كريتر نت – العرب – هشام النجار
الخلاف بين علماء الأزهر وجماعة الاخوان ليس جديدا، لكن صدور فتوى من المركز العالمي للفتوى الإلكترونية التابع للمؤسسة الدينية في مصر بتحريم الانضمام إلى الإخوان وباقي الجماعات المتطرفة، يمثل خطوة مهة، غير أن هذه الخطوة تحتاج من الأزهر حسم موقفه من الجماعة أمام عموم المسلمين لدرء تهمة التواطؤ مع تنظيم الإخوان وحتى لا يسحب البساط من تحت قادة الأزهر، إن ظلوا على هذا الجمود وعلى موقفهم التقليدي من جماعة الإخوان.
أدى الموقف الذي أبداه المركز العالمي للفتوى الإلكترونية التابع لمؤسسة الأزهر بخصوص تحريمه الانضمام إلى جماعة الإخوان بوصفها جماعة إرهابية تشيع الفرقة والفتنة بين المسلمين، إلى ترقب داخل الأوساط الفكرية والثقافية في مصر لتداعياته وكيفية تعاطي أجنحة أخرى داخل الأزهر معه، حيث تعد هذه الخطوة التي أعلن عنها أخيرا مهمة ونوعية في مسيرة تعامل الأزهر مع جماعة الإخوان.
وظلت دوائر كثيرة في مصر تنتظر أن يتخذ الأزهر موقفا قاطعا وحاسما ومباشرا من جماعة الإخوان، ولم تتحصل على ما يفيد بوضوح، وهو ما أشاع تقديرات سلبية حول نجاح الجماعة في التغلغل داخل أروقة الأزهر.
وجاء موقف مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في سياق رده على سؤال أوردته صحيفة الوطن المصرية بشأن حكم الدين في الانضمام إلى جماعة الإخوان الإرهابية وما يماثلها من تنظيمات وجماعات إرهابية وتكفيرية، ليؤكد أن الانضمام إلى هذه الجماعة وغيرها من الجماعات الإرهابية حرام شرعًا، كونها تشيع الإرهاب والتخريب بزعم الجهاد في سبيل الله، في حين أن الله نهى عن اتباع أي طريق يصرف الناس عن الحق والتمسك بصراطه المستقيم، لكن هذا المعنى بحاجة إلى الغوص في تفاصيل السياقات المختلفة التي تحيط به، لوجود مخاوف من أن يكون الموقف تكتيكيا، أو رغبة في توصيل رسالة لتهدئة الانتقادات.
وتعود الخشية من مواقف سلبية مضادة من داخل هيئات أخرى داخل الأزهر نفسه، إلى أن الموقف الأخير لم يصدر من كبار العلماء وهي أعلى هيئة بالأزهر، ولم يصدر من مرجعية ذات ثقل كشيخ الأزهر، فضلًا عما سبق اتخاذه من إجراءات في مواجهة تحركات شبيهة تم اعتبارها مجرد مواقف فردية وسط مناخ عام داخل الأزهر يحرص على عدم مسّ جماعة الإخوان بالنقد أو توجيه تهمة الإرهاب المباشر للتنظيم أو لأحد من قياداته أو تجريم أفكاره ومناهجه بلا غموض.
جدل النخب والأزهر
قبل حوالي عام، عُزل الدكتور كمال بريقع من منصبه كمشرف على وحدة اللغة الإنجليزية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، بعد نشره لبيان فضح فيه أكاذيب جماعة الإخوان ووصفها بالجماعة التكفيرية الإرهابية، متهمًا قادتها بمحاولة تسميم عقول العامة عن طريق الاستشهاد بآيات قرآنية في غير موضعها، واصفًا إياهم بأنهم يحرّفون الكَلم عن مواضعه، ردًا على بيان جماعة الإخوان في فبراير 2019، الذي نددوا فيه بحكم الإعدام الصادر بحق تسعة من أعضاء التنظيم بتهمة اغتيال النائب العام الأسبق المستشار هشام بركات.
دوائر كثيرة في مصر ظلت تنتظر أن تتخذ مؤسسة الأزهر موقفا واضحا وقاطعا بشأن علاقتها بجماعة الإخوان
وسارع رئيس جامعة الأزهر حينئذ محمد المحرصاوي والمشرف العام على مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية، بعد يومين من صدور بيان بريقع، بإصدار قرار إلغاء إشرافه على وحدة رصد اللغة الإنجليزية وإنهاء ندبه بمرصد الأزهر.
