كريتر نت – وكالات
غيرت جائحة فيروس كورونا المستجد الواقع بشكل جذري. لقد أصبح الغد أرضا لم تستكشف بعد، نتحسس طريقنا بها دون بوصلة أو خرائط.
وحيث يكون وضع خطط أو عمل تنبؤات محفوفا بالمخاطر أكثر من أي وقت مضى. إذا كان المستقبل في حد ذاته غير مؤكد، فإن هذا العام الجديد لا يمكن التنبؤ به بشكل أكبر.
فكما حدث في 2020، يمكن أن يجلب لنا عام 2021 الكثير من المفاجآت على مختلف الأصعدة مثل الصحة أو العمل أو الاقتصاد أو السياسة أو العلاقات أو الديناميكية الاجتماعية، وربما بعض المستجدات المهمة التي لا يتصورها خيالنا الآن.
وتطرح جيوليا دي بينيتو وأدريان جاريدو، عالما النفس في معهد سينتا بمدريد واللذان قدما ورشة عمل “عبر الإنترنت” للدعم النفسي في فترة احتفالات عيد الميلاد، علينا بعض المفاتيح لإرشادنا ومساعدتنا على التنقل في تلك “الأرض المجهولة” التي بدأنا في اجتيازها واستكشافها منذ اليوم الأول من يناير/كانون ثان الجاري.
استراتيجيات إبداعية لمستقبل ضبابي
تقول الإخصائية النفسية دي بينيتو إنه “في مواجهة وضع ضبابي يمكن أن يمتد على مدى متوسط أو طويل، يجب علينا أن نتوقف برهة ونطرح على أنفسنا بعض التعديلات في الطريقة التي نواجه بها الواقع.
وتوضح: “في مواجهة حالة عدم اليقين، نميل عادة إلى الاستباق ورسم خطط بكل المعلومات التي يمكننا جمعها، لمحاولة تجنب العواقب والخروج من هذا الوضع في أفضل الظروف الممكنة”.
وتتابع: “هذه الحاجة إلى التحكم هي جزء من سلسلة استراتيجيات الإنسان لمواجهة الواقع، ولكن في الفترة التي نعيشها حاليا لا يبدو أن أي شيء مما يؤثر علينا يعتمد حصريا على أنفسنا، ومن ثم يبدو أن المرونة هي أفضل حليف لنا”.
وترى دي بينيتو أن “الاستراتيجية الأولى لمواجهة كل ما هو خارج عن سيطرتنا تتعلق بقبول أن الواقع الآن هو الآمر الناهي”.
وتشير إلى أن “قبول التغييرات ومحدودية العيش في لحظة من عدم اليقين مثل تلك الحالية يقودنا إلى إبطاء إيقاعنا واتخاذ قرارات تواكب قدر الإمكان المدى القصير”.
كما أنها تعتقد أن “الحاجة إلى التحلي بمزيد من المرونة وللارتجال تولد طرقا أكثر ابتكارا لمواجهة واقعنا، ما يتيح لنا “توسيع صندوق الموارد والأدوات النفسية من أجل المستقبل”.
وتلفت دي بينيتو إلى أن “الحاضر، وليس الماضي أو المستقبل، سيصبح أفضل دليل لنا.. وبهذه الطريقة، سنقلل كذلك من الإحباط الناجم عن الاشتياق لماض قد لا يكون هو نفسه مرة أخرى ومن وضع خطط ربما لا تحقق الغرض منها”.
وتؤكد أنه “كلما تمكنا من الوصول إلى معلومة جديدة بشكل صحي، سيكون بوسعنا تعديل استراتيجيتنا”.
وتعتقد المتخصصة أنه من “المهم أيضا أن ندرك التغييرات التي نمر بها جميعا في الطريقة التي نتعامل بها مع الآخرين، نظرا لأن تطبيع التباعد ونقص المودة الجسدية اللذين نختبرهما الآن بسبب الوضع الحالي يمكن أن يؤدي إلى معاناة أقل ويدفعنا إلى البحث عن طرق مبتكرة للتأقلم مع ذلك ورعاية أنفسنا”.
وتنصح: “بما أننا مازلنا لا نرى نهاية الطريق، ينبغي علينا أن نتقبل واقع العيش يوما بيوم كما لو كان نهائيا وأن نتواصل بمودة عبر طرق جديدة”.
