هشام النجار
في ظل عدم وضوح الرؤية بشأن جوهر ما تم الاتفاق عليه لإعلان مصالحة خليجية في مدينة العُلا السعودية والاقتصار على تصريحات مطاطة صادرة من مسؤولين، فإن حسم مصير جماعة الإخوان على ضوء الخطوة الأخيرة يبدو سابقا لأوانه.
ومع أن أحد الأسباب الرئيسية للخلاف بين دول الخليج ومصر مع قطر هو دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين واحتضان قياداتها، إلا أنه لم تظهر بشكل صريح أيّ إشارة تتعلق بمصير الجماعة في قطر، أو العلاقات بين الدوحة وأنقرة، والتي يدخل في صلبها التحالف مع التنظيمات الإسلامية بأطيافها المختلفة.
وعكست ردود أفعال جماعة الإخوان على المصالحة سعيها لاستثمار هذا التطور لصالحها ومحاولتها إلقاء الكرة في ملعب النظام المصري، وتصويره كعائق لمسار التسوية العربية لخصومته مع الجماعة.
جماعة الإخوان تراهن على الطرف التركي كعنصر وازن لتحالفها الإقليمي، ما يجعلها تستثمر التقارب القطري الخليجي لصالحها في محاولة لإنهاء عزلتها وجمودها التنظيمي
وأصدر المتحدث الرسمي باسم تنظيم الإخوان طلعت فهمي بيانا رحّب فيه بالمصالحة، ووصفها بأنها خطوة في الاتجاه الصحيح للمّ شمل البيت الخليجي، دون أن يتورع عن مواصلة الاتهامات المعهودة للسياسة المصرية، واضعا ستة مطالب للحوار معه، أبرزها أن يشمل جميع المعارضين من كل الأطياف والإفراج عن المعتقلين من جماعته. وبدا تظاهر جماعة الإخوان بتأييد المصالحة الخليجية من منطلق تلقي قادتها تطمينات بشأن مستقبلها، ولن تكون كبش فداء للتقارب مع قطر.
وكشفت تصريحات وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أن الدوحة غير عازمة على تقديم تنازلات في ما يتعلق بتحالفاتها الإقليمية أو مستويات دعمها النوعي لجماعات الإسلام السياسي في سبيل إتمام مصالحة كاملة مع الرباعي العربي.
ولم يتطرق الوزير خلال حديث له مع صحيفة فايننشال تايمز إلى العلاقة الخاصة التي تربط قطر بجماعة الإخوان، مكتفيا بعبارات عامة جرى استخدامها في السابق دون أيّ تغيير في بنية دعم النظام القطري للإخوان، مثل موافقة بلاده على التعاون في مكافحة الإرهاب العابر للحدود الوطنية، مشددا على أن الاتفاق لن يؤثر على علاقة بلاده بتركيا وإيران.
ونجاح الاتفاقية في إعادة الدوحة إلى مجلس التعاون الخليجي يعني إنهاء مظاهر المقاطعة وترميم الأضرار الاقتصادية وتجاهل الجذور الأيديولوجية للأزمة، ما يصب في مصلحة الإخوان، فما سيعود على الدوحة من منافع المصالحة في حال استمرار تحالفهما مفيد للتنظيم الذي تأثرت أنشطته وتراجع حضوره على الساحة بعد إعلان المقاطعة.
ويفتح الاكتفاء بمعالجة الأعراض وإغفال جذور الخلاف التي دفعت الدول الأربع لصياغة مطالب المصالحة، ومن ضمنها قطع العلاقات مع جماعة الإخوان، متنفسا للتنظيم المأزوم الذي يحرص على إظهار نفسه كرقم صعب لم تستطع الدوحة التخلي عنه أو حتى تخفيف دعمها له رغم تكرار الضغوط عليها.
