كريتر نت – العرب
يرى الكثير من ناخبي بريطانيا أن رئيس الوزراء بوريس جونسون توقف عن العمل كرئيس وزراء لعموم المملكة المتحدة منذ تفشي جائحة فايروس كورونا في مارس الماضي. فمنذ ذلك الوقت، صار جونسون يتعامل باعتباره رئيسا تنفيذيا لإنجلترا، يتلقى الأوامر من التكنوقراط ومن مستشاريه العلميين.
ففي شمال بريطانيا، نرى أن نيكولا ستورجين، زعيمة الحزب القومي الأسكتلندي هي من تتخذ القرارات، وتحدد للأسكتلنديين ما إذا كان يمكنهم الخروج من منازلهم أو المشاركة في تجمعات عامة. كما تعقد مؤتمرا صحافيا يوميا عن أزمة كورونا يتم بثه على الهواء مباشرة، كما لو كانت رئيس دولة. وفي إطار تعديل دستوري تم قبل نحو 20 عاما من أجل “القضاء على النزعة القومية”، تم نقل مسؤولية وضع السياسات الصحية إلى حكومات الأقاليم المشكّلة لدولة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية.
ولكن النزعة القومية مازالت حيّة بل وتتمدد اليوم، حتى أصبح البعض يطلقون على بريطانيا اسم “المملكة المفككة” وليس “المملكة المتحدة، بحسب ما أشار إلى ذلك الكاتب البريطاني مارتن إيفانز.
وكان لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دور فعال في إحياء النزعة الانفصالية في أسكتلندا. وقد صوّت نحو ثلثي الأسكتلنديين لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء العام الذي أجري في بريطانيا في يونيو 2016 وأسفر عن تصويت الأغلبية لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. وجاءت الأزمة الصحية الناجمة عن جائحة فايروس كورونا لتجعل تفكك بريطانيا أقرب.
ولا يخفي العديد من الكتاب والسياسيين تهكّمهم باستخدام تعبير “المملكة المفككة” بدلا من تعبير المملكة المتحدة.
وذهب الكاتب برنت بيبودي إلى القول إن احتمال تفكك المملكة المتحدة أمر قائم اعتمادا على طبيعة قرارات حكومة وستمنستر واستعدادها للمخاطرة السياسية في كل شيء.
وأشار بيبودي في مقالة في مجلة “فورين بوليسي”، إلى عدة أسباب تجعلنا نتوقع انهيار المملكة المتحدة وانفصال أيرلندا الشمالية وأسكتلندا، كما أن هناك توجها انفصاليا يتصاعد في ويلز أيضا.
وطالب الحكومة البريطانية بالحذر ودراسة التجارب الانفصالية التي شهدتها دول أوروبية من كتالونيا إلى كوسوفو، لأن بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي ليست محصّنة حيال التيارات الانفصالية في أيرلندا الشمالية وأسكتلندا.
ومنذ تأسيس أيرلندا الشمالية قبل مئة عام، حافظت بريطانيا على هذا الشكل المعهود، وصمد بقاء أسكتلندا وأيرلندا الشمالية وويلز ضمن المملكة المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية والاضطراب التي لحقتها.
كما أن ثلاثة استفتاءات شهدتها أسكتلندا عن الانفصال لم تنجح، لكن بريكست أعاد إحياء النزعة الانفصالية في أسكتلندا وأيرلندا الشمالية. ووضع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ضغوطا غير مسبوقة على الروابط الجيوسياسية بين البلدان الأربعة المكونة للمملكة المتحدة، مما وضع مستقبل المملكة المتحدة في موضع شك.
جائحة كورونا جعلت تفكك بريطانيا أقرب
وبالنسبة إلى معسكر بقاء بريطانيا موحدة، فإن شخصية جونسون نفسه تمثل عاملا سلبيا رئيسيا. وقد أثار تقديم جونسون في صورة مهرّج هزلي من الطبقة العليا روح الدعابة الإنجليزية، في جذب الأصوات لصالحه في الدوائر الانتخابية للطبقة العاملة في شمال إنجلترا في الانتخابات العامة، لكنه أثار اشمئزاز الأسكتلنديين الذين يجدون أسلوبه مفتعلا.
والحقيقة أنه حتى أعداء ستورجين لا يمكنهم إنكار نجاحها في تقديم نفسها كشخصية كريمة، تحظى بالاحترام لإنصاتها للأصوات المحذرة في الأزمة. وعلى النقيض من ذلك، فإن التحولات والتفاخر غير المستحق لجونسون بسياسات “المنتصر العالمي” تضر بصورته.
