كريتر نت – متابعات
اتسم أداء الحوثيين خلال العام 2020 بالتصعيد في كافة الاتجاهات، أملا في الخروج بمكاسب كبيرة تمكنهم من خلق واقع جديد مغاير للواقع السابق السائد خلال السنوات الخمس الماضية من الحرب، ورغم تمكنهم من التقدم عسكريا في بعض الجبهات، لكنهم سرعان ما بدؤوا بالتراجع وعدم القدرة على تحقيق تقدم جديد، غير أنهم أقضوا مضاجع السعودية من خلال الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ البالستية التي طالت عددا من المنشآت الحيوية في عمق أراضيها.
وبالتزامن مع التصعيد العسكري للحوثيين في جبهات نهم شرقي صنعاء والجوف ومأرب، فقد تحولت العملة المحلية إلى ساحة جديدة للمواجهة، بعد حظر الحوثيين تداول الطبعة الجديدة من العملة في مناطق سيطرتهم، مما زاد من معاناة المواطنين، خاصة مع ظهور قيمتين مختلفتين للعملة المحلية (الطبعة الجديدة والطبعة القديمة)، وتأثير ذلك على رسوم تحويل الأموال من المحافظات المحررة إلى مثيلاتها غير المحررة، وزاد الطين بلة انخفاض الدعم الذي كانت تقدمه المنظمات الإنسانية للنازحين من مناطق الصراع والمتأثرين سلبا بظروف الحرب، بعد أزمة بين الحوثيين والمنظمات الإغاثية الأجنبية التي اتهمتهم بعرقلة عملها ونهب المساعدات.
انتصارات في الجبهات المهمشة
جاء التصعيد العسكري للحوثيين، خلال العام 2020، ضد السلطة الشرعية والسعودية، بعد استعدادات مكثفة استمرت طوال العام 2019، فخلال ذلك العام كثف الحوثيون من تحشيد المقاتلين في صفوفهم وتدريبهم في معسكرات تدريب مكشوفة لكنها لم تُستهدف من قِبَل التحالف ، وكان لافتا أنه خلال ذلك العام خفت الضربات الجوية من قبل التحالف على مواقع الحوثيين، كما شهدت معظم جبهات الحرب، سواء الداخلية أو في الحد الجنوبي للسعودية، انخفاضا ملحوظا في العمليات العسكرية قياسا بالأعوام السابقة، بالتوازي مع اضطراب الأوضاع في المحافظات المحررة، مما أربك السلطة الشرعية
ومع بداية العام 2020، تمكن الحوثيون من تحقيق انتصارات متسارعة في الجبهات المهمشة، وهي جبهات نهم شرق العاصمة صنعاء ومحافظة الجوف، وسبق المعارك هناك ما يشبه التهيئة اللوجستية لإسقاط تلك الجبهات بيد الحوثيين
ظلت المعارك بين كر وفر، ووصلت ذروتها في جبهة نهم منتصف يناير، بينما وصلت ذروتها في جبهات محافظة الجوف أواخر مارس، وفسر مراقبون التصعيد العسكري الحوثي بأنه تنفيذا لتوجيهات إيران لحلفائها في المنطقة بالتصعيد ردا على مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في العراق بواسطة طائرة أمريكية مسيرة. وخلال المدة نفسها كثف الحوثيون من هجماتهم بواسطة الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية في عمق الأراضي السعودية، واستهدفوا بنى تحتية ومصالح حيوية، أربكت المملكة
مكاسب قليلة وخسائر كبيرة
كان ثمن الانتصارات العسكرية الحوثية في جبهات الجوف ونهم شرق العاصمة صنعاء مقتل عدد كبير من المقاتلين في صفوف الجماعة، ذلك أنها -كالعادة- تنتهج إستراتيجية “الكثافة البشرية” لتحقيق أي تقدم ميداني، وبالرغم من أن هذه الإستراتيجية تؤتي أكلها في البداية، لكنها لا تدوم طويلا، فبعد مرور نحو ثلاثة أشهر من المعارك، التي حققت خلالها الجماعة مكاسب قليلة مقابل خسائر بشرية كبيرة، بدأ الجيش الوطني يستعيد أنفاسه ويستعيد بعض المواقع التي سيطر عليها الحوثيون، لكن جماعة الحوثي لم تستسلم أمام الخسائر العسكرية، وسلكت سياسة “الهروب للأمام” من خلال افتعال مزيد من التصعيد والمناوشات مع القوات الحكومية والموالية لها في البيضاء والضالع والحديدة وتعز.
وبعد استشعار الحوثيين للهزائم والتقهقر هنا وهناك، عمدوا إلى الإعلان تلو الإعلان عن أسلحة محلية الصنع ومنظومات دفاع جوي، بالتوازي مع تكثيف هجماتهم بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة على الأراضي السعودية. وفي حين تمكنت القوات الحكومية اليمنية من الصمود في عدة جبهات، ووصفت انسحابها من بعضها بأنه “انسحاب تكتيكي”، وتمكنت من تقليل الخسائر رغم شراسة المعارك والإرباك الذي واجهته من قبل الحوثيين فإن السعودية اعترفت، في منتصف فبراير، بأن محادثاتها مع الحوثيين عبر قنوات خلفية مستمرة. وفي أواخر مارس، أكد السفير السعودي لدى اليمن، في تصريح صحفي، أن حكومة بلاده تجري محادثات يومية مع الحوثيين، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان الحوثيين تنفيذ أكبر عملية عسكرية في السعودية، وأعلنوا بعد ذلك، في 12 أبريل، رفضهم للهدنة التي أعلنها التحالف بذريعة إفساح المجال لجهود مكافحة كورونا في اليمن، وشنوا هجمات في عدة جبهات، وصفها التحالف بأنها “خروقات” للهدنة.
