كريتر نت – العرب
لا يتوانى أنصار حركة “كيو آنون” اليمينية المتطرفة، التي تؤمن بنظرية المؤامرة وتعتبر دونالد ترامب بطلا، عن التمسك بالترويج لأكاذيب واستخدام منصات سرية لنشر الخطاب التحريضي ضد خصوم الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب. وفتحت التطورات الأميركية الأخيرة باب التساؤلات واسعا بشأن من يقف وراء تلك المجموعات اليمينية المتطرفة، بعد أن شارك ترامب بنفسه في الحركة.
واشنطن – أعادت الأحداث الأخيرة لاقتحام الكونغرس عقارب الساعة إلى الوراء للكشف عن الداعمين الرئيسيين والمحركين الفعليين لأكبر حركة يمينية متطرفة مؤيدة لنظرية المؤامرة في الولايات المتحدة، والتي بدأ تأثيرها ينتقل إلى عواصم أخرى في العالم.
لم تكن حادثة الكونغرس سوى نتيجة لعمل طويل من التحريض ونشر الأكاذيب على منصات خاصة سرية ومواقع التواصل الاجتماعي، قبل انتقاله إلى الشوارع وتهديد مقر “الديمقراطية الأميركية” في قلب العاصمة واشنطن.
وتحولت “كيو آنون”، الحركة اليمينية المؤيدة لنظرية المؤامرة والتي تعتبر دونالد ترامب بطلا، إلى “حلم مزعج” يقلق الولايات المتحدة. وتثار تساؤلات عديدة عن الزعيم الحقيقي الذي يقف وراء تلك المجموعات التي لم تقبل بهزيمة “رئيسها”، وتهدد بتعطيل حفل تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في العشرين من يناير الجاري.
وتظهر استطلاعات للرأي أن أتباع الزعيم السري لحركة “كيو” ليسوا على الأرجح بالآلاف بل بالملايين، وأن حركة “كيو آنون” أصبحت عالمية، حيث يمكن اكتشاف علامة “كيو” الشهيرة في تجمعات يمينية متطرفة في جميع أنحاء أوروبا.
وعمل أعضاء “كيو آنون” على استخدام منصات الرسائل “8 تشان”، ومنصات التواصل الاجتماعي اليمينية المتطرفة مثل “بارلر” و”غاب”، لتوفير الادعاءات غير المنطقية التي سمحت للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب بالاستمرار في الادعاء بانتصاره الزائف.
وسارعت شركات وجهات حكومية وغير حكومية أميركية إلى حظر تلك المنصات الأكثر تطرفا في الولايات المتحدة، بعد تفاقم الأوضاع على خلفية اقتحام مقر الكونغرس.
وتسود مخاوف حقيقية في الولايات المتحدة من “أحداث دموية” يوم تنصيب بايدن رئيسا، ولذلك عملت السلطات على نشر قوات من الحرس الوطني والشرطة، وكثفت من إجراءاتها الأمنية لمنع انزلاق الأمور إلى الأسوأ.
أكاذيب دائمة
“كيو” في كل مكان
و”كيو آنون” هي نظرية مؤامرة من ابتداع اليمين الأميركي المتطرف، وتتناول خطة سرية مزعومة لما يسمى “الدولة العميقة” في الولايات المتحدة، التي عملت ضد سياسات ترامب وأنصاره طوال فترة توليه الرئاسة.
ويقول الصحافي الاستقصائي جاستن لينغ، في تحقيق نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، إن “كل قطعة من الأدلة التي استشهدت بها عصابة ترامب من لصوص الانتخابات، تم اختلاقها، أو على الأقل تعزيزها، من قبل جيشه من أتباع كيو آنون، وكان ترامب نفسه يدعم هذه الأدلة بحماس”.
ويرفض الرئيس المنتهية ولايته الاعتراف بنتائج الانتخابات الأخيرة، ولن يحضر الحفل الرئاسي لتنصيب بايدن. وبات ترامب شبه منعزل في الآونة الأخيرة، جراء تصريحاته وخطاباته المثيرة للجدل ودعمه غير المحدود لأنصاره في عملية اقتحام الكونغرس.
ويوضح جاستن لينغ في تقريره، طريقة عمل المجموعة الأكثر تطرفا في الولايات المتحدة عبر منصات التواصل الاجتماعي، وكيفية انتشار مضامين خطاباتها وأفكارها من منصة خاصة باليمين المتطرف وصولا إلى ترامب.
