كريتر نت – المدن اللبنانية
دعوة الرئيس الامريكي جو بايدن لوقف الحرب في اليمن وقرار ادارته وقف كل اشكال علاقتها بهذه الحرب بما فيها تعليق بيع الاسلحة ذات العلاقة بها، قد لا تكون مفاجئة، لانها تعتبر ترجمة لتوجه لدى الادارة الجديدة برزت مؤشراته خلال الحملة الانتخابية، الا ان اللافت في هذه الخطوة او الدعوة انها شكلت اول قرار لهذه الادارة على مستوى السياسات الخارجية والسرعة التي تمت فيها، في وقت مازال الجدل مرتفعا حول الخطوات التي كان من المتوقع ان يلجأ اليها بايدن في ما يتعلق بالملف الاكثر سخونة والحاحا في الشرق الاوسط، خاصة ازمة الملف النووي الايراني وما يتفرع عنه من ازمات في الملف الصاروخي والنفوذ الاقليمي.
يمكن النظر الى الازمة اليمنية وحربها، انها تشكل في بعد من ابعادها الرئيسية تحديا لاحد اهم وابرز الادوار الايرانية في منطقة الشرق الاوسط واختبارا حقيقيا لتوظيفات نفوذها الاقليمي، فالموقف الامريكي الحاسم من هذه الحرب، سيسحب من طهران ورقة اساسية تستخدمها كمنصة لتوجيه الرسائل الى خصمها السعودي الرئيس على الصفة الاخرى من الخليج، وميدانا لاختبار قدراتها الصاروخية وسلاح الطائرات المسيّرة التي كانت تستخدمها جماعة انصار الله الحوثية لاستهداف العمق السعودي.
فعلى الرغم من الاشارات الايرانية الصادرة عن مسؤولين رسميين باعتبار الازمة اليمنية اولوية في اطار الحوار المحتمل او المطلوب مع القيادة السعودية، الا ان المبادرة الامريكية السريعة بهذا الاتجاه، يبدو انها ستؤدي الى اسقاط الذرائع الايرانية التي من الممكن ان توظفها في اطار الضغط من اجل قطع الطريق على الدعوات التي تتحدث عن ضرورة توسيع دائرة الدول المشاركة في الاتفاق النووي الصادرة عن واشنطن والعاصمة الفرنسية باريس لتشمل على الاقل السعودية. رفض هذه المبادرة وعدم الضغط على حلفائها اليمنيين للتعامل الايجابي مع هذه المبادرة التي تستدعي فتح مسار المفاوضات للحل السلمي، يعني انها ستكون في مواجهة اتهام مباشر وواضح بدعم الحرب والتمسك بسياسة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى خصوصا دول الجوار العربي. اما في حال دفعت باتجاه استغلال هذه الفرصة وتعزيز المسار التفاوضي، فستكون مع حليفها الحوثي امام تحدي تقديم تنازلات قد تكون مؤلمة لانجاح عملية الحل السياسي، خاصة وان المجتمع الدولي والجوار العربي لليمن لم يبلغ بعد وقد لا يبلغ مرحلة الاعتراف بالواقع االذي يسعى الحوثي لتكريسه في الحياة السياسية اليمنية.
ومن المتوقع في هذا السياق، ان تتمسك جماعة الحوثي برفض المبدأ الذي تعتبره الرياض والكثير من الدول المعنية بالمتغير اليمني المدخل الرئيس لاي حل في هذا البلد والمتمثل بقرارات مجلس الامن ومخرجات الحوار اليمني، والذي ترى هذه الجماعة انه يشكل عودة الى المربع الاول لبدء الازمة والحرب التي اشتعلت بعد اعلان الاتفاق الذي قسم اليمن الى ستة اقاليم ودفعت هذه الجماعة للانقلاب عليه والسيطرة على السلطة وانتهت باعلان التحالف العربي الحرب في آذار 2015.
ايران وحليفها الحوثي سارعا الى عملية ربط النزاع مع السعودية لقطع الطريق على تداعيات الموقف الامريكي الجديد، واعتبرا ان اي ترجمة عملية له لا بد ان تقترن باعلان سعودي واضح من مسألة استمرار الحرب، خصوصا وان الرياض قادرة على الالتفاف على قرار وقف التسليح، فضلا عن مسألة اخرى تشكل شرطا اساسيا قبل الانتقال الى التفاوض او الحوار حول عملية الحل السياسي وتتمثل بمسألة رفع الحصار وفتح الحدود الذي تفرضه السعودية والدول المتحالفة معها على الشمال اليمني الذي تسيطر عليه جماعة الحوثي. ما يعني ان طهران ومعها جماعة الحوثي لن تكون على استعداد لاتخاذ اي خطوة ايجابية باتجاه الرياض ما لم تعمد الاخيرة للالتزام بهذه الشروط في المرحلة الاولى، قبل الانتقال الى الشروط السياسية التي شكلت عائقا امام اي تقدم على مسار الحل السلمي والتي تقوم على اخراج مسألة قرارات مجلس الامن ومخرجات الحوار اليمني الذي رعته الرياض بين عامي 2013 و2014 كشرط سعودي لاي حل، بالاضافة الى التفاهم حول آليات المشاركة في القرار السياسي والدور الذي ستلعبه هذه الجماعة (الحوثيين) في الحياة السياسية اليمنية وحجم الحصة التي ستحصل عليها في الدولة ومؤسساتها الادارية والعسكرية والامنية.
وقد لا يكون، في المقابل، من السهل على القيادة السعودية الانتقال الى اشتراطات الحل السياسي في حال لم تحصل على ضمانات اساسية وواضحة لجهة الحد من مخاوفها وقلقها من الدور الايراني على حدودها اليمنية والتهديد الذي تشكله الجماعات المتحالفة مع طهران على امن واستقرار هذه الحدود، خصوصا وانها تحولت الى منصة استطاع النظام الايراني عبرها توجيه رسائله الامنية ضد السعودية وحوّل المناطق الحدودية الى ترسانة اسلحة قادرة على تهديد استقرار الداخل السعودي ومصالحه الاقتصادية. وهي تهديدات تضاف الى التحديات الناتجة عن النفوذ الايراني في مناطق عربية اخرى تسعى بشكل واضح لاخراج السعودية منها وضرب اي دور لها.
من هنا يأتي الترحيب السعودي الواضح بالضمانات والتعهدات التي قدمها الرئيس الامريكي بالتزام الدفاع عن امن واستقرار السعودية ضد اي اعتداء قد تتعرض له، وهي ضمانات قد تشكل مدخلا يشجع الرياض للاستجابة الى الشق الاول من موقف بايدن حول ضرورة وضع حد للحرب في هذا البلد.
واذا ما كانت الخطوة الامريكية قد عززها الترحيب السعودي، فان الخوف من ان تذهب طهران ومعها الحليف الحوثي الى مزيد من التشدد والتمسك بشروطهما، خاصة اذا شعر النظام الايراني بان الهدف الامريكي من هذه المبادرة وهذه الخطوة هو اخراج الورقة اليمنية من اليد الايرانية وحرمانها من احدى ادوات الضغط التي من المفترض ان توظفها على طاولة التفاوض لتحسين موقفها في مواجهة ما يمكن ان يطرح من دور سعودي في مسار التفاوض حول الاتفاق النووي.