كريتر نت – متابعات
أفرزت الحرب المدمرة التي تشهدها اليمن انقسامات جيوسياسية متناقضة وحادة، ومليشيات مدعومة من قبل أطراف إقليمية كجماعة الحوثي المتواجدة في أغلب مناطق الشمال، وتتهم بتبعيتها لإيران، والمجلس الانتقالي الجنوبي المسيطر على كل الجنوب والمدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة، باستثناء محافظة شبوة وبعض مديريات محافظتي أبين ولحج، وكذلك بعض مديريات محافظتي تعز ومأرب، والتي يطلق عليها بالمناطق المحررة والخاضعة لسيطرة شرعية الرئيس “عبد ربه منصور هادي “المقيم في الرياض مع أغلب أعضاء حكومته ومسؤولي سلطته الغائبة عن المشهد بشكل شبه كلي.
في ظل حالة الإنقسام والتشظي هذه، ومع غياب أي بوادر لوقف رحى الحرب التي يدفع اليمنيون وحدهم كلفتها الباهضة من أرواحهم وكرامتهم ومستقبل أبنائهم، تحولت مأساتهم الإنسانية الى مصدر إثراء ومتاجرة للعديد من المنظمات المحلية والدولية التى تجني أموالاً طائلة بذريعة تقديم الغوث الإنساني والطبي للشعب اليمني دون أن يجد لها اليمنيون أي دور حقيقي لما تدعيه في حياتهم وينطبق عليها المثل العربي الشهير “مصائب قوم عند قوم فوائد”.
فهناك عشرات المنظمات وتحت مجالات متعددة يزدحم ملف الوضع الإنساني في اليمن بأسمائها فيما يتضاءل حضورها الميداني في الواقع باستثناء بعض المنظمات التي تبذل جهوداً تشكر عليها للتخفيف من معاناة اليمنيين المتفاقمة وإن كان دورها وأثرها محدودين والتي سنعرض جزءًا من إسهاماتها في هذا التقرير.
مأساة أعجزت كل غوث
تعد محافظة تعز، وسط اليمن، التي تعرضت وما تزال للقصف والدمار خلال سنوات الحرب وتعيش حتى اللحظة حصاراً خانقاً وغيابا شبه كلي لأي دور حكومي، من أكثر المحافظات حاجة للغوث الإنساني والعون الغذائي الأمر الذي يبقى معه جهد كل المنظمات الإغاثية مهما بلغ ضئيلاً ومحدود الأثر ولا يرقى لمستوى الوضع الإنساني الكارثي الذي تشهده المحافظة ذات الكثافة السكانية العالية.
عبد العزيز الشيباني مدير عام مديرية الشمايتين بمحافظة تعز قال لـ”الموقع بوست” إن الوضع الإنساني لسكان المديرية تأثر كغيرها من مديريات تعز جراء الحرب والحصار الذي تمارسه مليشيات الانقلاب الحوثية على محافظة تعز منذ ست سنوات، مضيفا: “ولأن مديرية الشمايتين تعد أكبر مديريات محافظة تعز كثافة سكانية فقد ساهمت موجات النزوح المستمرة إليها من تفاقم الوضع الإنساني في ظل عجز الحكومة عن القيام بدورها تجاه المواطنين بسبب الظروف السياسية والأمنية التي تعيشها اليمن والمناطق المحررة، وشحة الموارد المالية، فلم نجد بداً من التوجه للمنظمات الدولية ودعوتها للمساهمة في التخفيف من معاناة المواطنين ووفرنا كل التسهيلات الإدارية والأمنية التي تمكنها من القيام بعملها على أكمل وجه”.
الشيباني عبر عن شكره لكل المنظمات التي قدمت إلى المديرية وتبنت مشاريع معونات للمتضررين، لكنه يستدرك قائلا: “دور تلك المنظمات مهما بلغ يظل محدوداً ولا يرقى لحجم المعاناة والإحتياج، وهي ليست بديلاً عن الدولة بأي حال، وعملها مؤقت ويخضع لخطط وممولي تلك المنظمات، كما أن بقاء عمل تلك المنظمات من العاصمة صنعاء يتسبب بعراقيل في سرعة استجابتها وعملها”.