حركة “كيو آنون” استخدمت منصات الرسائل “8 تشان”، ومنصات التواصل الاجتماعي اليمينية المتطرفة مثل “بارلر” و”غاب”، للحديث عن مزاعم تزوير الانتخابات
ويقول “لطالما كانت عصابة ‘كيو آنون’ مجموعة ذات دوافع ذاتية، لكنهم اعتمدوا الاسم الفخري والرمزي ‘كيو’ لتقديم القرائن والتوجيهات، وعلى الرغم من عدم إتاحة الكثير ليشاركوه مع زعيمهم الفعلي، كان لدى أتباع حركة ‘كيو آنون’ نتيجة انتخابات استطاعوا من خلالها قلب كل شيء لصالحهم”.
ويضيف لينغ “على الرغم من أن أبحاثهم غير جادة وخيالية، إلا أنها شكلت حجر الأساس لدعاوى قضائية رفعها المحامون المرتبطون بالحركة، سيدني باول ولين وود، التي احتلت مكانا مهما في البث اليومي على قنوات ‘نيوز ماكس’ و’وان أميركا نيوز’، وشكلت الأساس لمطالب ترامب الخاصة بإلغاء الانتخابات”.
واستخدمت الحركة ادعاءات كاذبة منذ بداية ولاية ترامب الرئاسية عام 2017، من الترويج لوجود عصابات لتهريب الأطفال يديرها الحزب الديمقراطي، إلى عبادة الشيطان العميقة.
وفي تتبع طريقة عمل المجموعة، يعطي لينغ مثالا بحديثهم عن شبكة المؤامرات المعقدة التي تحيط بمؤسسة “دومينيون فوتينغ سيستم”، حيث بالعودة إلى العام 2018 زعمت غرف رسائل “كيو آنون” على مدونة “8 تشان”، أن الشركة الانتخابية، التي يقع مقرها في تورونتو، مرتبطة ارتباطا وثيقا بجورج سوروس ومؤسسة كلينتون، وهو دليل على تواطؤ الشركة في مؤامرة للدولة العميقة.
ويوضح أنه في الثاني من نوفمبر، عشية يوم الانتخابات، نشر مستخدم على موقع “8 تشان” أن “محللا استخباراتيا معروفا” كان يناشدهم أن يبحثوا في قضية دومينيون. وكتب المستخدم، مقتبسا من محلل الاستخبارات الذي لم يذكر اسمه، “ليس عليهم الفوز في الانتخابات. إنهم بحاجة فقط إلى خلق حالة من عدم الثقة في انتخاباتنا”.
وفي الثامن من نوفمبر ظهر المحامي سيدني باول على قناة فوكس نيوز، ليروي النظرية القائلة بأن آلات مؤسسة “دومينيون” غيرت الأصوات لصالح بايدن. وبعد أيام قليلة، كان الرئيس يغرد على تويتر حول تورط “دومينيون” المفترض في هذه العملية الاحتيالية.
ويقول الصحافي الاستقصائي إن “هذه النظرية، التي لم يكن هناك أيّ دليل ملموس عليها، أصبحت الآن جوهرية في ادعاء ترامب بالاحتيال القائل بأنه فاز في الواقع بالعديد من المقاطعات التي تستخدم أنظمة دومينيون”.
ويضيف أنه “قد يكون من الصعب أحيانا تتبع مصدر هذه المؤامرات، من منصة ‘8 تشان’ إلى الرئيس، لكن في بعض الأحيان يسهّلون الأمر”.
ويعود الصحافي إلى مكالمة مسربة بين ترامب وسكرتير ولاية جورجيا براد رافنسبيرجر، الذي عبر له ترامب حينها عن كل أنواع النظريات التي تذكرها حركة “كيو آنون”، بدءا من الاحتيال وتزوير الأصوات، ووصولا إلى مقاطع الفيديو التي تم تحريرها وتدّعي أنها تظهر وصول بطاقات مزورة. قام ترامب خلال المكالمة الهاتفية بذكر تلك المؤامرات التي تم تناقلها على موقع “8 تشان” و”بونديت” و”غيت واي”، وهو موقع مؤامرة يميني متطرف.
ويقول لينغ إن “نظرية ‘كيو آنون’ اكتسبت شرعية جديدة، ومع ذلك فإنها تترك الحركة في مأزق حرج، حيث أصبحت النظرية من ناحية هيئة معارضة يمكن للحزب الجمهوري أو على الأقل حزب ترامب استغلالها، ومن ناحية أخرى، لا يزال هذا الأمر مقصورا على فئة معينة من الجوانب، حيث يروّج لجميع أنواع المعتقدات الغريبة حول الخطف الجماعي للأطفال وطقوس عبادة الشيطان التي تذهب إلى حدود بعيدة جدا حتى بالنسبة إلى الحزب الجمهوري لعام 2021″.
