كريتر نت – العرب
إخضاع عملية تبادل الأسرى وإطلاق سراح المعتقلين في اليمن للحسابات السياسية، هو العامل الرئيسي وراء التأخّر في إقفال هذا الملف الإنساني رغم أنّه كان من ضمن بنود اتّفاق ستوكهولم الذي مضى على توقيعه من قبل الشرعية اليمنية والمتمرّدين الحوثيين أكثر من سنتين. والآن يعاد إطلاق المفاوضات بشأنه، في ظل مستجدّات إقليمية ودولية يُأمل أن تساعد على كسر جموده.
أثار جلوس ممثلين عن الحكومة اليمنية، إلى طاولة التفاوض المباشر على تبادل الأسرى مع جماعة الحوثي التي تعمل الحكومة ذاتها على إقناع المجتمع الدولي بضرورة تصنيفها جماعة إرهابية، ردود فعل متباينة بين من رأى في الأمر تناقضا حادّا ونقضا للموقف المعلن، وبين من اعتبر ملفّ الأسرى شأنا إنسانيا لا موانع تحول دون التفاوض بشأنه مع ألدّ الأعداء استنادا إلى سوابق دولية كثيرة في المجال.
وكانت قد بدأت، الأحد في العاصمة الأردنية عمّان، جولة جديدة من المشاورات المتعلقة بالأسرى بين الحكومة اليمنية والحوثيين برعاية مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث واللجنة الدولية للصليب الأحمر، في الوقت الذي أطلق فيه ناشطون يمنيون حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي لإدانة الجماعة الحوثية كحركة إرهابية، ردا على إعلان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، الجمعة، عن شروع الوزارة في مراجعة قرار تصنيف الحوثيين منظمةً إرهابية.
واعتبر سياسيون يمنيون أن توقيت الاجتماع يعطي انطباعا خاطئا ويبعث برسالة سلبية للمجتمع الدولي حول موقف الشرعية من هذا القرار ومدى جديتها في مطالبة الإدارة الأميركية بعدم الرجوع عنه.
وفي هذا السياق قال مستشار وزارة الإعلام اليمنية فهد الشرفي في تغريدة على تويتر تعليقا على اجتماع عمّان “الحكومة راحت تفاوض الحوثي بالتزامن مع إطلاق حملة على الإرهاب الحوثي وتصنيف الجماعة إرهابية.. كيف نفهم هذا؟ وكيف يتنازلون عن قضايانا بكل هذه الجرأة؟”.
وأعلن مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، السبت، عن انطلاق الاجتماع الخامس للجنة الإشرافية المعنية بمتابعة تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين في العاصمة الأردنية عمَّان.
وجاء في بيان صادر عن مكتب غريفيث أن اللجنة استأنفت “مناقشاتها بين طرفي النِّزاع في اليمن للنظر في إطلاق سراح أعداد إضافية من الأسرى والمحتجزين بعد إطلاق سراح 1065 أسيرا ومحتجزا في شهر أكتوبر الماضي”.
وحثّ المبعوث الأممي “الطرفين على أن تتصدر أولويات مناقشاتهما إطلاق سراح جميع الأسرى والمحتجزين المرضى والجرحى وكبار السن والأطفال إضافة إلى إطلاق سراح جميع المدنيين المحتجزين تعسفيا بمن فيهم النساء، على الفور دون أي قيد أو شرط.. وعلى مناقشة الأسماء والاتفاق عليها بما يتجاوز قوائم اجتماع عمَّان وفاء بالتزاماتهما بموجب اتفاق ستوكهولم الذي يقضي بإطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين على خلفية النِّزاع في أقرب وقت ممكن”.