ويقول مراقبون، إن استمرار المناورات من قبل الأزهر في قضايا محورية سوف يرتد على مكانته في الوجدان العام، فالأمور لا تحتمل التلكؤ أو المراوغة، في وقت تستعد فيه جماعة الإخوان لزيادة نشاطها.
واتهمت فئات عريضة من النخب المصرية عددًا من أعضاء هيئة كبار العلماء بالأزهر بالانتماء إلى جماعة الإخوان، وتبنيهم لفكر ومنهج الجماعة، وجرى رصد مواقف معلنة على صفحات بعض القيادات الأزهرية الذين يشغلون مناصب مهمة في المؤسسة والجامعة تدعم جماعة الإخوان وتدعو إلى سقوط الجيش المصري، وتحرض على مؤسسات الدولة، قبل أن يضطروا لحذفها لاحقًا زاعمين أن صفحاتهم قد سُرقت.
وحاولت الجماعة اختراق مؤسسة الأزهر عن طريق استقطاب البعض من المنتمين إليه أملًا في السيطرة عليه لما يتمتع به من ثقل وتأثير داخل مصر وخارجها على امتداد العالم الإسلامي، بعد أن فشلت الجماعة في تهميش دوره والتشكيك في الرسالة التي يؤديها الكثير من علمائه.
وظل حجم نشاط الإخوان داخل جامعة الأزهر أكبر بكثير من نشاطهم داخل أي جامعة أخرى، وكانت الجامعة الوحيدة التي استطاع من خلالها الإخوان الإعلان بشكل رسمي عن تبنيهم لمنهج العنف والتلويح باستخدام القوة خلال عرض شبه عسكري في العام 2006.
وزرعت جماعة الإخوان على مدار سنوات عناصر تابعة لها يتبنون فكرها داخل مختلف هيئات مؤسسة الأزهر، ومن خلالهم حرص قادة الجماعة على وأد أي طرح أزهري من شأنه تفنيد وفضح الإرهاب الإخواني.
القبض على منتصف العصا
بانتظار دعم هيئة كبار علماء الأزهر للمركز العالمي للفتوى
وهو ما انعكس على مجمل مواقف قيادات الأزهر وهيئاته منذ موقف شيخه أحمد الطيب بتبرئة نفسه من فض اعتصام أنصار الرئيس الإخواني الأسبق محمد مرسي بميدان رابعة العدوية بالقاهرة في 14 أغسطس 2013، مؤكدا أنه لم يعلم بإجراءات فض الاعتصام إلا عن طريق وسائل الإعلام، مرورًا بتوخي عدم ذكر الجماعة في أي بيان ينتقد فكر الجماعات الإرهابية ويفند ممارساتهم ومناهجهم، وانتهاءً بواقعة عزل الدكتور بريقع.
يبدو أن هناك ما تغير خلال هذا العام، ما تطلب تمرير فتوى تحريم الانضمام إلى جماعة الإخوان ووصفها بالإرهابية من خلال هيئة تابعة للأزهر، وإن لم تكن هي الهيئة الأكبر داخل المؤسسة، خاصة مع الحاجة الملحة لدى المؤسسة الدينية الرسمية للتبرؤ من التهمة التي لاحقتها بالتواطؤ مع تنظيم الإخوان ووجود اختراقات إخوانية لهياكله.
وضاعف من منسوب الحرج لدى قادة الأزهر وعلمائه إصدار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية مؤخرًا، بيانًا واضحًا تصف فيه جماعة الإخوان بالإرهابية وتحذر منها ومن الانتماء إليها أو التعاطف معها.
ووجد قادة الأزهر أن البساط ينسحب من تحت أقدامهم وأن الأحداث قد تتجاوز المؤسسة، أو على الأقل قادتها الحاليين، إن ظلوا على هذا الجمود وعلى موقفهم التقليدي من جماعة الإخوان، سواء المتعلق بإبقاء علاقات العديد من علمائها بالجماعة دون مكاشفة وحسم، أو بشأن إبداء موقف فقهي وشرعي واضح بشأن جماعة الإخوان ينفي الشكوك المثارة ويقطع أي صلة بين المؤسسة الدينية وتنظيم الإخوان.
وترك إلحاح العديد من الكتاب والمثقفين المصريين على اتخاذ الأزهر موقف مماثل لما قامت به هيئة كبار العلماء بالسعودية دون استجابة سريعة، انطباعًا سلبيًا بأن الأوضاع لم تتغير داخل المؤسسة، وأن هناك مراكز قوى داخلها تحول دون صدور بيان رسمي يُعد بمثابة الفتوى الدينية يقضي بحرمة الانتماء لجماعة الإخوان ويصفها بالإرهابية.
