كريتر نت – العرب
أثار أداء الوزراء اليمنيين في الحكومة الجديدة برئاسة معين عبدالملك لليمين الدستورية في العاصمة السعودية الرياض عوض العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، استغراب العديد من الأوساط السياسية التي رأت أن هذه الخطوة أضاعت فرصة إثبات هذه الحكومة لحضورها في المناطق المحررة.
عدن – أدّت الحكومة اليمنية الجديدة المنبثقة عن اتفاق الرياض برئاسة معين عبدالملك، السبت، اليمين الدستورية أمام الرئيس عبدربّه منصور هادي في مقر إقامته في العاصمة السعودية الرياض.
واستغربت مصادر سياسية يمنية تفويت الرئاسة اليمنية لفرصة إثبات حضورها في المناطق المحررة، من خلال إقامة مراسيم أداء اليمين الدستورية في قصر “معاشيق” بعدن، كما ينص “اتفاق الرياض”. غير أن مصادر أخرى أكدت لـ”العرب” أن عودة الرئيس عبدربّه تعثرت في هذه الفترة، بسبب الخلافات التي ما زالت قائمة حول طبيعة قوات “الحماية الرئاسية” التي ستعود بموجب الاتفاق بين “الشرعية” والمجلس الانتقالي، إلى عدن لتولي تأمين القصر الرئاسي والمقرات الحكومية.
وقالت المصادر إن مرشح التنظيم الوحدوي الناصري في الحكومة، وزير الإدارة المحلية المعيّن، حسين الأغبري، امتنع عن أداء اليمين أمام الرئيس عبدربّه، مشترطا أن تتم المراسيم في العاصمة المؤقتة عدن، فيما قال الصحافي محمد سعيد الشرعبي لـ”العرب”، إن ممثل التنظيم رفض أداء اليمين الدستورية في الرياض، احتجاجا على إعلان قرار تشكيل الحكومة دون دمج وزارة مخرجات الحوار الوطني بوزارة الإدارة المحلية، وهو ما دفع التنظيم إلى التلويح بالانسحاب من الحكومة إذا لم يُنفذ قرار الدمج.
وأشارت المصادر إلى أن لجنة مشكّلة من التحالف العربي تعمل على تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق الرياض التي تشمل عودة قوات اللواء الأول حماية رئاسية إلى عدن، في ظل إصرار المجلس الانتقالي على عودة اللواء بقوامه الذي كان قائما قبل مواجهات أغسطس التي شهدتها العاصمة اليمنية المؤقتة، وأن لا يشمل ذلك القوات التابعة للإخوان التي تمت إضافتها للواء عقب أحداث أغسطس 2019 وشاركت بعد ذلك في المواجهات العسكرية التي استمرت لقرابة عام في محافظة أبين.
ووفقا لمصادر “العرب”، من المفترض أن تغادر الحكومة إلى عدن التي شهدت انتشارا أمنيا مكثفا من قبل قوات الحزام الأمني لتأمين المدينة وإنهاء كافة المظاهر المسلحة خلال اليومين القادمين بعد استكمال ترتيبات إعادة انتشار القوات الأمنية، التي ستتولى وفقا لاتفاق الرياض تأمين المدينة وحفظ الأمن فيها، وتأمين حركة المسؤولين الحكوميين.
وتنتظر حكومة المحاصصة الحزبية الجديدة جملة من التحديات السياسية والاقتصادية والخدمية، مع بروز مخاوف من انتقال عدوى الصراع السياسي بين المكونات اليمنية في معسكر الشرعية إلى داخل مجلس الوزراء.
ويشير محمد سعيد الشرعبي إلى أن أبرز التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة هي هيمنة بعض مراكز القوة التي تكونت في المرحلة السابقة على القرارات في بعض الوزارات السيادية، واستمرارها في الاستحواذ على الإيرادات الحكومية، وتحويلها إلى بنوك خارجية بدون أي رقابة، والفساد المستشري في قطاعات مثل الاتصالات والنفط والمؤسسة العسكرية، إضافة إلى استمرار عمل بعض الأطراف على إذكاء الخلافات بين المكونات التي تشكلت منها الحكومة.
وفي كلمة له أمام الحكومة المنبثقة عن اتفاق الرياض، قال الرئيس عبدربّه إن “أهم أولويات الحكومة الجديدة في المقام الأول، مواجهة التحديات الاقتصادية ووقف تدهور الاقتصاد ودعم العملة الوطنية وبناء وتعزيز إيرادات الدولة ومؤسساتها المختلفة”.
وحث الرئيس عبدربّه الحكومة على التحرك كفريق واحد وضمن برنامج واحد وهدف واحد، يمثل طموحات الشعب ويؤسس لمرحلة جديدة تلغي كل آثار الماضي، مشددا على أن الحكومة الجديدة أمامها “فرصة كبيرة تستحق نفوسا كبيرة وهمة عالية متجاوزة للصغائر ومتعالية عن المناكفات”.
