كريتر نت – العرب
مجرّد الجوار الجغرافي مع العراق لا يكفي كتفسير للتركيز الاستثنائي من قبل تنظيم داعش على الساحة الكويتية ومحاولته اختراقها مرارا وتكرارا، بل توجد أسباب أعمق لهذه الظاهرة أهمها معرفة التنظيم بوجود أرضية للتشدّد الديني يمكنه استغلالها، في ظل التردّد الحكومي إزاء بعض الظواهر المنذرة بوجود مخاطر على الدولة والمجتمع، وحالة من التساهل إزاء استغلال الدين لأغراض سياسية من قبل شخصيات وتنظيمات متشدّدة تبث أفكارها بأريحية تحت أعين السلطات.
يسجل مختصّون في شؤون التنظيمات الإسلامية المتشدّدة تركيزا استثنائيا من قبل تنظيم داعش على الساحة الكويتية، معتبرين أنّ مجرّد الجوار الجغرافي للكويت مع العراق الذي يعتبر ساحة نشاط رئيسية للتنظيم لا يكفي لتفسير الظاهرة، وأنّ هناك أسبابا أعمق تغري داعش بمحاولة اختراق الكويت واتخاذها جسرا نحو الساحة الخليجية المتينة أمنيا وذات المجتمعات الميسورة والمتماسكة بحيث يصعب على التنظيمات المتشدّدة والإرهابية اختراقها رغم محاولاتها القيام بذلك.
ويذهب بعض هؤلاء إلى القول إن داعش يلمس وجود بعض الظروف المهيّأة لتركيز موطئ قدم له في الكويت بما في ذلك وجود أرضية للتشدّد الديني لا يبدو أنّ الدولة الكويتية كانت حاسمة في التعامل معها واجتثاث الأفكار السائدة فيها حماية للمجتمع وتحصينا لاستقرار البلد وحفظ أمنه.
وصُدم الكويتيون مؤخّرا من انتشار تفاصيل عن مخطّط لتنظيم داعش يقوم على استخدام مراهقين كويتيين في تنفيذ هجمات دامية في البلاد، تذكّر بما كان التنظيم قد أقدم عليه خلال صيف سنة 2015 عندما استهدف بتفجير انتحاري مسجدا للشيعة في منطقة الصوابر بالعاصمة الكويت، موقعا العشرات من الضحايا بين قتلى وجرحى.
وجاء في التفاصيل أنّ التنظيم تمكّن من الوصول إلى الأحداث والتغرير بهم عبر لعبة على شبكة الإنترنت، وأنّ أحد المراهقين المتورّطين بشكل رئيسي في القضية هو ابن عضو سابق في مجلس الأمّة (البرلمان) وأنّه لعب دور المحرك الرئيسي لباقي الأحداث الذين غرّر بهم داعش. كما جاء أيضا أن عنصر داعش الذي تولى مهمة تجنيد الأحداث الكويتيين عراقي الجنسية وهو أحد أخطر عناصر التنظيم في العراق، وأنّه بعد تمكّنه من إغواء ابن النائب السابق، طالبه بتجنيد من يستطيع من أصدقائه لتكوين خلية لداعش في الكويت يكون هو قائدها.
محاولات لا تعرف اليأس
يبدو أنّ المخطط الداعشي قطع أشواطا متقدّمة قبل كشفه حيث عثر بحوزة المراهقين الذين تمّ تجنيدهم من قبل داعش على أسلحة وذخائر كانوا ينوون استخدامها في تنفيذ عمليات إرهابية تستهدف دور عبادة ومجمّعات تجارية.
وليست هذه هي المرّة الأولى التي يتم خلالها إحباط مخطّطات لتنظيم داعش في الكويت حيث أعلن بعد قرابة السنة من تفجير الصوابر الدامي عن اعتقال عناصر تنتمي إلى التنظيم المتشدّد بينها طلال نايف رجا كويتي الجنسية الذي كان يخطط آنذاك لتفجير مسجد شيعي في محافظة حولي جنوبي الكويت، فيما تمّ في الفترة ذاتها تفكيك خلية إرهابية مرتبطة بنفس التنظيم تضم أربعة أشخاص، اثنان منهم أجنبيان فيما يحمل الآخران الجنسية الكويتية وهما مبارك فهد مبارك، وعبدالله مبارك محمد وكان من منتسبي وزارة الداخلية الأمر الذي سبّب آنذاك حالة من القلق الشديد بشأن إمكانية اختراق المتشدّدين للأجهزة الرسمية، بل أكثرها حساسية؛ الأجهزة الأمنية والعسكرية.