يمكن فهم فتوى مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية التابع للأزهر بخصوص تحريمه الانضمام إلى جماعة الإخوان بوصفها جماعة إرهابية، على أنها بمثابة ذر للرماد في العيون ومحاولة لإمساك العصا من المنتصف، وإرضاء الأجنحة الرافضة لهذا الإجراء داخل الأزهر عبر إعلانه من هيئة تابعة وليس من الهيئة الكبرى داخله، ومن جهة أخرى تحاول المؤسسة الدينية إسكات الأصوات الناقدة لها في الصحافة والإعلام.
واستشعر قادة الأزهر أن أسلوب تعاطي الحكومة المصرية خاصة في ما يتعلق بملف جماعة الإخوان صار يتسم بالتعامل الجذري الشامل وهو ما وضح من الإجراءات الأخيرة التي حرصت خلالها الأجهزة المختلفة على تجفيف ومصادرة كل أصول الجماعة الاقتصادية، وتوقيف كل مموّلي نشاط التنظيم حتى أولئك الذين عملوا في الخفاء وبطرق غير مباشرة.
المؤسسة الدينية تحتاج إلى اتخاذ مواقف صارمة تجاه كافة التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من الإسلام ستارًا لتحقيق مطامعها السياسية لتحصين المجتمع المصري من اختراق الإخوان
ومن غير المستبعد أن تؤدي المواقف الغائمة التي يتبناها قادة الأزهر حيال جماعة الإخوان، إلى تصعيد الخلاف مع مؤسسة الرئاسة ومؤسسات مهمة أخرى، لأن طبيعة المرحلة القادمة تتطلب التعاطي الجذري والصرامة والوضوح في كل ما يتعلق بجماعة الإخوان سواء سياسيًا أو اقتصاديًا أو فكريًا وفقهيًا.
وإذا كانت التحديات الحالية والمستقبلية، محليًا وإقليميًا ودوليًا، خاصة مع صعود إدارة ديمقراطية جديدة في الولايات المتحدة، جعلت جماعة الإخوان تتشبث بأمل العودة إلى المشهد مجددًا، دفعت أجهزة الدولة إلى استباق أية محاولات لبعث الجماعة تنظيميًا وحركيا بتجفيف مصادر التمويل الخفية وغير المباشرة، فإن الحاجة لاتخاذ مواقف فكرية من قبل المؤسسة الدينية الرسمية أكثر إلحاحًا لتجفيف خزان التجنيد الأيديولوجي للجماعة.
ويرتبط مستقبل القيادة الحالية للأزهر بأسلوب التعاطي مع ملف جماعة الإخوان، علاوة على ملف تجديد الخطاب الديني، مع ثبوت دور الجماعة الفكري والتنظيمي في نشر التطرف وتحريك النشاطات الإرهابية ليس بمصر والمنطقة العربية، بل بدول أوروبا ومختلف دول العالم.
وإذا واصلت قيادة الأزهر تبني المواقف الغائمة غير الحاسمة بشأن جماعة الإخوان، علاوة على التململ من دعوات تجديد التراث ومجابهة الجمود الفقهي والفكري، فإن الدولة التي تحاول حاليًا التصدي الجذري للنشاط الإخواني ستمضي في ما مهدت له خلال الدورة البرلمانية لمجلس النواب المنتهية ولايته من تهميش لدور الأزهر في الشأن الديني.
ولن يكون بيان مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية كافيًا في هذا الصدد باعتباره مجرد رد فعل وإجابة عابرة على سؤال موجه لها من إحدى الصحف المؤيدة للحكومة، وليس من منطلق مبادرة تبناها الأزهر من خلال أكبر هيئاته.
وإذا لم تقم المؤسسة الدينية بمسؤولياتها الكبرى بما يتناسب مع ما تواجهه الدولة من أخطار وتحديات لمساندتها في التصدي بشكل صارم لكافة التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من الإسلام ستارًا لتحقيق مطامعها السياسية، فإن التوقعات تذهب إلى تشريعات خلال الدورة البرلمانية المقبلة، تسحب العديد من الصلاحيات من القيادة الحالية للأزهر، تمهيدًا لتغييرات يراها الكثيرون ضرورية لتحصين الحالة المجتمعية من اختراق الإخوان.