ترامب “كيو” الجديد
أفعال تتجاوز نظريات المؤامرة
وتتبنى نظرية “كيو آنون” اعتقادات ديفيد إيك، الباحث البريطاني في نظريات المؤامرة، عن أشخاص السحالي والنظريات المعادية للسامية من بروتوكولات حكماء صهيون، بالإضافة إلى الأوهام الأحدث حول أبراج الجيل الخامس التي تسببت في ظهور فايروس كورونا ونشر الدعاية المعادية للتلقيح.
وكانت مجلة “فورين بوليسي” قد كتبت سابقا أن هناك شخصا يمثل حركة “كيو” يتواجد خلف الكواليس، حيث تشير الأدلة المتوفرة إلى فكرة أن جيم واتكينز، صاحب منصة “8 تشان”، هو اللاعب الرئيسي وراء “كيو”، ويتلاعب بالحركة لتحقيق غاياته الخاصة. لماذا بالضبط، يريد أن يتخلى عن مقعده في طليعة الغوغاء ذوي النفوذ المتزايد؟ يبقى سؤالا مفتوحا، ولكن قد تبقى بعض الأدلة مع ابنه رون.
ووسط كارثة يوم الانتخابات، أعلن رون واتكينز، الذي أدار غرفة رسائل “كيو آنون” على منصة “8 تشان”، استقالته المفاجئة من واجبات إدارة غرفة الرسائل.
نظرية “كيو آنون” تتبنى اعتقادات ديفيد إيك، الباحث البريطاني في نظريات المؤامرة، عن أشخاص السحالي والنظريات المعادية للسامية من بروتوكولات حكماء صهيون
ومع ذلك، وفي غضون أيام ظهر واتكينز كمنظّر مؤامرة بارز، لاسيما وأن لديه أكثر من 500 ألف متابع على تويتر، وقد التقطت قنوات “وان أميركا نيوز” و”بونديت” و”غيت واي” وغيرها من وسائل الإعلام اليمينية أفكاره حول تزوير الانتخابات.
وأعاد الرئيس تغريد أفكار واتكينز خمس مرات منذ يوم الانتخابات، وفي الآونة الأخيرة قام بإعادة تغريد عدد كبير من التغريدات في الـ3 من يناير، التي قالت إن ترامب قد يؤخر تنصيب بايدن لكسب المزيد من الوقت لإلغاء النتائج.
وانتقل واتكينز، من كونه مجرد شخص يقوم بالتعديل على منشورات “كيو”، إلى أن يصبح جزءا لا يتجزأ من رسائل ترامب بعد الانتخابات في غضون أسابيع فقط.
ويقول لينغ إن “مؤامرات ‘كيو آنون’ وأساليب البحث الزائفة والروابط الخيالية المزورة والاعتقاد في حالة عميقة منتشرة في كل مكان سوف تستمر”.
ويوضح أن “نظرية ‘كيو آنون’ أصابت كوكبة من وسائل الإعلام، والتي تقوم بنشر معلومات ليست بالضرورة أن تكون صحيحة بقدر ما تحتاج إلى تغذية أتباع ترامب”، إضافة إلى اقتناع الملايين من الأميركيين بفكرة أن مؤامرة واسعة النطاق قد غيرت نتيجة الانتخابات. وقد يقومون جميعا أيضا بتطريز الحرف “كيو” على معاطفهم.
ويشير إلى أن هذا الأمر يشكّل تحولا مرعبا للأحداث بالنسبة إلى الديمقراطية الأميركية، لكنه خبر سار بالنسبة إلى عائلة واتكينز، التي يبدو أنها قد خرجت الآن من الظل، واكتسبت نفوذا وقوة أكبر مما كانت عليه في إخفاء هويتها.
ويقول لينغ إن “نظرية ‘كيو آنون’ أصبحت غير ضرورية الآن لأن ترامب نفسه شارك في الحركة”، ويشير إلى تساؤل الكثيرين علانية عما إذا كان “كيو” هو ترامب نفسه. ومع اشتراك الرئيس المنتهية ولايته الآن في المهمة بنفسه قد تكون أحد التنبؤات التي حققتها الحركة: هي أن ترامب هو “كيو” الجديد.