وقبل تلك الأحداث تلقت الكويت إنذارا بشأن جنوح عدد متزايد من مواطنيها والمقيمين على أرضها نحو التطرف والإرهاب وذلك عندما أظهرت معلومات أمنية تمّ الكشف عنها سنة 2014، تزايد عدد الكويتيين المقاتلين في صفوف تنظيم داعش في سوريا والعراق إلى حوالي مئتي مقاتل، وهو رقم اعتبر كبيرا بالنظر إلى صغر حجم البلد ومحدودية عدد سكانه الذي لا يتجاوز 4.5 مليون ساكن بينهم قرابة 1.5 مليون مواطن، وبالنظر أيضا إلى الدور الذي يمكن لهؤلاء المقاتلين أن يلعبوه في تجنيد المزيد من مواطني الكويت والمقيمين فيها للانضمام إلى التنظيم في ظل وفرة وسائل الاتصال وقدرة مستخدميها على تجاوز الرقابة الأمنية والوصول إلى الشرائح المراد تصيّدها والتجنيد في صفوفها، على غرار ما حدث مع خلية المراهقين التي تم تفكيكها مؤخّرا، حيث تم التسرّب إلى هؤلاء الأحداث عبر ثغرة من الصعب توقّعها وضبطها وهي ثغرة الألعاب عبر شبكة الإنترنت.
محاولة متأخرة لضبط فوضى العمل الخيري بعد أن أصبح مصدرا لتمويل الإرهاب والتشدّد من الثروة الكويتية
وخلال السنوات التي تلت السنة المذكورة والتي مثّلت بداية الصعود الكبير لتنظيم داعش واحتلاله مساحات شاسعة من سوريا والعراق وتطوّر طموحاته إلى تأسيس “إمارة إسلامية” على المناطق التي احتلها، عانت الكويت من تعدّد محاولات التنظيم اختراق ساحتها الداخلية، حيث تمكنت السلطات في شهر سبتمبر من السنة ذاتها من القبض على أحد عشر شخصا من جنسيات مختلفة وبينهم أيضا مواطنون كويتيون بعد أن تم تتبعهم والتأكد من وجود اتصالات مكثفة لهم مع داعش ومشاركتهم في عدد من معاركه داخل سوريا والعراق وإمداده بالمال.
وأفضت الجهود الأمنية التي تلت تلك السنة إلى إثبات وجود خطر فعلي لتنظيم داعش على الكويت من خلال الكشف عن وجود مناصرين له داخل البلاد. ففي منتصف 2015 أعلنت وزارة الداخلية الكويتية الكشف عن عناصر شبكة إرهابية تنتمي إلى تنظيم داعش وتضم خمسة كويتيين “شاركوا في الأعمال القتالية في كل من سوريا والعراق”. وبينت السلطات الأمنية أن “هؤلاء الإرهابيين اعترفوا بتلقي دورات في تعاليم التنظيم الإرهابي والفكر الضال المنحرف إلى جانب تدريبات متقدمة على حمل السلاح”، موضحة أنّ أحد المتهمين ويدعى مبارك ملفي قد “قتل في إحدى العمليات الإرهابية في العراق”، بينما عثر في منزل أحد المعتقلين ويدعى فهد حمد على “كتب تكفيرية تحث على القتال والإرهاب بالإضافة إلى علم تنظيم داعش”.
كما اعتقل في نطاق العملية ذاتها شخص آخر يدعى محمد حمد قالت الداخلية إنه “انضم وقاتل مع تنظيم داعش في الموصل بالعراق”، وكذلك “فالح ناصر الذي انضم وتدرب مع التنظيم في الموصل وشارك في القتال”، مشيرة إلى أنه تم أيضا ضبط شخص يدعى محمد فلاح “قام بدعم وتسهيل إجراءات سفر عناصر من الخلية للمشاركة في العمليات الإرهابية بالعراق”.
خلل في أسلوب اجتثاث التطرف
تظهر مختلف هذه النماذج وغيرها كثير أن تنظيم داعش يضع الكويت على خارطة المناطق التي يعتبرها ساحة ممكنة لأنشطته، وهو اختيار ليس عشوائيا ولا اعتباطيا بل يستند، بحسب المختصين في شؤون الجماعات الإسلامية، إلى معطيات موضوعية في مقدّمتها وجود أرضية للتشدّد في البلد، كرّسها خلل في أسلوب الدولة في مواجهة الأسباب التي أوجدتها والتصدّي للأفكار السائدة فيها على الرغم من ظهور علامات كثيرة على محاولة حاملي تلك الأفكار تحويلها إلى أعمال وأنشطة على أرض الواقع وفرضها على المجتمع.
