كتب : عبد الستار سيف الشميري
هل هي حكومة تحرير؟
هل هي حكومة حرب؟
هل هي حكومة وفاق وطني؟
هل هي حكومة كفاءات؟
هل هي حكومة خدمات؟
ماهية الحكومة؟
الاعتداء الحوثي الأخير على مطار عدن واستهداف الحكومة، يثير الكثير من التساؤلات عن ماهية الحكومة الحالية ومدى قدرتها الدفاع عن نفسها وشعبها ومحاسبة المليشيات الحوثية على مسلسل جرائمها.
سقف التوقعات وحضور الجنوب
من البديهي أن تطول وتقصر سقوف الآمال والتوقعات في هذه الحكومة تحديداً لاختلافها عن سابقاتها من حكومات تصريف الأقوال وحكومات تصريف الأموال، ولعل أبرز ما يميزها وليس حصراً، هو مشاركة الجنوب بصورة واضحة المعالم ودون مخاتلة سياسية دأبت السلطات المتعاقبة على القيام بها في اختيار ممثلي الجنوب على طريقتها الخاصة دون النظر لخارطة القوى على الأرض التي تعبر عن الجنوب ونضاله لعشرين عاماً مضت على أقل تقدير.
بوابات الأمل
من بوابات التفاؤل والأمل أولاً وعدم إغفال جهود دول التحالف لإتمام اتفاق الرياض وجدية حضورها (كضامن) ومسؤولياتها الأخلاقية قبل اي مسؤولية اخرى في الإشراف على الاتفاق ومخرجاته وتنفيذه كاملا غير منقوص، من ذلك كله يمكننا القول ان الحكومة الجديدة تحمل نسيجا وطنيا مكتملا لجميع الطيف السياسي والمجتمعي باستثناء بسيط هو غياب تهامة يمكن معالجته عاجلا بطرق مختلفة، والمستثنى الوحيد هو جماعة الحوثي بصفتها انقلابا، كما يمكن اضافة مزية اخرى هي ان الحكومة الجديدة قلصت الاستحواذ الإخواني على كل الحكومة والسلطة الذي كان منهجا ساري المفعول منذ أربع سنوات وأنها بشكل أو بآخر كبحت جماح الجماعة وكذلك جماح جناح مراكز نفوذ اخرى، على صلة وتماهٍ بذات المشروع، هذه بعض المزايا للحكومة الجديدة، لا بد من الاشارة اليها ابتداءً.
السؤال الأهم..
ننتقل إلى السؤال الرئيس: هل يمكن اعتبار هذه الحكومة هي السلطة الفعلية القادرة على إدارة كل الملفات دون استثناء، أم أن حالها هو حال الحكومات السابقة المحدودة الخبرة والمحدودة الصلاحية؟
وهل يمكن اعتبارها حكومة إنقاذ وطني مفوضة الصلاحية؟ وإذ لم يكن كذلك، فما جدوى كل هذا الضجيج والتصفيق لها طوال كل تلك المدة التي تعسر خروجها وتأخر وأخذ كل ذلك الجهد والعناء ثم كان بعد سلسلة مشاورات وضغوط جعل المملكة والإمارات في قلب التفاصيل اليمنية وخلافات السياسة باعتبارهما شركاء (وضامنا) في آن معاً..
هل هي حكومة ناقصة الصلاحية؟
من الناحية النظرية فإن الحكومة، أي حكومة، مهمتها ممتدة في كل شؤون الدولة بشتى جوانبها من العسكري مرورا بالاقتصادي إلى السياسي، لكن من الناحية العملية يبدو ذلك غير صحيح لحكومة المناصفة الجديدة وما سبقها، فليست كل الخيوط بيد الحكومة كي تنسج الحلول لا سيما في الشق العسكري باستثناء مسمى وزارة الدفاع في الحكومة التي تشرف على تفاصيل إدارية أكثر من إشرافها على مسرح عمليات وقرار عسكري، فالأمر لا يزال بيد التحالف اولا، والرئيس ونائبه ثانيا، حيث ينفردان بكل التفاصيل، وهذا الوضع يمكن ان بجيب على سؤال انها ليست حكومة حرب ولا تحرير دون عناء أو جهد واستجلاب مهام للحكومة ليست حقيقية ولا يمكن القيام بها واقعا على الارض، ليس من الحكمة فهو يحملها فوق طاقتها أو ما لا تملك ابتداءً، ليست حكومة تحرير إذاً..
