أعربوا عن صدمتهم من توقيع رئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني القيادي في حزب العدالة والتنمية اتفاق سلام مع إسرائيل
علي ياحي
أحدث توقيع رئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني، القيادي في حزب العدالة والتنمية، اتفاق سلام مع إسرائيل، “صدمة” وسط التيار الإسلامي الجزائري الذي راح زعماؤه يوجهون انتقادات لاذعة لنظرائهم في المغرب وحمّلوهم مسؤولية الخزي الذي لحق بهم، بلغت حد اتهامهم بالخيانة.
نيران صديقة
وعبّر أكبر حزب إسلامي في الجزائر، حركة مجتمع السلم، عن استيائه لخطوة العثماني، وقال رئيسه عبد الرزاق مقري، “أكبر من يناله الخزي والعار هو رئيس الحكومة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، باعتبار خيانته لمبادئه وخطه السابق المعادي للعلاقات مع إسرائيل بأي شكل من الأشكال، وفق ما كان يصرح به هو نفسه”.
أضاف، “نعلم أن في هذا الحزب أصلاء ومناضلين صادقين في مناصرة الفلسطينيين ضد المحتل الصهيوني، غير أنه، إن وافقت مؤسسات هذا الحزب على هذه الخيانة، فهو حزب قد دخل رسمياً في دائرة التصهين، وكل ادعاء بالاستمرار في دعم القضية الفلسطينية ادعاء باطل، ولن يكون له أي أثر”. وقال، “موقفنا هذا من حزب العدالة والتنمية المغربي واجب علينا، وهو واجب على كل حرّ في العالم العربي والإسلامي، إحقاقاً للحق أولاً، ثم حتى يبقى الأمل قائماً في الأمة ولا يتعاظم الانهيار المعنوي الذي تسببه مثل هذه الخيانات، ثم حتى نبرئ أنفسنا مما نتهم به باطلاً وزوراً بأننا نكيل بمكيالين”.
من جانبه، أشار رئيس حزب البناء عبد القادر بن قرينة، الى أن الموقف من العلاقات مع تل أبيب التي جددها المغرب، وتولّى إخراجها رئيس حزب العدالة والتنمية الذي يشغل رئاسة الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، أمر مرفوض، وقال، “لا أعيب عليهم اختياراتهم السياسية في قضايا بلدهم، وإنما أعيب عليهم الشذوذ الفكري الساخر أحياناً من مواقف غيرهم من تيار الوسطية والاعتدال مثل ما فعلوا مع جماعة الإخوان المسلمين ومع حركة حماس فلسطين نفسها”، مضيفاً، “هذا الشذوذ الفكري هو الذي جعل من حزبهم كياناً وظيفياً لخدمة أجندات ضارة بمصالح الأمة وبمصالح شعبهم وقواعدهم الانتخابية والحزبية”.
واتهم بن قرينة، حزب العدالة والتنمية، قائلاً، “صرحت مراراً أن الحراك الشعبي المغربي إنما أجهضه فكرهم بتخطيط ذكي من المخزن”، (المخزن هو مصطلح له دلالة خاصة في اللغة الدارجة المغربية، ويشير إلى النخبة الحاكمة في البلاد)، الذي استثمر من خلالهم الأيديولوجية الإسلامية، وبالتنسيق التام معهم لامتصاص حراك الشارع لصالح استقرار دوائر الفساد المرتبطة به وليس استقرار الدولة المغربية الذي نتفهمه ولا نقبل المساس به”، معتبراً أن “خطاب حزب العثماني المحسوب على التيار الإسلامي، كان دوماً مناوئاً للجزائر، وسلوكيات كوادر هذا الحزب كانت دائماً شاذة، لا يهمها إلا خدمة أجندات المخزن”. وختم أن هذا الشذوذ بلغ ذروته اليوم، عندما تعلّق الأمر بقضية فلسطين المقدسة والمركزية لدى أبناء الأمة الإسلامية.
في السياق ذاته، اعتبرت حركة الإصلاح على لسان زعيمها فيلالي غويني، أن “العثماني ما هو إلا جزء من كل، هو انخرط منذ وقت طويل في منظومة المخزن”، مشيراً الى تناقض كبير في المواقف والمبادئ التي كان وحزبه العدالة والتنمية يتحدثان بها، وعن مواقفهما في ما خص نصرة فلسطين. وأضاف أن هناك تراجعاً عن المواقف بما يجعلهم امتداداً للنظام المغربي.
تصرف يدفع إلى مراجعات؟
أستاذ العلوم السياسية أيوب سالم حماد، اعتبر أن القضية الفلسطينية بالنسبة إلى الإسلاميين عنصر يرتبط بالهوية السياسية لهم، لذلك ظلوا لسنوات يجعلونها في أولى أجندات نضالهم، وعليه، فإن ما قام به سعد الدين العثماني غير مقبول في تقدير كثيرين من الإسلاميين الجزائريين وغيرهم، خصوصاً على المستوى الشكلي. وأوضح أن الخطوة تشكل إدانة لهم، لأنه في نظر الإسلاميين، القضية الفلسطينية لا يمكن أن تشكّل عنصر تفاوض، فهي محسومة لديهم على المستوى العقائدي.