وفي تصريح لـ”العرب” اعتبر الباحث السياسي اليمني فارس البيل أن استئناف المشاورات بخصوص الأسرى جاء في توقيت حساس بعد تصنيف الحوثي جماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة الأميركية، مشيرا إلى أنه محاولة لاستكمال النجاح الجزئي الذي تحقق في هذا الملف وإطلاق أكثر من ألف أسير في أكتوبر الماضي، ويكاد يكون الاختراق الوحيد الذي حققته جهود الأمم المتحدة، وإن كان لا يزال قاصرا ولم يشمل العدد الأكبر من الأسرى والمختطفين.
توقيت اجتماع عمّان حول الأسرى رسالة سلبية حول مدى جدية “الشرعية” في المطالبة بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية
كما أن هذا الاجتماع، بحسب البيل، ربما يحقق نتائج إيجابية، فالميليشيا الحوثية يضيق عليها الخناق وهي بحاجة إلى تغيير سلوكها إثر تصنيفها جماعة إرهابية.
ولفت الباحث اليمني إلى أنّ الحكومة الشرعية أعلنت أنها لن تعود إلى مفاوضات سياسية مع جماعة الحوثي بعد تصنيفها إرهابية، فيما يعد هذا الملف إنسانيا بالدرجة الأولى، وليس له علاقة بترتيبات سياسية.
وأضاف “في المجمل، النجاح في هذا الملف الذي تأخر كثيرا وكان الأثر الوحيد الباقي من اتفاق ستكهولم، هو تخفيف لحدة معاناة الآلاف من الأسر اليمنية. كما أن هذا الملف هو المتاح الآن للمبعوث الدولي في مهمته بعد التصنيف الأميركي للحوثي، وبالتالي سيبذل كل ما في وسعه لإنجاز نجاح ما فيه، حتى يتخطى ذلك ويتخذ خطوات أخرى”.
ومن جهته توقع الباحث السياسي اليمني ورئيس مركز فنار لبحوث السياسات، عزت مصطفى، فشل جولة عمّان بشأن تبادل المعتقلين والأسرى نظرا لتباين الغرض من هذه الجولة من المشاورات بين الحكومة والميليشيا الحوثية، إذ يذهب الحوثيون إلى عمّان وفق سقف استكمال الشق الثاني من عملية التبادل التي تمت في أكتوبر الماضي والتي لا تتجاوز 300 معتقل وأسير، ما يعادل ثلثي قائمة الأسماء التي تتبع الميليشيا، بينما يفترض وفق التصريحات السابقة أن تبحث الجولة الجديدة إطلاق كافة المعتقلين والأسرى وفق قاعدة الكل مقابل الكل.
وأشار مصطفى إلى أن تغيير الفريق المفاوض الممثل للحكومة الشرعية وتوسيع مشاركة المجلس الانتقالي والقوات المشتركة باتا ضروريين انسجاما مع مستوى الشراكة التي حققها اتفاق الرياض. كما من دواعي تغيير الفريق المفاوض إخفاقه في التفاهمات السابقة التي كانت لصالح الميليشيا أكثر منها لصالح المعتقلين والأسرى من جانب الحكومة وبقية الأطراف التي تقاتل الميليشيا.
ولفت إلى أنّ الانتقائية في المفاوضات على أسماء المعتقلين والأسرى في سجون الميليشيا الحوثية، والتي مارسها الوفد الحكومي سابقا، ستعقّد الجولات التالية وتقلل فرص نجاحها وسيدخل الكثير من الأسرى والمعتقلين في سجون الميليشيا الحوثية في المصير المجهول إن استطاعت الميليشيا إطلاق أسراها المنتمين سلاليا إلى الجماعة. كما أن الحديث عن إمكانية التوصل لاتفاق حول إطلاق شقيق الرئيس هادي اللواء ناصر منصور دون إطلاق وزير الدفاع السابق اللواء محمود الصبيحي ورفيقه اللواء فيصل رجب المشمولين بقرار مجلس الأمن 2216 الذي يقضي بإطلاق غير مشروط للثلاثة معا، سيعزز الانتقائية التي تبقي بيد الميليشيا الحوثية أوراق الضغط في ملف الأسرى والمعتقلين.