كريتر نت – العرب
لا يخلو تشبّث الأمم المتّحدة بالاعتبارات الإنسانية لرفض تصنيف الولايات المتحدة لجماعة الحوثي المتمرّدة في اليمن، جماعة إرهابية، من محاذير تتمثّل خصوصا في تحوّل تلك الاعتبارات إلى مظلّة لحماية الجماعة التي تقف أصلا وراء ما آلت إليه أوضاع البلاد من سوء شديد، ما يعني بالنتيجة تشجيعها على التمادي في خوض الصراع وتعقيد جهود الحلّ السلمي الذي تعمل عليه المنظمة الأممية ذاتها.
برزت الاعتبارات الإنسانية مجدّدا كعامل يستفيد منه المتمرّدون الحوثيون في اليمن للحفاظ على موقعهم في المعادلة اليمنية كطرف معترف به ضمنيا، أمميا ودوليا، وكشريك مفروض بحكم الأمر الواقع في عملية السلام المتعثّرة التي يعمل المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث على استئنافها.
وعارضت الأمم المتّحدة بشدّة القرار الأميركي الأخير بتصنيف جماعة الحوثي كجماعة إرهابية أجنبية وفرض عقوبات على عدد من قادتها البارزين، في موقف استند إلى أنّ للقرار تأثيرات سلبية على الأوضاع الإنسانية السيئة في البلد، لكنّه لم يسلم من تساؤلات حول مدى انفصاله عن أي حسابات سياسية لبعض القوى الدولية.
ولا تزال الكثير من الأطراف السياسية في اليمن غير مقتنعة بأن عمل البعثة الأممية إلى اليمن مستقلّ بشكل تامّ عن إرادة بعض الدول ذات السطوة والنفوذ في الأمم المتّحدة ومجلس الأمن الدولي.
ويرى أصحاب هذا التوجّه أنّ غريفيث الذي بذل سنة 2018 جهودا كبيرة لوقف معركة تحرير محافظة الحديدة ذات الموقع الاستراتيجي على الساحل الغربي لليمن، بمساندة دول أوروبية على رأسها المملكة المتحدة التي يحمل المبعوث الأممي جنسيتها، لم يتمكّن أبدا من إقناع الأطراف اليمنية المناهضة للحوثيين بوجاهة الاعتبارات الإنسانية التي استند إليها آنذاك لوقف المعركة التي كانت، بحسب محللّين عسكريين، ستكون حاسمة في مسار الحرب باليمن. كما أنّه لم يتمكّن أبدا من إثبات أنّ اتفاق السويد الذي توصّل إلى إبرامه بين الحوثيين والحكومة الشرعية اليمنية، حمل خدمة لجهود السلام في البلد وأدى إلى تحسين أوضاعه الإنسانية.
ويذهب البعض حدّ إثارة الشكوك في وجود قوى دولية تعمل على استدامة تكافؤ القوى في اليمن والحفاظ على الوضع القائم هناك، بما فيه سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة من الأراضي اليمنية، وذلك خدمة لحسابات معقّدة تتعلّق بمصالح تلك القوى.
وردّا على الإجراء الأميركي الجديد ضدّ الحوثيين، اعتبر مسؤولون كبار في الأمم المتحدة أن على الولايات المتحدة أن تلغي قرارها، تحت طائلة حصول مجاعة غير مسبوقة في اليمن منذ نحو أربعين عاما.
وتساءل مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك “ما الذي سيمنع المجاعة؟”، ليجيب “التراجع عن القرار الأميركي” الذي يدخل حيز التنفيذ في التاسع عشر من يناير الجاري، لافتا إلى أن الاستثناءات التي وعدت بها الولايات المتّحدة للسماح للمنظمات غير الحكومية بإيصال المساعدة الإنسانية لن تحد من خطر مجاعة واسعة النطاق.
ويمثّل هذا الموقف الأممي مثار خلاف جديد بين الأمم المتّحدة والشرعية اليمنية والقوى الإقليمية الداعمة لها، الأمر الذي يمكن أن ينعكس على جهود غريفيث التي يبذلها حاليا لاستئناف مسار السلام في اليمن.
وقالت الحكومة اليمنية إنّ إعلان الإدارة الأميركية اعتزامها تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، ينسجم مع مطالبها ويحظى بإجماع من الشعب اليمني.
وجاء ذلك في بيان أمام مجلس الأمن الدولي، ألقاه عبر الاتصال المرئي، وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك.
واتهم بن مبارك الحوثيين “بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، من تفجير للمنازل ودور العبادة، وانتهاك حقوق الأقليات الدينية وتهجير المعارضين، واعتقال وتعذيب الصحافيين، وحصار المدن، وزراعة الألغام وتهديد خطوط الملاحة الدولية”.
وأضاف “ذلك يجعلنا نرحب بالقرار الذي اتخذته الإدارة الأميركية”، مؤكّدا “حرص الحكومة اليمنية البالغ على تسهيل أعمال كافة الهيئات الدولية والمنظمات الإنسانية، والمؤسسات التجارية والمصرفية لضمان سهولة تدفق المساعدات والسلع لكل اليمنيين”.
ويلقى الموقف الأممي من إلحاق الحوثيين بقوائم الإرهاب الأميركية دعما أوروبيا، حيث انتقد الاتحاد الأوروبي قرار إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب.
وبحسب المسؤولين الأمميين، فإن من شأن القرار الأميركي أن يعيق أيضا عملية المفاوضات السياسية لحل النزاع اليمني.