كريتر نت – BBC
في الآونة الأخيرة، دق نشطاء يمنيون على مواقع التواصل ناقوس الخطر بسبب ما وصفوه “بعودة العبودية وسخرة الأطفال”.
وقبل أيام أثار منشور قيل إنه يوثق “بيع” طفلة يمنية لا يتجاوز عمرها 8سنوات، جدلا واسعا.
وعلى إثرها انتشر وسم”#ساعدوا_ليمون بكثافة عبر المنصات الإلكترونية التي أسهمت لاحقا في إنقاذ الطفلة وإرجاعها لعائلتها، بحسب ما قاله نشطاء يمنيون.
وأطلق حقوقيون صرخة استغاثة وناشدوا منظمات حقوق الإنسان التدخل لإنقاذ الطفلة مما وصفوه بـ ” الاستعباد” في حين عدها آخرون ” مجرد عرف ليس له أي سند قانوني”.
ولم يعلق أي مصدر رسمي داخل اليمن أو خارجه على القضية، لكن الناشط اليمني، يزيد الجداوي، أكد أن “القضية حقيقية”.
فما تفاصيل القصة؟
تعود القصة إلى أواخر العام الماضي إلا أن تفاصيلها بدأت تتكشف للرأي العام في 23 ديسمبر/كانون الأول .
ونشر آنذاك الناشط اليمني منير الحارقة صورة وثيقة مختومة بشعار “الجمهورية اليمنية، وزارة العدل”.
وتلقفت صفحة “صوت نسوي يمني”، التي يتابعها أكثر من 12 ألف شخص عبر تويتر، الوثيقة لتنتشر بعدها بكثافة ويصل صداها إلى دول عربية أخرى.
يَرد في الوثيقة المتداولة أن “والد الطفلة “ليمون” قد باع ابنته الحرة لرجل آخر مقابل مبلغ يسد به دينه المستحق”.
وحاولت بي بي سي عربي التواصل مع جهات رسمية للتثبت من صحة الوثيقة المتداولة، إلا أننا لم نحصل على رد، حتى كتابة هذه السطور.
وبحسب الصورة، فإن تاريخ “البيع” هو 31 أغسطس/ آب عام 2019 في منطقة بمحافظة إب.
وقد أثار التاريخ المدون شكوكا لدى البعض حول مصداقية القصة متسائلين عن سر التأخر في كشف تفاصيلها.
لكن مدونين قالوا إن الوثيقة اعتمدت قبل فترة وجيزة من تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
يرجح الناشط في المجتمع المدني، يزيد الجداوي:”أن يكون الأب أو أحد الشهود وراء تسريب عقد “البيع” مع اقتراب موعد تنفيذه”.
ويتابع في حديثه مع مدونة ترند:”عادة ما تظهر هذه القضايا للعلن عندما يحاول صاحب القضية إيجاد حل لمشكلته” مضيفا أن “أب ليمون ربما أراد استعادة ابنته أو لفت انتباه الناس إلى وضعه حتى يقوموا بمساعدته”.
وما إن انتشرت الوثيقة حتى سارع نشطاء في المنطقة إلى جمع المبلغ المطلوب تسديده، وإعادة الفتاة إلى والدها، وتم توثيق ذلك بسند خطي آخر.
لكن عودة ليمون إلى كنف عائلتها لم يبدد قلق الناشطين الذين يخشون خطر “بيعها” مرة أخرى.
وعاب مغردون على المنظمات الحقوقية الدولية صمتها وطالبوها بالتدخل لحماية الطفلة وإخوتها من “الرق أو استغلالها لأعراض جنسية أو للخدمة المنزلية” على حد وصفهم.
ما موقف القانون؟
رغم تأكيده المسبق على أن ما حدث لليمون “جريمة تستوجب أقصى العقاب”، يستبعد الجداوي أن يكون “الغرض من العقد استغلال الطفلة جنسيا أو تزويجها لاحقا.”
ويشير محدثنا للوضع الاقتصادي مضيفا ” جل سكان المناطق النائية في شمال اليمن يعانون من الفقر المدقع، حتى أن بعضهم أقدم على الانتحار أو قتل أطفاله لعجزه على توفير حاجياتهم”.
ويمثل الشيوخ في تلك المناطق “مرجعية لسكان القرية، فهم ملجأهم الوحيد لحل مشاكلهم في ظل غياب الدولة”.
لذا ينفي الجداوي أن تكون وزارة العدل سمحت بتوثيق “عقد البيع” المتداول،مشيرا إلى أن “ختم المحكمة مختلف”.
ويفسر قائلا” ذلك النوع من العقود يباع في المكتبات العامة وتصرف للأمناء المخولين بكتابتها كشيوخ القبائل أو أئمة المساجد”.
هل هناك عودة لممارسة الاسترقاق؟
من جهة أخرى، أبدت الناشطة اليمنية، رضية المتوكل، استغرابها لدى سماعها تفاصيل القصة التي استعصى عليها فهم ملابساتها.
وتقول إن “قضية بيع الأبناء لم تكون مطروحة أبداً في اليمن الذي يعاني أصلا من مشكلة زواج القاصرات” مضيفة بأن “ما حدث مع ليمون حالة شاذة ولا يمكن تبريريها”.
في حين تشير الناشطة شريفة المقطري في حديثها معنا إلى هذه المشاهد ليست جديدة واصفة ما وقع بأنه نوع من أنواع ‘الرق والنخاسة ‘.
قبل أكثر من نصف قرن، أعلن اليمن إلغاء كافة أشكال العبودية، بموجب المادة 248 من قانون العقوبات التي تنص على حبس كل من “باع أو تصرف بإنسان” مدة لا تقل على عشر سنوات.
إلا أن شريفة ترى أن قصة ليمون تدحض مزاعم كل من يظن أن الظاهرة انتهت” وتضيف “ما حدث هو أحد نتائج الحرب وما خلفته من مآس وجوع ومشاكل نفسية وتمييز عنصري إضافة لانتشار الجهل”.
وتكمل ” قد يكون الانتقام والحقد وراء قيام الأب ببيع ابنته حتى يتمكن من سداد ديونه لطليقته مشيرة إلى أن “الأنثى كيان لا قيمة له في الأرياف والقرى النائية”.
في المقابل حذر آخرون من توظيف القضية سياسيا واقترحوا على المنظمات المجتمعية تنظيم حملات لمساعدة سكان المناطق النائية وتثقيفهم قانونيا.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تنشط مبادرات شبابية تهدف إلى دفع الأجهزة الأمنية لمحاسبة المتورطين في قضية ليمون وإحالتهم للجهات المختصة حتى لا تكرر هذه القضية.
ويعد اليمن من أسوأ بلدان العالم في مجال حقوق النساء والأطفال .
وزادت الحرب وويلاتها من تدهور وضع النساء والأطفال. ورغم ذلك يبقى هناك تفاؤل في أن تتحسن الأمور بفضل نشاط المجتمع المدني وضغط مواقع التواصل الاجتماعي.