وإلى جانب جماعة الإخوان المسلمين التي تمكّنت من إيجاد فرع لها في الكويت نشيط وحركي في مجالات الإعلام والسياسة والتعليم وغيرها، وناجع بشكل استثنائي في عملية جمع الأموال، ينشط في الكويت تيار سلفي بعيد عن الإسلام المعتدل ويظهر ميلا إلى الإسلام الحركي، بل يجاهر في الكثير من الأحيان بانحيازه إلى الأفكار الجهادية ويعمل على الترويج لها، وهو الأمر الذي انكشف بوضوح تامّ عندما اندلعت الحرب في سوريا وانغمست فيها تيارات وتنظيمات إسلامية متشدّدة مثل داعش وجبهة النصرة وجماعة الإخوان المسلمين.
وعند ذلك تحمّس الكثير من الكويتيين وكشفوا عن تبنيهم لفكرة “الجهاد” وانخرط الكثير منهم في عمليات خطرة لجمع التبرّعات لم تكن الدولة الكويتية قادرة على ضبط حركة الأموال المتأتية منها ولا معرفة الوجهة التي تنتهي إليها.
وذهب الحماس بالبعض حدّ السفر إلى سوريا والانغماس في الأعمال القتالية تحت شعار نصرة الشعب السوري، لكنّ الواقع على الأرض كان يشير إلى حرب موازية تخوضها تنظيمات متشدّدة لحسابها الخاص ولحساب الدول الداعمة لها بالمال والسلاح مثل تركيا وقطر.
وكان أوضح مثال على ذلك ظهور نائب سابق في البرلمان الكويتي في إحدى الجبهات بسوريا وهو بصدد المشاركة في إطلاق الصواريخ على ما قال إنه موقع لجيش النظام السوري، وفقا لما جاء في شريط فيديو وثّق العملية وانتشر على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي.
النائب ذاته عاد إلى بلده الكويت ولم يحاكم لسفره إلى بؤر التوتّر والصراع، ولكنّه حوكم لاحقا لمشاركته في اقتحام مبنى مجلس الأمّة (البرلمان) في نوفمبر 2011، كما حوكم في قضية منفصلة تتعلّق بمعاشرة طليقته، قبل أن يتمتّع لاحقا بعفو أميري ويغادر السجن بعد فترة وجيزة من دخوله.
وكثيرا يشتكي كويتيون من أبناء الجيل الشابّ، ممّا يعتبرونه تصعيدا من قبل قوى الإسلام السياسي لضغوطها على المجتمع، ومحاولتها فرض قراءتها المتشدّدة للدين، وسعيها إلى فرض أخلاقيات منافية للتطور من خلال تكفير وتجريم ممارسات لا تنطوي على أيّ تجاوزات أخلاقية أو مخالفات لتعاليم الدين وتقاليد المجتمع، حتّى أنّ نوابا إسلاميين في برلمان سنة 2016 أثاروا ضجة كبرى حول تنظيم عدد من طالبات إحدى الثانويات احتفالا تحت إشراف أوليائهن، وحوّلوا المسألة على بساطتها إلى قضية رأي عام من خلال تصوير الحفل باعتباره عملا خطرا يهدّد المجتمع بالانهيار.
ويُعتبر قطاع التعليم من القطاعات الأثيرة لدى إسلاميي الكويت، حيث يرون فيه، أسوة بكبار قادة جماعة الإخوان المسلمين بمن فيهم المؤسسون الأوائل للجماعة، أفضل بوابة وأقصر طريق لأسلمة المجتمع وتأسيس أرضية داخله لأسلمة مؤسسات الدولة وتسلّم زمام قيادتها.
وما يثير غضب التيارات المدنية في الكويت أنّ الدولة نفسها تبدو في بعض الأحيان ميالة إلى النهج الديني المحافظ، ومثال ذلك ما تجسّد في ظهور يافطة كبيرة في شارع رئيسي بمحافظة الجهراء في ربيع سنة 2018 حملت صورة امرأة مع تعليق دعائي يقول “حجابي به تحلو حياتي”، ليتبيّن أنّ وراء تعليق اللافتة إدارة الإعلام الديني بوزارة الأوقاف الكويتية التي كانت تنوي تدشين حملة ترويجية لارتداء الحجاب، لكن الجدل الحادّ وغضب دعاة الدولة المدنية أوقف تلك الحملة.
