قصة – نجلاء القصيص
مجتمعون في حلقات صغيرة على امتداد ساحة المدرسة، رائحة البراءة تفوح من الكراسات الموضوعة أمامهم…
أصواتهم تتعالى بعفوية، والكل يحاول إبراز موهبته المتفجرة للتو أثناء الرسم رغم صغر سنهم.
تقدمت نحوهم بهدوء تام دون أن يشعروا بوجودها.
منظرهم حرك إحساسا غريبا في داخلها لم تجد له تفسيرا!
ربما هزها الحنين لزمن طفولتها والشقاوات التي كانت تقوم بها.
اقتربت أكثر، سلمت عليهم، وبادرتهم بالسؤال:
– ماذا تفعلون؟
أحدهم أجابها:
– نرسم ونلون..لدينا مسابقة رسم مع الصف الثاني.
قال ذلك ثم عاد يلون بعض الرسومات البسيطة فوق الصفحة.
ابتسمت وهي تتصفح الكراسات وتثني عليهم.
تحركت قليلًًا إلى أحد المقاعد القريبة منهم، وظلت تراقبهم بصمت فضحكاتهم المرتفعة ـ أثناء التعليق على رسومات بعضهم ـ تدغدغ إحساسها الطفولي النائم في أعماقها.
لفتت انتباهها طفلة انفردت بعيدا عن زملائها، وافترشت الأرض وهي تعبث بالألوان ودفتر الرسم، فكانت أشبه بفراشة تداعب رحيق الأزهار في فصل الربيع..
أخذ الفضول يتنامى في داخلها!
سألت نفسها:
ما السبب الذي دفع بهذه الطفلة للابتعاد عن زملائها؟!
ربما ترسم بيتًا..حقلًا..طيرًا..فراشةً، فمن عادة الأطفال نقل مشاعرهم دون قيود.
عادت ببصرها باتجاه الصغار مرةً أخرى، لا يزالون منهمكين في الرسم، ومع قهقهاتهم البريئة تمنت لو تعود الأيام بها للخلف حيث تنام طفولتها وحيدة..
خاطبت نفسها قائلة: “يا إلهي ما أروعهم!”
نظرت باتجاه الساعة، فالوقت بدأ يزحف، لديها درس بعد عدة دقائق.
ألقت ببصرها للمرة الأخيرة نحوهم، ولوحت بيدها مودعة إياهم، وأثناء مغادرتها المكان أحست بحركة غريبة خلفها!
استدارت فإذا بالطفلة ذاتها تمسك بها وتشير إلى دفترها.
– مس انظري لقد رسمتك، تبدين جميلة جدا!
نظرت إليها، ورسمت ابتسامة عريضة على وجهها، وهي تضم الطفلة الصغيرة إلى صدرها، وتقبلها بحرارة.
– شكرا يا صغيرتي، إنك فعلًا مبدعة، وإنها تشبهني كثيرًا!
وفي يوم المسابقة ظلت تبحث عن الرسمة التى رسمتها الطفلة بين الرسومات الفائزة لكنها لم تجدها!!