كيف تعيش اللحظة دون ذنب أو سلبية؟
وفقا للإخصائي النفسي أدريان جاريدو، فإننا “نعيش لحظات من التغيير المستمر ومن الضروري التكيف مع واقع ضبابي ومثير للألم في بعض الأحيان، كوننا لا نمتلك أي مرجع سابق يسمح لنا بمواجهته بطمأنينة، ما يولد لدينا شعورا بأن كل شيء يفوقنا”.
ويوضح: “هذا الوضع يجعلنا مترددين ويجعل كل ما نقوم به يكون من منظور ما يروق لنا في تلك اللحظة”.
ويري جاريدو أن “تبني هذا الموقف يمكن أن يقودنا إلى حالة من العجز المكتسب، أي إلى سلوك سلبي، بسبب الشعور بعدم القدرة على فعل أي شيء، حتى لو أن هناك احتمالات لتغيير الوضع، أو أن يكون لدينا منظور لمستقبل ميؤوس منه، مما يحد من قدرتنا كأشخاص ويقلل من إمكانياتنا في التكيف مع الواقع الجديد”.
وهاتان هما الاستراتيجيتان الأساسيتان اللتان يوصي بهما هذا الإخصائي النفسي لمواجهة ضبابية عام 2021:.
أهداف واقعية على المدى القصير
يقول جاريدو إن هذه الاستراتيجية “ستتيح لنا الاستمرار في التحرك، ومهما كانت هذه الأهداف بسيطة جدا، فإنها ستولد فينا شعورا بالتقدم الذي سيمنحنا الموارد اللازمة لمواجهة هذا الوضع الغامض بشكل أفضل”.
كما يوضح أن بعض المفاتيح لتنفيذ هذه الاستراتيجية تتمثل في التفكير في جدول زمني أو روتين مرن، مع بداية ونهاية محددة لكل نشاط، وأنه في حالة عدم قدرتنا على تحقيق ذلك، لن يؤد إلى شعورنا بالتوتر أو الانفعالات التي تثير الشعور بالذنب.
ويبين أيضا أن “هذا سيسمح لنا بتبني موقف أكثر نشاطا وفاعلية والتمكن من مواجهة العوائق التي تظهر في طريقنا بقابلية مختلفة، ربما أكثر إيجابية وبناءة”.
احمل سجلات يومية بأفكارك
يرى جاريدو أنه من الطبيعي أن نشعر بالذنب أثناء عملية التكيف مع التجارب الجديدة بسبب ما مررنا به والوضع الذي نجد أنفسنا فيه.
ويؤكد أن “هذا الشعور بالذنب سيحدد طريقتنا في التكيف مع الواقع إذا استمر مع مرور الوقت، ولم نحوله إلى تعلم يعزز مرونتنا النفسية، أي قدرتنا على التكيف مع مصاعب ومحن الحياة.
ولوضع هذه الاستراتيجية في حيز التنفيذ، من المهم رسم جدول بأربعة أعمدة على ورقة.، في العمود الأول ندون الموقف الذي نشعر فيه بالذنب (مثال: “إنني جالس على الأريكة ولا أفعل شيئا”)؛ في الثاني ندون أفكارنا (مثال: “لا يمكنني الخروج لممارسة الرياضة في الفترة التي نمر بها الآن”)؛ وفي العمود الثالث نشير إلى تلك المشاعر التي يوحي بها هذا التفكير (مثال: “أشعر باليأس والسخط”)، وفقا لجاريدو.
ويتابع: “وأخيرا، ندون في العمود الرابع في نهاية كل يوم، حين تكون هذه الأفكار والمشاعر قد نظمت قليلا”.
ويوصي بأن نكتب في هذا العمود: “ما إذا كانت هذه الأفكار والمشاعر غير عقلانية، وإلى أي حد هي كذلك، وإذا ما كانت تواكب جيدا الواقع الراهن”.
ويشرح جاريدو أننا يجب أن نكتب أيضا في تلك المساحة الأشياء التي تتبادر إلى الذهن لنكون قادرين على التعامل مع الموقف الذي نشعر بالذنب بسببه، ويمكننا من أجل ذلك طلب مساعدة أو مشورة من الأشخاص المقربين، للحصول على مزيد من وجهات النظر.
ويخلص عالم النفسي إلى أن “هذا التمرين يهدف إلى تقييم هذه المواقف عبر قناة أكثر عقلانية ومن منظور أوسع، بدلا من الحكم عليها من خلال قناة أكثر عاطفية ورؤية نفقية، أي بإدراك ضيق للغاية ومحدود للواقع”.