سيناريوهات مغايرة
محمد بن عبدالرحمن آل ثاني: المصالحة لن تؤثر على علاقة قطر بتركيا وإيران
يبرز عدم وفاء قطر بوعودها الضمنية بشأن علاقتها بالإخوان، باعتباره أحد أسباب الأزمة، مشكلة هيكلية في الحصول على نتائج إيجابية. كما تهدد المصالحة الحالية دور تركيا المتحكم الرئيسي في ملف الجماعة، والمؤسس على طبيعة التحالف الإقليمي الأيديولوجي بين الدوحة وأنقرة وطهران، والمتحكم في أوراق تعيق قطر عن التصرف منفردة ومنها قناة الجزيرة والقاعدة العسكرية التركية في قطر.
وتراهن جماعة الإخوان على الطرف التركي كعنصر وازن لتحالفها الإقليمي، ما يجعلها تستثمر التقارب القطري الخليجي لصالحها في محاولة لإنهاء عزلتها وجمودها التنظيمي. كما أنها تحرص على ممارسة الضغوط من بوابة تلطيف الأجواء بين حلفائها والمملكة العربية السعودية، بغرض حلحلة أزمتها واستعادة نشاطها في المشهد السياسي المصري.
في المقابل، هناك ما يؤشر إلى أن هذه الجولة عقب فشل المحاولات السابقة أتت في سياق محاولات إنهاء أزمة قطر وإعادتها إلى البيت الخليجي من منطلق دوافع داخلية وضغوط دولية ما يجعلها مختلفة عن سابقاتها.
والمبادئ العامة التي تم الاتفاق عليها من شأنها إلزام قطر بعدم التدخل في شؤون جيرانها ومراجعة تحالفاتها، سواء مع دول أو تنظيمات بما لا يخلّ باحترام سيادة الدول العربية أو يهدد أمنها واستقرارها.
وترجمة هذه المبادئ على الأرض تستغرق وقتا وتتطلب الدخول في جولات مستقبلية مع حلفاء السعودية لبحث إنهاء النزاع وتبديد قلق وشواغل كل دولة على حدة من أجل تحقيق مطالبها.
ووضّحت هذه المقاربة في تصريحات وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، عندما أكد تعليقا على اتفاقية العُلا أن القضايا، مثل استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة، تستغرق وقتا مع بقاء الخلافات بما في ذلك القضايا الجيوسياسية، مثل تركيا والجماعات الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين.
ويقود هذا السيناريو إلى مسارات لا تحتمل ممارسة المراوغات والمناورات السابقة، فضلا عن فرضية قبول مواصلة الدعم العلني والواضح لجماعة الإخوان وتنظيمات الإسلام السياسي تحت مبررات من قبيل حماية حقوق الإنسان، وهي التفسيرات التي لم تمنع دول الخليج، إلى جانب مصر، من مقاطعة الدوحة لأكثر من ثلاث سنوات، حفاظا على أمنها ومصالحها.
تبعات السيناريوهات المستقبلية للمصالحة الخليجية، التي من المرجح أن تتطور لتشمل تحقيق الحد المقبول من المطالب المصرية والإماراتية، ستؤثر على أهم ما يعوّل عليه قادة الإخوان
ويدرك قادة الإخوان أنهم سبب رئيسي في الأزمة، من خلال ممارسات الجماعة ومواقفها وخطابها التحريضي وعلاقاتها مع باقي فصائل السلفية الجهادية، وهذه كلها من عوامل عزلة قطر بعد إعلان المقاطعة من منطلق دعم الدوحة للإرهاب، وأيّ تحرك في اتجاه فك العزلة والبدء في إعادة العلاقات لطبيعتها سوف يكون على حساب الجماعة، ومن بوابة تفكيك علاقات قطر مع حلفائها المتشددين.
وتعي السعودية، التي تولي اهتماما كبيرا لترميم العلاقات الخليجية وأبدت تجاوبا مع إشارات قطر لاستعدادها للمصالحة، أن إنهاء الخلاف الخليجي سيكون فعالا لحل العديد من الملفات وفي مقدمتها الملف اليمني، وظهرت في المشهد كممثلة للرباعي العربي المقاطع لقطر.