واستعرض في ختام تصريحه ما وصفها بأشكال ومجالات الدعم الذي تقدمه تلك المنظمات لأبناء المديرية والبالغ عددها (20) منظمة دولية ومحلية، والمتمثل في تقديم المعونات النقدية الطارئة غيرالمشروطة ومعونات النقد مقابل العمل بالإضافة للسلال الغذائية والإرشاد الزراعي والقطاع الصحي.
استجابة متعددة القطاعات
مع طول أمد الحرب وإتساع رقعة المحتاجين تحول عمل بعض تلك المنظمات من تقديم المعونات النقدية غير المشروطة للمتضررين إلى النقد المشروط بالعمل من خلال تبني مشاريع تنموية كرصف الطرقات، وترميم المدارس، وبناء خزانات مياه الشرب، بالإضافة لتقديم الإرشاد الزراعي ومستلزماته.
يقول المهندس عمار أبو فارع المشرف على رصف طريق طولها 350 متراً في عزلة المقارمة مديرية الشمايتين المنفذ من منظمة (كير) العالمية والممول من (UK aid) إن برنامج الاستجابة الإنسانية متعدد القطاعات ينفذ مشاريع النقد مقابل العمل من خلال صيانة وإعادة تأهيل وتحديث المشاريع الخدمية التي تعرضت للخراب الجزئي جراء العوامل الطبيعية وطول سنوات الخدمة، مشيرا إلى أن البرنامج مدته ستة أشهر ويوائم بين تقديم العون الإنساني والعمل التنموي ويعمل على إكساب المستهدفين المهارات المهنية، ويحفز المستهدفين على تنمية مناطقهم.
وعن عدد العمالة المستفيدة من مشروع النقد مقابل العمل في قريتي “الكدرة” و”الذئاب” عزلة المقارمة مديرية الشمايتين يقول المهندس عمار إن عددهم (120) مستفيدا لصيانة الطريق والمدرسة، (20%) منهم نساء مقسمين على ثلاث مجوعات كل مجموعة تعمل لمدة 12يوماً في الشهر مقابل 50 دولارا لكل مستفيد.
من دروس الرياضيات إلى رصف الطريق
فارس أحمد علوان الذي كان مدرساً لمادة الرياصيات في إحدى مدارس أمانة العاصمة صنعاء تحدث لـ”الموقع بوست” وهو منهمك في عمله مع زملائه العمال في رصف الطريق ومعتمراً قبعته الصفراء.
يقول علوان إن الحرب أحرمته راتبه، فاضطر للنزوح إلى قريته وتقديم ملفه إلى وزارة التربية في العاصمة المؤقتة عدن وعمل مدرساً متبرعاً في مدرسة قريته لمدة سنتين، أملاً في أن تعيد له حكومة الشرعية راتبه، إلا أنه فقد الأمل في ذلك بعد طول انتظار، وتحت ضغط الحاجة وتدهور الوضع المعيشي لم يجد سوى الانخراط في مشروع النقد مقابل العمل لإعالة أسرته وإصلاح طريق قريته.
صيانة ما خرب الدهر
الحال ذاته بالنسبة للطرق التي ظلت لعقود مهملة تقوم منظمة (كير) بإعادة ترميم هذه المدرسة في عزلة المقارمة مديرية الشمايتين والتي تم بناؤها في عهد الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي (1976–1987) وحملت اسمه.
وفيما يدلف اليمنيون عتبات العام (2021) بقوى خائرة أنهكتها سنوات الحرب المتعاقبة مثقلين بتداعياتها المأساوية التي لا يكترث مشعلو تلك الحرب لمعاناة ضحاياها وأعدادهم الكبيرة.
وتبقى المنظمات الدولية بغض النظر عن براءة أهدافها هي الخيار البديل المتاح لمن وجدوا أنفسهم على شفا مجاعة وزاغت أبصارهم الدامعة من طول النظر حول العاصمة السعودية الرياض لترقب بزوغ هلال حكومة دونها حجب وتعقيدات شتى.