، بينما عزا الاتحاد العام التونسي للشغل غيابه عن هذه الاحتفالات، بالوضع الصحي في علاقة بمرض كورونا الجديد.
ومن جهته، أرجع محمد الأزهر القمودي، الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بسيدي بوزيد في تصريحات صحافية، غياب المركزية النقابية عن هذه الاحتفالات، إلى الوضع الصحي، قائلا إن “عدم المشاركة سببه الوضع الصحي في البلاد، وما فرضه تفشي مرض كورونا الجديد في سائر الجهات التونسية”.
لكنه اعتبر في المقابل، أن “هذه الذكرى ليست احتفالا بالثورة مادامت أهداف الثورة لم تتحقق رغم مرور 10 سنوات كاملة”، وذلك في الوقت الذي اكتفت فيه الأحزاب السياسية بإصدار بيانات تباينت في تقييمها لما تحقق من مكاسب وإنجازات خلال السنوات العشر الماضية.
ويعكس هذا الغياب تراجع مكانة هذه الذكرى سياسيا وشعبيا بالنظر إلى ما تسببت فيه من تغييرات حادة عمقت المأزق الذي تعيشه البلاد على مُختلف الأصعدة، حيث كشف سبر للآراء نشرت نتائجه الخميس مؤسسة ”سيغما كونساي”، أنه بعد عشر سنوات من “الثورة”، يرى أكثر من نصف التونسيين أن الوضع بعد “الثورة” أسوأ بكثير مما كان عليه سابقا.
وأوضح أن 67 في المئة من المستجوبين الذين تفوق أعمارهم 18 عاما شملهم سبر الآراء المذكور، اعتبروا أن الوضع أصبح أسوأ بعد “الثورة”، و54 في المئة منهم قالوا إن نقص التجربة لدى السياسيين هو السبب الرئيسي، فيما اعتبر 85 في المئة من المستجوبين أن تأثير “الثورة” على الوضع الاقتصادي سلبي، في حين رأى 83 في المئة أن تأثير “الثورة” على الوضع الاجتماعي سيء أيضا.