وعكس مشهد قمة العُلا، حيث كان تمثيل السعودية وقطر فيها على أعلى المستويات، في حين كان التمثيل المصري والإماراتي والبحريني أقل، أن الرياض مسؤولة أمام بقية الدول عن مراعاة مخاوفها من سلوك الدوحة ودحر ما يعتريها من هواجس تتعلق بمواصلتها تمويل التنظيمات الإرهابية ورعاية وتمويل جماعة الإخوان وتوفير ملاذات آمنة لقادتها لتهديد أمنها واستقرارها.
وسعت جماعة الإخوان لمسايرة تلك التطورات المفصلية عبر الانحناء للعاصفة، وإظهار احترامها وترحيبها بالمصالحة، والتي تتطلب التزامات متعلقة بطبيعة دور تنظيم الإخوان المستقبلي وعلاقته بالدوحة، وإظهار المرونة، حيث تعي حاجة قطر الملحة لإنهاء عزلتها وتدرك أن الدوحة دأبت بالاستعانة بقوى دولية على تقديم ما من شأنه أن يعزز الثقة بها لإنهاء المقاطعة، ومن ضمنها التظاهر باستعدادها لقطع علاقتها بجماعة الإخوان.
ورقة محروقة
تطمينات بشأن مستقبل الجماعة في الدوحة
من شأن المصالحة الخليجية أن تكون في المستقبل فرصة واعدة لتتحرر قطر من عبء فشل جماعة الإخوان وعجزها، لأن التنظيم بات ورقة محروقة في المنطقة، وفي الملف المصري تحديدا.
وأضحت جماعة الإخوان، بعد التطورات التي شهدتها الساحة المصرية، عائقا أمام تحقيق مصالح القوى التي تموّلها أو ترعاها، بالنظر إلى ما حققته مصر على مستوى تجفيف منابع الجماعة الاقتصادية في الداخل، أو تفكيك هيكلها القيادي، بعد إلقاء القبض على رؤوسها وقادتها المؤثرين، ما يعني أن شرط التخلي عن دعم الإخوان لن يمثل ممانعة كبيرة من قبل الدوحة أو غيرها كما كان في الماضي، لأن مفعول الجماعة تراجع كثيرا.
فقطر قد تتحرك نحو إحداث توازن، بين تلبية مطالب الرباعي العربي وبين التزاماتها السياسية السابقة، فمصر مثلا يهمها الالتزام بعدم تهديد أمنها الداخلي وعدم منح تنظيم الإخوان دعما يمكّنه من مواصلة مشروعه في مصر، ولا تعطي أهمية مماثلة لرعاية الدوحة لتيار الإسلام السياسي في باقي الدول العربية.
كما أن تعامل القاهرة مع حركة حماس الفلسطينية، وحكومة الوفاق في طرابلس وتعاطيها الإيجابي مع ممثلي الإخوان في المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، وانفتاحها على حلول توافقية، يدعم التوجه نحو إمكانية التفاهم، حال التزمت قطر بعدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم رعاية خطاب إعلامي تحريضي ضد مصر.
وتركيز القاهرة على وقف دعم الدوحة لجماعة الإخوان هو الأساس الذي ينبني عليه شكل علاقات مصر مع قطر مستقبلا، ما يعني عدم استبعاد التعامل مع باقي فصائل الإسلام السياسي كحالة سياسية سلمية ولا مانع من الانفتاح عليها ولكن بمعايير محسوبة، مقابل الالتزام الكامل بعدم السعي لتغيير المعادلات في المشهد المصري لصالح جماعة الإخوان التي تمت الإطاحة بها من السلطة إثر ثورة شعبية في العام 2013.
