معضلة حقيقية قد تعصف بالسلطة التشريعية الحالية وتعجل بانتخابات مبكرة
هدى الطرابلسي
يبدو أن هناك إجماع في تونس على أن مجلس نواب الشعب بحكومته وأدائه الحاليين أصبح عبئاً على البلاد والانتقال الديمقراطي عموماً. وتبنت تونس في دستورها الجديد لعام 2014 النظام البرلماني المعدل الذي يمنح رئيس الحكومة مرشح الحزب الفائز في الانتخابات صلاحيات تنفيذية واسعة، لكن تشتت المشهد البرلماني بعد الانتخابات الأخيرة، وعدم وجود غالبية تحت قبة باردو، تسبب في أزمة حقيقية قد تعصف بالسلطة التشريعية الحالية، وتعجل بانتخابات مبكرة.
ربما يكون بداية الحل
ويرى النائب عن التيار الديمقراطي هشام العجبوني، أن “الدولة كلها معطلة، لكن الفرق بين مؤسسات الدولة الأخرى والبرلمان هو أن اجتماعات المجلس كلها تبث مباشرة للجمهور”.
من جهة أخرى، يعتقد أن “أحد الأسباب الجوهرية لتعطل البرلمان هو سوء التسيير من قبل رئيس المجلس، وهو المسؤول الأول عن إدارة المؤسسة التشريعية”. متابعاً في السياق ذاته، “راشد الغنوشي غير كفوء لإدارة البرلمان، وغير متمكن من النظام الداخلي ولا من الدستور، فمنذ 50 عاماً وهو يسيّر الحزب نفسه بعقلية واحدة، ووجد نفسه أمام التعددية الحزبية فتعامل معها وكأنها مجلس شورى النهضة، كما أن اصطفافه وراء الأحزاب المتحالفة معه جعلنا نشعر بالغبن، فرئيس البرلمان يتعامل مع البرلمان بمنطق المغالبة، ويحاول تمرير قوانين غير دستورية، وهذا ما جعلنا نسعى لسحب الثقة منه”.
ويقول العجبوني إن “سحب الثقة من الغنوشي ربما تكون بداية حل، فالبرلمان بوضعه الحالي لا يستطيع التقدم. راشد الغنوشي يتحمل مسؤولية كل هذا العبث والفوضى بإدارته الكارثية للبرلمان، وأدعوه إلى الاستقالة حفظاً لماء وجهه، وتغليباً للمصلحة الوطنية”.
ويبدو أن عزلة الغنوشي تزداد توسعاً، ويذكر أن نواب التيار الديمقراطي بدأوا في التشاور مع كتل في البرلمان لإمضاء عريضة سحب ثقة من الغنوشي. من جهة أخرى، بثت رئيسة “الدستوري الحر” عبير موسى مقطع فيديو أعلنت فيه أن عدداً من الكتل البرلمانية أكدت لها استعدادها لإمضاء عريضة سحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي، وهو مسعى رئيسة كتلة “الدستوري الحر” منذ بداية العُهدة البرلمانية الحالية.
ومن الحلول التي وجدها “التيار الديمقراطي” للخروج من أزمة البرلمان يفيد العجبوني، بأنهم قدموا “مبادرة لإعادة الانتخابات التشريعية إذا لم نتوصل إلى اتفاق داخل البرلمان”، ولكن قبل الانتخابات يرى أنه “لا بد من مراجعة المنظومة الانتخابية حتى لا نعيد إنتاج المشهد نفسه المتعلق بقانون الأحزاب ونظام الاقتراع ومنظومة وسائل الإعلام، وأيضاً مراجعة منظومة استطلاعات الرأي التي تسعى إلى توجيه الرأي العام”.
محاولات تعطيل
ولمعرفة الرأي المخالف، يقول النائب عن حركة النهضة محمد القوماني إن البرلمان “يعاني تحميله مسؤوليات تنفيذية وإجرائية يعكسها ضعف الثقافة الدستورية والسياسية لدى كثير من التونسيين”.
لكن في الوقت نفسه، يرى القوماني أن “أداء البرلمان خلال هذه الفترة النيابية بعث كثيراً من الرسائل السلبية، أولاً بسبب محاولات التعطيل غير المسبوقة وخرق القانون ممن اُنتخبوا لوضع القوانين واحترامها، وثانياً المناكفات الحزبية والسياسية في المجلس، والأمر الأخطر هو منسوب العنف اللفظي والمادي الذي عرفته هذه الفترة النيابية منذ الجلسة الأولى لانتخاب رئيس البرلمان”.