وطالب الرئيس عبدربّه الحكومة بالحفاظ على مظاهر الدولة، وسمعتها وهيبتها ورمزيتها، مخاطبا الوزراء “لا أريد أن أسمع أن وزيرا في هذه المرحلة يصدر تصريحا يضر بسمعة الدولة”.
وأضاف “نريد عدن عاصمة للجميع، نريد مؤسسات تبنى، نريد اقتصادا يتعافى، نريد أمنا يستتبّ، نريد مواجهة للانقلاب، ونريد خدمات للناس، وهذا باختصار ما ينتظركم”.
كما أكد الرئيس عبدربّه في أول اجتماع يرأسه للحكومة قبل مباشرتها أعمالها في عدن، على أن هذه الحكومة “معنية بمتابعة ما تبقى من استحقاقات اتفاق الرياض وخاصة في الجانب العسكري والأمني بما في ذلك استكمال الانسحابات وجمع السلاح وتوحيد كافة التشكيلات العسكرية والأمنية تحت وزارتي الدفاع والداخلية”، مشيرا إلى أن “العاصمة المؤقتة عدن يجب أن تكون خالية من كافة الوحدات العسكرية وتمكين الأجهزة الأمنية من القيام بدورها”.
ولفت إلى التحول في أسلوب إدارة الحكومة الجديدة، واختلافها عن الحكومات السابقة التي كانت تواجه بعاصفة من الانتقادات الشعبية، مشددا على أنه “لن يكون هناك بعد اليوم وزير يمارس عمله من خارج الدولة والعاصمة، وسيعود الجميع، وستعملون بطاقة إضافية لبناء هذه المؤسسات”. كما كشف عن التوجه لرصد موازنة خاصة بالنفقات التشغيلية للوزارات “رغم شحة الإمكانيات”.
وفي تعليق على أداء الحكومة اليمنية الجديدة لليمين الدستورية، قال الوكيل المساعد لوزارة الإعلام أسامة الشرمي، في تصريح لـ”العرب”، “اليوم نعيش رسمياً أول أيام حكومة الكفاءات المنبثقة عن اتفاق الرياض، يأمل المواطنون منها العمل على بناء مؤسسات الدولة وتطبيع الأوضاع في المحافظات المحررة واستقرارها”.
وعن أبرز الأولويات في عمل الحكومة، أضاف الشرمي “بالإضافة إلى بناء المؤسسات وخلق حالة استقرار عقب الأحداث الماضية، فإن الحكومة الجديدة مطالبة بأن تقترب أكثر من احتياجات المواطنين ودعم طموحات اليمنيين بالتحرر من ميليشيا الحوثي الإيرانية، كما أن توجيهات رئيس الجمهورية للحكومة بعيد أداء اليمين الدستورية مثلت أجندة عمل واضحة وتأسيسية للمرحلة القادمة، وكان أبرز ما يلفت انتباه الوزراء في التوجيه الرئاسي، أنه لا للمزيد من الانقسام، لا للفساد والتشديد على سيادة القانون وأن لا أحد فوق المساءلة والمحاسبة إذا أساء في أداء وظيفته، وأن القضية المحورية هي محاربة الانقلاب الحوثي”.
وكشفت مصادر سياسية لـ”العرب” في وقت سابق، عن تفاصيل المرحلة الثانية من برنامج تنفيذ الشقين السياسي والعسكري في “اتفاق الرياض” الذي ستشرف الحكومة على تنفيذه، وتشمل انسحاب القوات العسكرية من محافظتي حضرموت وشبوة اللتين يهيمن عليهما الإخوان، وتعيين محافظين ومدراء شرطة لكافة المحافظات الجنوبية، بالتشاور مع المجلس الانتقالي.
ولم تستبعد المصادر أن تطال التغييرات قيادات عليا في رأس هرم الشرعية مثل نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر الذي توجه إليه أصابع الاتهام بالإخفاق في إدارة الملف العسكري والمسؤولية عن ضعف المؤسسة العسكرية وانهيار الجبهات وسقوط محافظة الجوف ومنطقة نهم.
ووفقا للمصادر، سيتم تعيين محافظ جديد لمحافظة شبوة، بدلا عن المحافظ الإخواني الحالي محمد عديو، وسيحتفظ محافظ سقطرى رمزي محروس بمنصبه، فيما سيتم تعيين محافظين لبقية المحافظات بالتشاور بين الرئيس عبدربّه والمجلس الانتقالي.
ولفتت المصادر إلى وصول قوات عسكرية تابعة للتحالف العربي إلى محافظة شبوة التي يسيطر عليها الإخوان، لمنع أي محاولات لإفشال تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق الرياض أو محاولة تفجير الوضع العسكري في المحافظة، بعد تعرض أحد معسكرات التحالف في بلحاف لقصف بالهاون منتصف الشهر الجاري.
كما ستشمل التغييرات في الحكومة تعيين رؤساء لبعض الهيئات والمؤسسات والدوائر، إضافة إلى تعيين نواب وزراء ووكلاء بالتشاور مع المجلس الانتقالي وهو ما يعني، بحسب مراقبين، إضعاف قبضة جماعة الإخوان على مفاصل “الشرعية”.