ولفت إلى أن العثماني جازف بهويته السياسية وبمرجعيته الإسلامية، والتبريرات التي قدمها لم تقنع الإسلاميين وغيرهم، وقد ظهر في مظهر المستسلم والمتخاذل، هو الذي كانت تصريحاته من ذي قبل معارضة لعلاقات كهذه، مشدداً على أنه في نظر الإسلاميين، كان على العثماني ألا يتنازل وأن يرفض إرادة القصر الملكي الذي هندس هذا التوجه، ولو أنه لم يقبل بذلك، لكان حفظ ماء وجهه، خصوصاً أمام بني فكرته ومرجعيته.
وأضاف حماد أن مسألة الخيانة متداولة إعلامياً وعلى مستوى صفحات التواصل الاجتماعي، “لكنني أرى أن الخطوة التي أقدم عليها العثماني ستدفع إلى مراجعات على مستوى إسلاميي المغرب بشأن حدود الواقعية السياسية التي انخرطوا فيها، ولعلّ من عوامل التعجيل بذلك ردود الفعل الكبيرة والمتأثرة بشدة من صورة حزب العدالة والتنمية في مشهد توقيع وثيقة العلاقات مع إسرائيل”، وختم أنه بات من الضروري على العثماني وحزبه الإجابة بشكل عقلاني وصريح عن التساؤلات المطروحة وأهمها: هل تجاوز العثماني حدود الواقعية المطلوبة؟ وهل الحزب خضع لابتزاز من جهة ما؟
انتقادات عاطفية شعبوية
في المقابل، اعتبر المستشار الأسبق لوزير الشؤون الدينية والأوقاف، الكاتب المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، عدة فلاحي، أن الإخوان في وضع لا يحسدون عليه، فالأنظمة السياسية العربية ضدهم وتلاحقهم بتهم الإرهاب، وتسهر المراجع الدينية لتكفيرهم، ولهذا ربما وجد العثماني نفسه وحزبه مضطرين إلى الانحناء برؤوسهم للإعصار وهم كارهون ومكرهون، وقال، “تنديد الإخوان عندنا بالجزائر بما أقدم عليه حزب العدالة والتنمية، هو أمر طبيعي وعادي، لأنه ينسجم مع موقف الجزائر الرسمي والشعبي”، كما أنهم يريدون كسب بعض النقاط لصالحهم، وإن كانت تصريحاتهم وبياناتهم ضد حزب العدالة المغربي عاطفية وشعبوية وتفتقد للاحترافية السياسية.
ويرفض فلاحي القول الذي يعتبر أن تصرف العثماني قضى على التيار الإسلامي، وإنما هو انحناء تكتيكي للإعصار، بسبب أن وضع الإخوان على مستوى الأنظمة لا يحسدون عليه، بالتالي، “أعتقد أن إخوان المغرب فهموا اللعبة وتعاطوا معها إلى حين”، موضحاً أنهم سيخسرون بعض المواقع على المستوى الشعبي، لكن يبقى حضورهم مهماً ويحسب له، وختم أنهم تعاطوا مع إكراهات الواقع السياسي وفق قاعدة السياسة فنّ الممكن، وهذا فعلاً يحتاج الى شجاعة سياسية قد لا تظهر نتائجها اليوم وإنما في المستقبل.
بن كيران يدافع عن رفيقه
وما يكشف عن تضرر التيار الإسلامي من خطوة العثماني، تعقيب عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة المغربية الأسبق، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إذ رفض الحديث عن إقالة العثماني وتكليف نائبه، لأن ذلك ليس هو العدالة والتنمية الذي يعرف، وقال إن الحزب بمؤسساته يمكنه مناقشة الأمر، لأنه ليس حزباً عادياً، بل يرأس الحكومة، وهو عضو أساسي في بنية الدولة التي يرأسها الملك، مشدداً على أنه “باستطاعة الحزب مغادرة الحكومة، ولكن في هذه الظروف الأمر غير ممكن، لأن هذا الوقت يتطلب الوقوف مع الملك”
وتابع بن كيران، “أي كلام مع العثماني يدخل في سياق التخلي عن الدولة، وهو ما لا يمكن أن يحدث اليوم، لأننا في معركة خارجية”، مبرزاً أن العثماني أمين عام ورئيس حكومة عيّنه الملك، وتوقيعه مرتبط بالدولة ورئاستها، وهي من تحدد من سيوقّع، وتساءل: هل كان من الممكن أن يرفض العثماني التوقيع؟
انتكاسة لها أثر سلبي
التيار الإسلامي في المغرب له سقف محدد ومعيّن للحرية، لا يستطيع تجاوزه حتى بأقل الاحتجاج، وله نظرته إلى النظام كوليّ أمر وجب الامتثال لأوامره، يقول سعيد مرسي، أحد مؤسسي حركة مجتمع السلم الإسلامية، مشيراً إلى أن روابط التيار الإسلامي في المغرب مع غيره في البلدان الأخرى محدودة، قد تتفق في بعض الجوانب الفكرية ولكن لا يرقى ذلك إلى مستوى المشروع السياسي، وأبرز أن الرهان كان على تجربة الإسلاميين في الحكم بالمغرب، وانتكاسة العلاقات مع تل أبيب لا شك أن لها انعكاساً سلبياً على كل الحركات الإسلامية في المنطقة.
المصدر : اندبندنت عربية