كتب – د. محمد علي السقاف
بعد تولي جو بايدن الرئاسة الأميركية، في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي، هل يستفيد من أوجه السياسة الدولية التي انتهجها سلفه الرئيس السابق دونالد ترمب لمدة أربع سنوات، أم أنه سيقوم – على العكس من ذلك – بنهج سياسة دولية مختلفة جذرياً عن سياسة ترمب؟
وهل سيقوم الرئيس بايدن، بالتوجه نفسه، باتباع سياسة الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي عمل تحت إدارته في فترتي رئاسته (ثمانية أعوام) نائباً للرئيس، أم ستكون سياسته الدولية متباينة – وربما مختلفة – عن سياسة أوباما؟ وما ملامح الاختلاف – إن وجدت – عن سياسة أوباما إذا كان هو نفسه عمل معه نائباً للرئيس، وبعض أفراد طاقمه الكبار الذين اختارهم للعمل معه كانوا ضمن طاقم أوباما؟
لقد اتسمت سياسة عهد دونالد ترمب بقراراته الانفرادية التي كان يفاجئ بها العالم، بمن فيهم حلفاء الولايات المتحدة، والتي كان يختصرها وفق رؤيته الشخصية بعبارة «أميركا أولاً»؛ بمعني أن مصلحة أميركا تحتل المرتبة الأولى، وما دونها يمكن له تجاوزه، وإن أدى ذلك إلى إنهاء عضوية بلاده في بعض المنظمات الدولية، أو الانسحاب من الاتفاقيات الموقع عليها التي يرى أنها لم تكن في مصلحة بلاده. وقد علقت «بي بي سي» على ذلك بقولها إن مواقفه وسياساته كانت تشبه الصفقات التجارية، وهي أحادية معرقلة، ومقارباته لكثير من الملفات والقضايا شخصية غير منتظمة، تعتمد على مشاعره الغريزية وعلاقاته مع القادة الأجانب، وما يعلنه من مواقف عبر «تويتر».
في المقابل، فإن توجه جو بايدن يتخذ اتجاهاً معاكساً، حيث تقوم سياسته على أساس التوافق في علاقاته الدولية لخدمة المصالح الأميركية، ولا تقوم على القرارات الانفرادية. وانطلاقاً من ذلك، جاءت قراراته الأولى بعودة الولايات المتحدة إلى عضويتها في منظمة الصحة العالمية لقيادة الجهود الدولية لمواجهة جائحة كورونا، ورحبت الأمم المتحدة بقرار الإدارة الأميركية بشأن استئناف تمويل صندوق الأمم المتحدة للسكان الذي سينقذ حياة نساء وفتيات في أنحاء العالم يعشن في ظل أكثر الأزمات الإنسانية إلحاحاً، وفق تصريح الأمين العام للأمم المتحدة.
وعادت الولايات المتحدة كذلك إلى اتفاقية باريس للمناخ التي انسحب منها دونالد ترمب. ووقع بايدن، الأربعاء الماضي، سلسلة من الأوامر التنفيذية التي تهدف إلى مواجهة أزمة التغير المناخي، مصرحاً في هذا الشأن بأن الولايات المتحدة «يجب أن تقود» الجهود العالمية للتعامل مع أزمة تغير المناخ، مضيفاً أنه «مثلما نحتاج إلى استجابة وطنية موحدة للتعامل مع فيروس كورونا، فإننا بحاجة ماسة إلى استجابة وطنية موحدة للتعامل مع أزمة المناخ». وقال المبعوث الرئاسي للمناخ وزير الخارجية الأسبق، جون كيري، للصحافيين إن بايدن يعد «المناخ مسألة محورية في السياسة الخارجية». وقد أعلن بايدن بهذا الخصوص أنه في 22 أبريل (نيسان) المقبل، بمناسبة يوم الأرض، سيخصص اجتماع قمة حول أزمة المناخ، يسبق قمة الأمم المتحدة للمناخ التي ستعقد في بريطانيا في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وقامت إدارة بايدن أيضاً بتمديد اتفاق نزع السلاح مع روسيا لمدة خمس سنوات، وهي تعتزم إعادة الدعم للفلسطينيين، واتخاذ خطوات لإعادة فتح البعثات الدبلوماسية التي أغلقتها إدارة ترمب التي كانت قد أوقفت تمويلاً سنوياً قيمته نحو 300 مليون دولار تقدمه الولايات المتحدة إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا). وقد صرحت قبل ذلك المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، للصحافيين، يوم الثلاثاء 26 يناير (كانون الثاني) الماضي، بأن الرئيس الأميركي جو بايدن يرى أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد للمضي قدماً صوب تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
من هنا، بادر بعض المسؤولين الدوليين إلى محاولة إنعاش عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عبر آلية متعددة الأطراف يمكن أن تكتسب زخماً بسبب وجود إدارة بايدن الجديدة. فقد دعا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في جلسة لمجلس الأمن الدولي في شهر يناير الماضي، إلى عقد اجتماع للرباعية خلال الربيع المقبل في بلاده، على أن تشارك فيه المملكة العربية السعودية بصفتها صاحبة مبادرة السلام العربية.