أجواء مواتية
تراجع مكانة المرأة الكويتية في العمل السياسي وعدم حصولها على أي مقعد في البرلمان صدى لتأثير أفكار المتشدّدين في المجتمع
في مثل هذه الأجواء يستشعر المتشدّدون إمكانية للنشاط في الكويت وفرض تعاليمهم على المجتمع وهو الأمر الذي تجلّى في عدّة مناسبات آخرها ظهور شيخ سلفي في شريط فيديو بصدد توجيه “نصائح” إلى النائب في مجلس الأمة بدر الداهوم مفادها أن يمتنع عن مد يده لأي “رافضي” أو “ملحد” أو “ليبرالي” أو “غيره”، وكأنما يقول له إنّ الجميع في النار ما عدا الفئة “الناجية” التي ينتمي إليها الشيخ المتحدّث، وقد لا يكون النائب نفسه وهو ينتمي إلى تجمّع ثوابت الأمّة السلفي من ضمنها.
ولا يبدو نشاط الإسلاميين المتشدّدين وعملهم على بث أفكارهم في المجتمع الكويتي من دون تأثيرات على هذا المجتمع، وهو ما يظهر على الأقل في رواج أفكار عن المرأة تضعها في مرتبة دونية، وبدأت بالفعل تؤثر على وضعها وتسبب تراجع مكانتها في المجال السياسي، الأمر الذي ترجمه غيابها عن مجلس الأمّة المنتخب قبل أقلّ من شهر، حيث لم تحصل أي من المرشّحات الثماني والعشرين على أي مقعد في المجلس الجديد، على الرغم من أنّ نسبة النساء في الهيئة الناخبة بالكويت تقدّر بـ52 في المئة من إجمالي تعداد من يحقّ لهم الانتخاب.
ويبلغ التساهل الكويتي مع حاملي الفكر المتشدّد مع غض الطرف عن تسرّب حَمَلَة ذلك الفكر إلى أجهزة الدولة، بل إلى مناصبها العليا، وهو الأمر الذي كشفه سنة 2014 وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، آنذاك، ديفيد كوهين، عندما اتّهم نايف العجمي وزير العدل والأوقاف الكويتي بتمويل الإرهاب، معتبرا أنّ اختياره لهذا المنصب يشكل “خطوة في الاتجاه الخطأ”. وقد أقيل العجمي من منصبه لتفادي المزيد من الضغوط الأميركية على الكويت، لكنّ الأمر خلّف تساؤلات كثيرة وحالة من الامتعاض في صفوف دعاة الاعتدال والمدنية من إعلاميين وسياسيين وقادة رأي كويتيين.
جماعة الإخوان المسلمين تمكّنت من إيجاد فرع لها في الكويت نشيط وناجع بشكل استثنائي في عملية جمع الأموال
ويبدو أن وزارة الخزانة الأميركية وضعت يدها باتهامها الوزير الكويتي بتمويل الإرهاب على أحد أكبر المطاعن في سياسة الكويت في مواجهة الإرهاب والتطرّف وتجفيف منابعه.
فلفترة طويلة عرف مجال جمع التبرعات والتمويلات فوضى كبيرة حاولت الكويت أن تتداركها خلال السنوات الأخيرة بعد أن داهمها خطر الإرهابيين والمتشدّدين.
ومع ذلك تقول مصادر كويتية إن النجاح المتحقّق في ضبط ومراقبة أموال التبرّعات يظل نسبيا وأن الضوابط التي وضعتها السلطات للغرض لا تطبّق بدقّة، وأن العديد من الجهات لا تزال تجد طرقا للالتفاف على الرقابة الحكومية لتواصل جمع أموال طائلة من التبرعات لا تُعرف وجهتُها النهائية، ولا يستبعد أن تصل إلى تنظيمات متشدّدة في المنطقة، ويمكن أن تستخدم في ضرب استقرار الكويت مصدر تلك الأموال ذاتها.
وعلى سبيل المثال لا يزال الإخوان المسلمون في الكويت يمارسون أنشطتهم تحت يافطة العمل الخيري ويجمعون الأموال التي لا تستخدم محليا فقط، ولكنها تصل إلى فروع التنظيم الدولي للإخوان في تركيا ومصر وغيرهما وهو الأمر الذي تم الكشف عنه بشكل رسمي سنة 2019 عندما قامت السلطات الكويتية بتفكيك خلية إخوانية كانت ضالعة في تحويل أموال من الكويت إلى مصر لاستخدامها في تمويل عمليات إرهابية.
ورغم ما أظهرته السلطات الكويتية من حزم في هذه القضيّة، فإن التساهل مع جماعة الإخوان وعدم الإقدام على تصنيفها تنظيما إرهابيا على غرار ما قامت به بلدان أخرى يعدّ بحدّ ذاته من نقاط ضعف عملية التصدي للإرهاب والتشدّد في الكويت.