وبعد توقف لأسابيع خلال شهري مايو ويونيو، عاود الحوثيون التصعيد ضد السعودية، لكنهم، في 13 يونيو، أعلنوا استعدادهم لحوار علني معها، ثم أعلنوا، في 23 يونيو، شن هجمات طالت أهدافا في العمق السعودي، بينما أعلنت السعودية، في الوقت نفسه، اعتراض وتدمير هجمات حوثية جديدة. وفي 16 أغسطس، جدد الحوثيون دعوتهم للسعودية إلى حوار مباشر معهم، وقالوا إنها ليس لها نية للتفاوض معهم. وفي منتصف نوفمبر، نظم الحوثيون عرضا بالزوارق الحربية في الحديدة، في رسالة تصعيدية جديدة موجهة للمملكة.
كما شهدت محافظة البيضاء تصعيدا عسكريا حوثيا بدأ منذ شهر مايو، بعد تداعي قبائل آل ردمان للانتفاضة ضد الحوثيين إثر قتلهم امرأة بعد فشلهم في العثور على زوجها بذريعة أنه مطلوب لديهم. وبعد فشل وساطات التهدئة، بدأ الحوثيون الهجوم على قبائل آل ردمان، في منتصف يونيو، وبعد أيام من بدء المعارك، التي حشد لها الحوثيون بكثافة، لم تتمكن قبائل آل ردمان من الصمود، لقلة عدد مقاتليها ومحدودية أسلحتها التي أغلبها خفيفة.
بعد ذلك، تفرغ الحوثيون للهجوم على مأرب، ووصلت المعارك على تخوم مأرب ذروتها في منتصف سبتمبر، ورغم استمرارها لعدة أشهر، لكن جماعة الحوثي لم تتمكن من اقتحام المدينة أو حتى تحقيق انتصارات كبيرة في مختلف جبهات المحافظة، وما حققته من انتصارات محدودة في بعض الجبهات، كان ثمنه خسارة عدد كبير من مقاتليها.
قمع المواطنين
بالتوازي مع التصعيد العسكري للحوثيين ضد السلطة الشرعية والسعودية خلال العام 2020، فإنها صعّدت أيضا من قمعها للمواطنين والحريات الشخصية في مناطق سيطرتها، وكان التطور الأهم في هذا الصعيد انتشار ظاهرة اختطاف النساء وتعذيبهن، وأيضا اختطاف الأطفال، مما تسبب بقلق اجتماعي واسع النطاق، بالإضافة إلى تغيير المناهج الدراسية بشكل يخدم أفكار الحوثيين وممارساتهم العنفية ضد المجتمع، ومارس الحوثيون التضييق على الحريات الشخصية بشكل غير مسبوق، لدرجة إغلاق عدد من الكافيهات بذريعة الاختلاط، وقصف سجن للنساء بمدينة تعز تسبب بقتل وجرح العشرات منهن، وأيضا اعتقال عدد من الشباب لاحتفالهم بما يسمى “عيد الحب”، في 14 فبراير، وإصدار أحكام إعدام بحق سجناء من الطائفة البهائية، قبل التراجع عن تلك الأحكام بفعل ضغوط دولية، واستبدالها بالإفراج عنهم وتهجيرهم خارج اليمن، كما صدرت عدة أحكام بالإعدام “مسيسة” شملت مسؤولين في الحكومة الشرعية وبرلمانيين وإعلاميين وقادة عسكريين وغيرهم، في واحدة من أكبر مظاهر العبث القضائي المسيس التي لم يسبق أن شهدت البلاد مثيلا لها.
وفي بداية يونيو، أعلن الحوثيون قانونا يجيز لهم الاستيلاء على 20% من ثروات اليمنيين، أو ما يسمى في مذهبهم “الخمس”، وتسبب ذلك بأزمة اجتماعية جعلت الجماعة تبحث عن تبريرات لذلك القانون بدت غير مقنعة. كما افتعل الحوثيون أزمات في المشتقات النفطية والغاز المنزلي طوال العام إلا في فترات محدودة، وازدادت حدة هذه الأزمات بعد عرقلة السلطة الشرعية والتحالف منح بعض سفن الوقود تراخيص الدخول لميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون بهدف الضغط عليهم، بعد نهبهم لعائدات النفط عبر ميناء الحديدة المخصصة للموظفين بموجب اتفاق سابق بين السلطة الشرعية والحوثيين تم برعاية الأمم المتحدة.
ومع اقتراب نهاية العام 2020، جدد الحوثيون تهديدهم باتخاذ خطوات تصعيدية ضد السعودية، في حين أوكلوا لأبرز قادتهم العسكريين مهمة التصعيد جنوبا، استباقا لتسريبات حينها كانت تتحدث عن التسريع بتنفيذ اتفاق الرياض وتشكيل حكومة جديدة تضم “المجلس الانتقالي” وتوحيد الجهود لمحاربة الحوثيين، وبعد تشكيل الحكومة، وتحديدا لحظة وصولها مطار عدن الدولي، تم استهداف المطار بعدد من الهجمات، اتهمت الحكومة جماعة الحوثيين بالمسؤولية عنها.