كريتر نت – العرب
تجد فرنسا نفسها في خضم سياستها لمكافحة الإرهاب في أفريقيا مضطرة إلى التماهي مع ما يتماشى مع مصالحها من أجل الحصول على مكاسب داخليا وخارجيا عبر المساعي الخفية التي تقوم بها من أجل الإفراج عن رعاياها المختطفين من طرف الجماعات المتطرفة في الساحل والصحراء.
ويعطي إعلان الرئاسة الفرنسية الاثنين بأن ثمة إمكانية لإجراء مفاوضات في منطقة الساحل مع عناصر في جماعات جهادية إقرارا بأنها تتوخى أسلوب دفع الفدية مع المتشددين، إلا أن اللافت هو استبعاد قيامها بذلك مع قادة تنظيمي القاعدة وداعش المتطرفين وهو ما يعني غرق فرنسا في استراتيجيتها المزدوجة للحوار مع الإرهابيين.
ويعتقد محللون أن هذا الموقف لا يشاطره معها حلفاؤها الأوروبيون وأيضا الولايات المتحدة، رغم أنها دفعت للكثيرين منهم سرا مبالغ طائلة لتحرير رعاياها، خصوصا وأن بعض هؤلاء كانوا رهائن في أيدي تنظيم أبوبكر البغدادي حينما سيطر على مناطق واسعة في الشرق الأوسط.
ويذهب آخرون إلى أبعد من ذلك حينما فسروا ذلك الموقف على أنه نية مبيتة من قبل باريس حتى تمتص غضب بعض الحلفاء في أفريقيا قبل اعتماد استراتيجية التفاوض مع القاعدة وداعش في المستقبل سعيا لإطلاق سراح أي رهينة فرنسية جراء ضغوط أسرهم.
وبرر مصدر في الإليزيه في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية موقف بلاده، الذي يأتي قبل قمة حول الوضع الإقليمي ستعقد في أفريقيا خلال شهر فبراير المقبل، كون القوات الفرنسية تشن حربا ضد تنظيمين ليسا من الساحل بل هما دوليان وينفذان أعمالا إرهابية خارج حدود المنطقة.
فرنسا واجهت الكثير من التحديات مع إعلان بعض الجماعات المتطرفة موالاتها لداعش مما زاد المنافسة مع القاعدة وعقّد المشكلة بشكل أكبر
وكانت باريس قد أعلنت في يناير الماضي أن داعش في الصحراء الكبرى هو العدو الرقم واحد وأنه ما من مفاوضات ممكنة معه وأنه لا أحد يطلب ذلك في المنطقة، لكن المسألة أكثر تعقيدا هي مع جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي أعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة.
وقيادة هذه الجماعة خاضعة للقيادة المركزية للقاعدة وهي جزء لا يتجزأ من هيكلها التنظيمي لم ينجح أحد في التفاوض مع القاعدة، بحسب المصدر وأن فرنسا لن تقوم بذلك، مشيرا إلى أن بعض عناصر هذه الجماعة “له أجندة غالبا ما تكون انتهازية وأحيانا إقليمية. ولا رد على هؤلاء سوى مكافحة الإرهاب”.
ويؤكد المحللون أن هذه المسألة شائكة في المنطقة بالفعل منذ سنوات وخصوصا في مالي. فقد عادت في أكتوبر الماضي إلى الواجهة مع الإفراج عن أربع رهائن بينهم الفرنسية صوفي بيترونان في ختام مفاوضات قادها موفدون ماليون لم تشارك فيها فرنسا رسميا.
وتشدد الرئاسة الفرنسية على أن “الماليين هم من يتخذون القرارات في بلادهم” مذكرة بتمسكها بتحريك اتفاق السلام المبرم في 2015 بوساطة جزائرية، وهذا يعني أن فرنسا تتفاوض مع الإرهابيين بشكل غير مباشر، وفي كلا الحالتين قد تحقق باريس مكاسب ولكنها تواجه في الوقت نفسه رفضا مع قبل حلفائها وحتى من دول المنطقة خشية أن تتوسع مثل هذه العمليات.
وفي وقت سابق الشهر الحالي، انتقدت الجزائر على لسان رئيس الوزراء عبدالعزيز جراد خلال الدورة الاستثنائية الـ14 لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي تواصل تحويل مبالغ هامة للجماعات الإرهابية مقابل تحرير الرهائن، بما يعيق جهود بلاده في محاربة الإرهاب.
وسبق أن انتقدت الجزائر بشدة الإفراج في أكتوبر الماضي عن حوالي 200 متطرف كانوا في السجون مقابل أربع رهائن بينهم بيترونان، بعد مفاوضات بين الحكومية المالية ومجموعة جهادية تحاربها فرنسا منذ سنوات.
وتحدّث مصطفى درار، وهو أحد الجهاديين الذين أفرج عنهم في مالي مقابل الرهائن، وأوقف في أواخر أكتوبر الماضي في محافظة تلمسان غرب الجزائر، في مقطع فيديو بثه التلفزيون الجزائري الرسمي عن دفع “الملايين من اليوروهات”، وهو ما نفاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
جزء مهم من الاستراتيجية الفرنسية في المنطقة يتعلق بقوة دول مجموعة الساحل الخمس (جي 5)، وهي قوة مشتركة تضم 5 آلاف عنصر من بوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا ومالي والنيجر
وقال درار إن المفاوضات تمت بين فرنسا وإياد أغ غالي وهو أحد أبرز القياديين الجهاديين في الساحل والمرتبط بالقاعدة، ومالي، لكن لم يتم التحقق من صحة أقواله ولا من الظروف التي صور بها مقطع الفيديو، الأمر الذي عمق الغموض بشكل أكبر.
ولا تزال فرنسا، التي انخرطت بشكل أكبر في الصراعات غرب أفريقيا منذ تدخلها المباشر في مالي عام 2013، تُكابد من أجل تحقيق نصر صعب المنال بعد تعثر حملتها، وقد واجهت الكثير من التحديات مع إعلان بعض الجماعات المتطرفة موالاتها لداعش مما زاد المنافسة مع القاعدة وعقّد المشكلة بشكل أكبر.
وجزء مهم من الاستراتيجية الفرنسية في المنطقة يتعلق بقوة دول مجموعة الساحل الخمس (جي 5)، وهي قوة مشتركة تضم 5 آلاف عنصر من بوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا ومالي والنيجر ولكن القوة تفتقر للمعدات والتدريب والتمويل.