هل هي حكومة كفاءات وتكنوقراط وبإمكانها ان تحل عقد ملف الاقتصاد وتدهور العملة كما يقول رئيسها وآخرون؟
ربما ان الإجابة غير مشجعة في هذا الاتجاه فليس هناك أسماء في الحكومة لها أدنى تاريخ يقود إلى هذا الوصف وليس منهم تكنوقراط ولن تستطيع ابتكار حلول خارج الصندوق ذلك أن هذا الأمر له رجاله ومواصفاتهم الفريدة وقدراتهم النوعية، وهذا بكل وضوح غير متوفر إطلاقا،
إذا فهي ليست حكومة كفاءات بالمطلق..
ما الذي يمكن أن تقدمه؟
إن أفضل ما يمكنها تقديمه وما هو ممكن ان يكون مطروحا على برنامجها وموازنتها الاولية هو ملف الخدمات ليس الا، وهو أمر مهم جدا ومعركته توازي المعركة العسكرية ومكملة لها، والنجاح فيه سوف يقود إلى إعادة شيء من جسور الثقة بين الشارع والشرعية بعد ان فقدت تماما، وانعدمت الفروق الجوهرية بين حكومة الحوثي والشرعية فيما سلف من سنوات الحرب.
هذا هو الملف الوحيد الذي يجب أن تذهب إليه الحكومة دون إضاعة الوقت في طقطقة الحديث السياسي ومصارعة طواحين الهواء في الحل الشامل واتفاق استكهولم وادعاء قرب التحرير، فهذا الامر سيضيع وقت الحكومة، وسيفقد اي امل خاصة مع ارتفاع سقف التوقعات لدى البعض في هذه الحكومة كاول حكومة معبرة عن معظم الاطراف، وبعد فشل حكومات الشرعية السابقة وعجزها في الإيفاء بالحد الأدنى من متطلباتِ الناس واسر الشهداء والجرحى وكل من صيّرته الجراح قعيدا، ومن يلهث في طوابير الخبز ودعم المنظمات لاجل رغيفات يُسكت بها جوع أسرته، فالناس وابناء اليمن ضاقت عليهم الارض بما رحبت ونفد صبرهم وهُم في انتظار شيء من عمل يعطي املا جديدا، وهو في حده الأدنى خدمات ورواتب وتعزيز دور الإعانات وتلمس حالات الجوع وإغلاق طرق الموت البطيء.
ولذلك على هذه الحكومة أن تُصمت صوت الأعذار المكرورة، بان الحرب لا تتيح العمل الجاد، وعليها الثبات والتواجد للعمل من الداخل، لا سيما بعد توقف النزاعات بين المكونات فكل تلك الاعذار السالفة أصبحت غير مقبولة ومفضوحة للشعب، وبداية الطريق هو الاعتراف بأنّ الحكومات المتعاقبة فشلت واننا الآن في حاجة لرجال دولة وليس لناشطين ولا لخبرات حزبية لإدارة معارك سياسية.
كما أن تجزئة المشاكل شمالا وجنوبا، وعدم مركزة القرار والسماح بهامش للادارة لكل محافظة هو مدخل لاي نجاح منتظر.
فنون الممكن..
إن ما هو ممكن لهذه الحكومة هو ملف الخدمات أولاً، ومحاولة إنجاز توافق وطني ثانيا ثم محاولة الإنجاز في الملف الاقتصادي ثالثا، وبدعم من التحالف العربي.
وإذا ما تم شيء في النقاط الثلاث السابقة، فإن من واجبها رابعا: العمل على الدفع بالرئيس هادي وبالتعاون مع البرلمان والتنسيق الجاد مع التحالف لإعادة وضع استراتيجية تحرير ولو لجزء من الأرض، تحديداً ما تبقى من تعز لحماية الجنوب وتأمين مسرح تحرك الحكومة والطيران والمسافرين وعاصمة الدولة عدن، وكذلك سرعة تخليص مدينة الحديدة من استغلال الحوثي لها.