وفي الأسبوع الماضي، زار جونسون أسكتلندا لتسليط الضوء على النجاح المؤكد لبرنامج التطعيم ضد كورونا في المملكة المتحدة. وبحسب الحزب الاتحادي في أسكتلندا، كانت نبرة رئيس الوزراء كلها خطأ.
برنت بيبودي: تفكك المملكة المتحدة أمر قائم بعد بريكست
وقال أحد المشاركين في استفتاء استقلال أسكتلندا في عام 2014، إن جونسون “يواصل إخبارنا بمدى ضرورة أن نشعر جميعا بالامتنان له”.
لكن للأسف الشديد، فإن فشل جونسون في التواصل مع مواطني باقي إقليم بريطانيا يبدو مهمّا. فقد أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة وجود أغلبية أسكتلندية مؤيدة للاستقلال عن بريطانيا. إذن، ما الذي يمكن أن تفعله حكومة المملكة المتحدة لوقف هذا المد القومي؟
ومن المرجح أن يفوز الحزب القومي الأسكتلندي في مواجهة القوى المحبطة الموالية لحزبي المحافظين والعمال في الانتخابات الأسكتلندية المقررة في مايو المقبل. وبعد ذلك، ستدعو ستورجين مجددا إلى إجراء استفتاء على الاستقلال عن بريطانيا.
وإذا رفض جونسون ذلك، فسوف تلجأ إلى المحكمة العليا لإجباره على القبول بالاستفتاء. ليس هذا فحسب، بل إن الجناح الراديكالي في حزبها يهدّد بإجراء استفتاء من جانب واحد، كما حدث في إقليم كتالونيا بإسبانيا إذا ما خسر القضية أمام المحكمة العليا.
وتبعا لذلك، يمكن أن يراهن جونسون على عامل الوقت وحرمان الحزب القومي الأسكتلندي من إجراء أي استفتاء، وربما يأمل في أن يؤدي الخلاف الغامض بين ستورجين وسلفها، زعيم الحزب السابق، ألكس سالموند، بشأن ما إذا كانت قالت الحقيقة بشأن اتهامه بارتكاب انتهاكات جنسية إلى إسقاط هذه السيدة القوية.
ورغم ذلك، فإن مجرد عدم السماح بإجراء استفتاء في أسكتلندا ستكون له آثار سلبية. ويمكن أن يعزز مشاعر غضب القوميين في أسكتلندا إلى زيادة الخسائر الكبيرة الناجمة عن الدخول في تحد مع ستورجين.
وانحازت ستورجين الأسبوع الماضي، إلى جانب المفوضية الأوروبية ضد لندن في النزاع حول إمدادات لقاح شركة أسترازينيكا البريطانية المضاد لفايروس كورونا إلى قارة أوروبا. ثم طرح حزب العمال المعارض خططا مختلفة للإصلاح الدستوري من أجل إنهاء الجدل حول الاستقلال، ومنها خطة لتحويل بريطانيا إلى النظام الاتحادي.
ولكن مثل هذه الإصلاحات قد ترضي أصحاب الفكر الراقي لكنها لن تكون مرضية لمن يؤمنون بالاستقلال التام عن المملكة المتحدة. كما أن اللجنة الدستورية تحتاج عادة إلى سنوات عديدة لكي تنتهي من صياغة التعديلات، لذلك فإن القوميين سيصفون مثل هذه الدعوات بأنها مجرد تكتيك لتأجيل الاستجابة إلى مطالبهم، على أي حال، ولذلك سيصفها القوميون بأنها تكتيك تأخير. حتى لو تم التوصل إلى تسوية بسرعة، فإن الحزب القومي الأسكتلندي سيحصل على أي صلاحيات جديدة ثم يعود سريعا إلى المطالبة بالمزيد من الصلاحيات.
ومما لا شك فيه، فإن معركة منع انفصال أسكتلندا عن بريطانيا ستكون ضارية ولن يكون جونسون الرجل القادر على الفوز فيها، وهو ما يستوجب على أنصار الوحدة التركيز على النطاق المحلي، كما على قادة الأحزاب غير القومية في أسكتلندا تنحية خلافاتهم جانبا وإثبات أن الحالة العقلانية والشعورية اللازمة لاستمرار الوحدة القائمة منذ 300 عام مازالت موجودة.