هذا الأمر يعني إحداث ارتباك كبير في صفوف جماعة الإخوان، بالنظر إلى تركيز الجهد الأكبر لقادتها على الشأن المصري، وهذا ما يجعل الفرصة الواعدة لقطر لإنهاء أزمتها وللعودة إلى البيت الخليجي ذات تأثيرات على علاقة الإخوان بالدوحة، وقد تفتح الباب أمام البحث عن ملاذات بديلة وقوى داعمة أخرى.
وتبعات السيناريوهات المستقبلية للمصالحة الخليجية، التي من المرجح أن تتطور لتشمل تحقيق الحد المقبول من المطالب المصرية والإماراتية، ستؤثر على أهم ما يعوّل عليه قادة الإخوان، من أجل استمرارهم في مشهد المعارضة من الخارج طوال السنوات الماضية، والمتمثل في رعاية الدوحة ماليا وسياسيا وإعلاميا للجماعة.
تقنين الخطاب السياسي
الأزمة لن تحل بدعوة قطر عناصر إخوانية لمغادرة أراضيها، بل بالتزام الدوحة بما يفرضه الانتماء الخليجي ووقف التدخلات في شؤون دول المنطقة
تقليل هامش الخلافات العربية وتقريب وجهات النظر بين السعودية وقطر ينسحبان على الكثير من الملفات، بالنظر إلى تشابك العلاقات الإقليمية بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين، ولتداخل جماعة الإخوان في الملف الإيراني وفي الصراع اليمني.
ولذلك فالمصالحة الخليجية، المتعلقة في الأساس بإيجاد تسوية ورؤية معينة في ما يتعلق بالتعامل مع إيران، يدخل فيها وضع إطار مختلف لدعم حركات الإسلام السياسي على المستوى الإقليمي، وليس على الساحة المصرية فقط.
وإذا التزمت قطر بمقتضيات ثنيها عن دعم جماعة الإخوان، وهي حالة ليست خاصة بالملف الليبي والشواغل المصرية فيه، إنما أيضا بالملفين الإيراني واليمني، بما يعنيه من المساعدة الفعلية على تحجيم الدور الإيراني وتطويقه، فهذا معناه حتمية تقنين جماعة الإخوان لخطابها السياسي وتحالفاتها وعلاقاتها مع مختلف الأطراف في الإقليم.
ولن تحل الأزمة بدعوة قطر عناصر إخوانية لمغادرة أراضيها وترحيل أعضاء الجماعة الذين لم يحصلوا على الجنسية القطرية إلى تركيا أو غيرها، بل بالتزام الدوحة بما يفرضه الانتماء الخليجي وبمقتضيات عضويتها في مجلس التعاون ووقف التدخلات في شؤون دول المنطقة والتي لا تخدم في النهاية إلا تركيا وإيران وجماعة الإخوان.
أضحت جماعة الإخوان، بعد التطورات التي شهدتها الساحة المصرية، عائقا أمام تحقيق مصالح القوى التي تموّلها أو ترعاها، بالنظر إلى ما حققته مصر على مستوى تجفيف منابع الجماعة
تبدو الخيارات قليلة أمام قادة الإخوان، وقد تدفع تلك التطورات الجماعة نحو الارتماء بالكامل في الحضن الإيراني، علاوة على ملاذها التقليدي في تركيا، والذي يتوقف حجمه على مدى ما تصل إليه أنقرة من تفاهمات مع القاهرة والرياض، إذا قدر للإشارات التركية أخذ مكانها على الطاولة.
كما أن الأوضاع الحالية لإيران لا تشجع على احتضان الإخوان، فهناك تراجع في نفوذها وشبه انهيار في اقتصادها وإجماع دولي وإقليمي على تطويقها، وهو ما دفع الجماعة لعدم الاندفاع في هذا الاتجاه وإبداء الترحيب بالمصالحة، فلعلها تجد حلولا لأزمتها بمعزل عن المواقف الحادة في ضوء انحسار متوقع لكل من الدور التركي والإيراني في المنطقة.
المصدر : العرب اللندنية