وخامساً، وهو الطريق لكل ذلك، سرعة البدء بتشكيل جيش وطني حقيقي بعيد عن المناطقية والحزبية، وعدم إضاعة الوقت بتشكيل لجان التحقيق في الاعتداء الحوثي وما شابه من ترهات بليدة لا ترتقي لمستوى الدفاع عن الوطن.
ما هو مطلوب، جيش يردع الحوثي لا لجان تحقيق كون جرائم الحوثي يومية وحصرها والتحقيق فيها يحتاج إلى سبعة آلاف لجنة وعشر سنوات عمل.
ولكي تنجز الحكومة النقاط الخمس الممكنة، فإن عليها بعد الثبات في عدن التخلي التام والخروج من ماراثون الجلسات المفرغة من أي محتوى لأي حل ممكن مع المليشيات تحت مسمى حوار شامل أو منقوص والذهاب إلى مدينة الحديدة عسكريا وليس بالتفاوض الرئيسي.
هذه هي الخطوط العريضة الممكنة في تقديري وتقدير البعض والتي يمكن أن تشفع لمثل هكذا حكومة أن تعيش وتحدد ماهية مسؤوليتها دون تسويف.
لذا يجب التوقف عن إصدار أقوال وشعارات، ك”قادمون يا صنعاء، والمليشيات على وشك الاحتضار” وما شابه من كلمات كبيرة ليس لها رصيد من واقع، أو يكاد يكون مستحيلا في الأفق القريب على أقل تقدير.
وتبعاً لذلك بالضرورة فإن على هذه الحكومة تحريم الإدارة عن بعد وما انتهجته سابقاتها، وسرعة تحريك دواليب الشرعية المغلقة في ملف خدمات الناس الصحية وصرف رواتب منتسبي الدولة بكل قطاعاتها ومحاولة تحسين ملف الاقتصاد تحديداً، دون التورط بالانشغالات الشكلية البروتوكولية من جديد، واستغراق الوقت في ورش المنظمات وسفريات الحوارات وطرق حلب وفيد المستحقات وغير المستحقات..
الزمن ليس في صالح الحكومة
يحب أن تقدم هذه الحكومة في الستة الأشهر الأولى وبصورة عاجلة شيئاً ملموساً يراه الناس واضحا جليا، كورقة اعتماد حكومية لإعادة كسب الشارع من جديد، الذي بات لا يثق بالشرعية ومخرجات حكوماتها المتعاقبة، واذا ما تم ذلك في هذه الفترة من عمل الحكومة يمكنها حينها الذهاب والانتقال إلى محاولة أخرى حينها في ملف جديد.
خلاصة القول وفصل المقال
ليست حكومة حرب ولا تحرير، ولا كفاءات، لكنها رغم ذلك كله افضل ما أنتج من فريق حكومي خلال خمس سنوات الحرب.
ولعل أقرب توصيف لها أنها: حكومة (ولاءات) ذلك أن الأحزاب والمكونات التي تتشارك في الحكومة اختارت اكثر من يواليها وبالمعنى الدارج قدمت أهل الثقة على اهل الخبرة، وعند استرجاع كل اسم على حدة لكل مكون يمكن اكتشاف ذلك دون عناء؛ إذا هي حكومة أهل الثقة، ورغم ذلك فإن هذا التوصيف لا يمنعها ان تنجح ولو في بعض الملفات باعتبارها حكومة لمرحلة محددة ويمكنها ان تنقل نفسها بنفسها من هذا التوصيف الضيق خلال مرحلة زمنية محددة إلى توصيف أكثر رحابة وفاعلية ووطنية وتنال رضا شعبيا كتوصيف (حكومة إنقاذ) اذا ما نجحت في صنع شيء في بعض الملفات.
كما يمكن أن تنقل نفسها إلى توصيف حكومة وفاق وطني إذا ما استطاعت خلق جو من الترابط والعمل بصورة جماعية كفريق واحد دون نزاعات يومية ومناطحات بين وزرائها.
أما إذا ما فشلت في ذلك كله فإنها ستسقط وستموت وهي تحمل هذا الاسم حصراً (حكومة ولاءات)، والأمر بيدها كي تكون أو لا تكون، إنها حكومة كل التوقعات، وعلينا إعطاؤها فرصة ما كي نحكم أو ننقد أو نمدح أو نطالب برحيلها، في
قادم الأيام القليلة هو ما علينا انتظاره وإنا لمنتظرون.