من جانبه، طالب وزير الخارجية الفلسطيني، في جلسة مجلس الأمن الدولي نفسها، بعقد مؤتمر دولي للسلام «يمكن أن يشكل نقطة تحول في النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، كما فعل مؤتمر مدريد قبل ثلاثة عقود… لإنقاذ حل الدولتين على حدود ما قبل 1967 قبل فوات الأوان»، معتبراً أنه خلال السنوات الأربع الماضية، استغلت إدارة ترمب قوة ونفوذ الولايات المتحدة في دعم نشاطات إسرائيل المخالفة للقانون، وشجعتها على ترسيخ احتلالها وسيطرتها.
وقال القائم بأعمال المبعوث الأميركي لدى الأمم المتحدة، ريتشارد ميلز، من جهته، إن الإدارة الأميركية تدعم حل الدولتين، وإنها «ستحض الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية على تجنب الخطوات الأحادية التي تجعل حل الدولتين أكثر صعوبة، مثل: ضم الأراضي، والنشاط الاستيطاني، وهدم المنازل، والتحريض على العنف، وتقديم تعويضات للأفراد المسجونين الذين ارتكبوا أعمالاً إرهابية» حسب زعمه.
وقد تزامن مع قدوم الإدارة الأميركية الجديدة إحياء مشروع الانتخابات الفلسطينية التي لم تجرِ لأكثر من عقد، وتجدد شرعية السلطة الفلسطينية على المستوى الرئاسي، وكذلك التشريعي. ومن قبيل الصدف أيضاً قرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أحياء مجلس الشورى الذي لم يفعّل منذ نحو ست سنوات، بتعيين كل من الدكتور أحمد عبيد بن دغر رئيساً لمجلس الشورى، وعبد الله محمد أبو الغيث ووحي طه أمان نائبين لرئيس مجلس الشورى، الذين قاموا بأداء اليمين الدستورية أمام الرئيس في 19 يناير الماضي، بعد فوز بايدن بالرئاسة الأميركية، وربما على خلفية تسوية سياسية آتية في اليمن، علماً بأن البرلمان اليمنى يقوم على نظام الغرفتين (مجلس النواب ومجلس الشورى).
ولكنْ ثمة ملفان أساسيان في السياسة الخارجية للرئيس ترمب قد يساعدان إدارة بايدن في طريقة التعامل معها، وهما الملف النووي الإيراني والعلاقات مع الصين.
ويحظى الملف النووي الإيراني بأولوية خاصة، أو يمثل واحدة من «الأولويات القصوى المبكرة لإدارة الرئيس بايدن، بسبب الأزمة المتصاعدة مع إيران، في ظل اقترابها من الحصول على ما يكفي من المواد الانشطارية لامتلاك سلاح نووي»، وفق ما صرح به، يوم الجمعة الماضي، مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان. وهذا بحد ذاته يرى فيه بعضهم فشلاً من إدارة ترمب، وذلك أنها رغم العقوبات غير المسبوقة التي فرضتها على ملالي إيران، لم تحل دون مواصلة تطوير قدراتهم النووية، بينما يرى آخرون أن تلك العقوبات أضعفت النظام الإيراني، وجعلته يسعى لرفع تلك العقوبات، وإبداء مرونة عند التفاوض مع إدارة بايدن؛ بمعنى آخر، فإن سياسة ترمب قد مهدت الطريق أمام الإدارة الجديدة للحصول على بعض التنازلات الإيرانية، واحتمال قبولها إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي (5+1)، ليشمل ملف الصواريخ الباليستية، والتخلي عن التدخل في شؤون دول المنطقة.
ويبقى ملف العلاقة مع الصين، القوة العالمية التي تعامل معها ترمب بندية شديدة وتحدٍ كبير، يمكن من دون شك لإدارة بايدن الاستفادة منهما عند تحديد شكل العلاقات معها.
نقلا” عن الشرق الأوسط