أما بخصوص أزمة سوء تسيير راشد الغنوشي للبرلمان، فيقول القوماني إنه لا يشاطر بعض زملائه الرأي، حين يرجعون أزمة البرلمان إلى رئيسه والتسيير الإداري له، معللاً “أولاً محصلة أعمال البرلمان التي تم الكشف عنها خلال هذه الفترة النيابية فاقت في كل المستويات أداء الدورات الشبابية”.
مواصلاً، “ثانياً رئيس المجلس لا يترأس إلا جزءاً ضئيلاً من الجلسات العامة التي كانت دائماً ما تقدم الصورة السلبية بسبب الاضطرابات التي تحصل داخل المجلس، وهو يواصل أعماله من مكتبه في الاستقبالات وأعمال اللجان وغيرها، ولم نسجل له إخلالات بمنصبه”.
وفي السياق ذاته، يرى القوماني أن “وجود الغنوشي على رأس البرلمان مستفز للبعض في رمزيته بغض النظر عن أدائه، لأن البعض لا يزال يعتقد أن حركة النهضة غريبة عن الدولة، وما زالوا وبعد عشر سنوات على مشاركتها في الحكم يتحدثون عن تسلل لمفاصل الدولة، وكأن الدولة حكر على عائلة فكرية أو سياسية معينة، وكأن دولة ما بعد الثورة هي نفسها دولة الإقصاء والاحتكار ما قبل 2011″.
ووجود الغنوشي على رأس إحدى مؤسسات الحكم الرئيسة هو ما استفز بعضهم، وبدأت الحملة ضده منذ الجلسة الأولى، وهذا يعكس أزمة الديمقراطية في تونس، وإشكال التعايش بين مكاسب دولة الاستقلال وثورة الحرية والكرامة، وأعتقد أن هذا هو جوهر المشكلة”.
تعطل الحياة السياسية
من جهته، لا يعتقد الصحافي المتخصص في الشأن البرلماني مجدي ورفلي أن “البرلمان سبب تعطل الدولة”، موضحاً أنه “في نهاية الأمر الكتل البرلمانية لا تعدو غير ذراع تشريعية تأتمر وتخضع لخط المكاتب السياسية لأحزابها، إلا تلك الكتل غير المهيكلة في شكل أحزاب بطبيعة الحال”، مواصلاً، “مثلاً المكاتب السياسية أو المجالس الوطنية للأحزاب هي التي تتخذ موقفاً من أي ملف، والكتل النيابية إحدى آلياتها لتسجيل ذلك الموقف”.
ويضيف الورفلي بخصوص الصراع والعنف والحسابات داخل البرلمان، أنها “لا تتخطى كونها إحدى تمظهرات الصراعات الحزبية والسياسية ككل”، وفي تقديره يرى أن “أحد أهم أسباب تعطل الدولة هو تفتيتها بالنظام السياسي الحالي، وتشتيت آليات اتخاذ القرار، إضافة إلى انعدام الثقة وتعطل الحياة السياسية، واعتماد سياسة المقايضة بالملفات التي كان رئيس البرلمان الحالي راشد الغنوشي والمحيطون به أهم المتسببين فيها”.
أما بخصوص الأصوات المنادية بحل البرلمان، فيقول الورفلي إنه “لا توجد آليات دستورية أو قانونية لأية جهة لحل البرلمان”. مضيفاً، “صحيح أن التونسيين يعتبرون البرلمان سبب معاناتهم اليومية وتردي مستواهم المعيشي والخدمات التي تقدمها الدولة، ولكن أعتقد أنها مجرد ورقة وضغوطات من رئيس الدولة للتصعيد في وجه محاولات راشد الغنوشي المتكررة السيطرة على القرار في الدولة، واحتكامه إلى منطق المصلحة الشخصية والعائلية بلا حدود، وحتى اللجوء إلى رموز النظام السابق والفاسدين”.
ويعتقد أن “بداية الصراع بين قصر قرطاج ورئاسة البرلمان اندلعت بعد محاولات الغنوشي الدخول والاستيلاء على أهم صلاحيات قيس سعيد، وهي السياسة الخارجية”.
وفي ما يتعلق بإعادة الانتخابات التشريعية، لا يعتقد الصحافي أن “تنظيم استحقاق بالنظام الانتخابي الحالي (التمثيل النسبي) ستكون حلاً، إذ لن يفرز مشهداً مختلفاً عن الحالي، أي فوز حزب أو ائتلاف بغالبية واضحة يُمكنه من تشكيل حكومة تعمل في ظل استقرار سياسي وبرلماني يمكنها أيضاً من تمرير مشاريع قوانينها، وتحمل مسؤوليتها في الحكم وإدارة الدولة، بمعنى أن إعادة الانتخابات يجب أن يسبقها تغيير النظام الانتخابي”.
المصدر أندبندنت عربية