كريتر نت – العرب
مع تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم وتنامي عزلة تركيا دوليا بسبب أجنداتها التوسعية ومطامع الهيمنة، لجأ الرئيس رجب طيب أردوغان كعادته إلى الخوض في المقدسات والنزعات الدينية علّه يتدارك بعض ما فاته.
وعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تدوير سجال الإسلاموفوبيا، في وقت تزايدت فيه عزلته الدولية وتآكلت فيه شعبية حزبه العدالة والتنمية داخليا.
وقال أردوغان السبت خلال برنامج استقبال لوفد من اتحاد الديمقراطيين الدوليين بإسطنبول، إن العالم الغربي مستمر في عدم اتخاذ التدابير لمواجهة “التهديد المتنامي في معاداة الإسلام”.
ولفت إلى أن “المسلمين يتعرضون لضغوط عبر مشاريع مثل الإسلام الأوروبي والفرنسي والنمساوي”. وأوضح أن هذه المشاريع التي يتم إعدادها تحت غطاء محاربة التطرف تهدف “إلى قطع روابط المسلمين الأوروبيين مع وأوطانهم الأم وأمتهم الإسلامية”.
ويعمل الرئيس التركي على التوظيف السياسي لما يسميه بظاهرة معاداة الإسلام في الغرب، لأهداف سياسية داخلية وأخرى متعلقة بأجنداته الخارجية.
وتستهدف إعادة تدوير أردوغان لسجال الإسلاموفوبيا في الداخل الخزان الانتخابي لحزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم الآخذ في التأكل، وذلك من خلال تقديم نفسه كراع للإسلام والمسلمين في العالم، في حين أنّ ذلك لا يعدو كونه حلقة في سلسلة استخدامه الدين لغايات سياسيّة مبيّتة بحسب مراقبين.
وتواصل حكومة أردوغان اتّخاذ الإسلاموفوبيا أداة من أجل حشد الجموع من حولها في الاستحقاقات الانتخابية، بحيث تكون تغذية مشاعر الكراهية ضدّ الآخرين بزعم معاداة الإسلاموفوبيا، لعبة تكشف عن مدى الاستغلال الذي تمارسه من أجل تمرير مصالحها والوصول إلى غاياتها، بغضّ النظر عمّا تثيره من حساسيات، وما تتسبّب به من شروخ وانقسامات في المجتمعات.
رجب طيب أردوغان: مشاريع الإسلام الأوروبي تهدف إلى قطع روابط المسلمين بأمتهم
وحاول أردوغان استغلال مجزرة نيوزيلندا في حملته الانتخابية للانتخابات البلدية التي أجريت في تركيا في 31 مارس 2019، وخسر فيها حزبه السيطرة على المدن الكبرى، إسطنبول وأنقرة وإزمير وغيرها من المدن. واتّهم بتأجيج مشاعر الكراهية من خلال عرض فيديو المجزرة بضع مرات في تجمعاته الانتخابية، ما أثار استنكار الحكومة النيوزيلندية التي طالبته بالكفّ عن ذلك.
وأظهر استطلاعان للرأي أخيرا أن تحالف الأمة التركي المعارض يتقدم على التحالف الحاكم لأردوغان بأكثر من 8 في المئة.
ووجدت استطلاعات الرأي في شركة متروبول ومقرها أنقرة، أنّ أصوات تحالف الأمة ارتفعت إلى 48.3 في المئة، بينما بلغت أصوات تحالف الشعب، الذي يتألف أساسا من حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه اليميني المتطرف حزب الحركة القومية نسبة 39.6 في المئة.
ومن المقرر إجراء الانتخابات العامة القادمة في تركيا عام 2023، لكنّ العديد من المؤشرات برزت حول احتمال إجراء انتخابات مبكرة، منها الاقتصاد المُتعثر في البلاد، وتشكيل أحزاب منافسة جديدة من قبل شخصيات بارزة، فضلا عن دعوات التحالف الحاكم لإدخال تغييرات على قوانين الانتخابات تضع قيودا كبيرة على أحزاب المُعارضة وإمكانية تمثيلها في البرلمان القادم.
وأما خارجيا، يقول مراقبون إن أردوغان ساهم خلال السنوات الأخيرة عبر سياساته التحريضية في تفاقم ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب بدل تطويقها، حيث كرّر أكثر من مرة أنّ “الوقت قد حان لقول كفى للإسلاموفوبيا، ومعاداة الأجانب، المتصاعدة بتأثير من المنصات الرقمية ووسائل الإعلام”.
ويشير هؤلاء إلى أن أردوغان يستثمر في الإسلاموفوبيا، ويوظّف الأمر لخدمته الشخصية، ويجتهد لتوظيف المواقف التي يرفع فيها شعار “مكافحة الإسلاموفوبيا” ويحاول تطويعه سياسيا لمصالحه، بحيث يكون المراد منه محاربة مَن ينتقد سياسات حكومته، أو يتعرّض لها بقول أو فعل، ويقوم بتحويله إلى أداة للردّ على الخصوم.
إعادة تدوير أردوغان لسجال الإسلاموفوبيا في الداخل تستهدف الخزان الانتخابي لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، من خلال تقديم نفسه كراع للإسلام والمسلمين في العالم
والعام الماضي أجّج أردوغان النزاع مع فرنسا في خضمّ توتر دبلوماسي مرتبط خصوصا بخلافات حول سوريا وليبيا وشرق المتوسط، عندما دعا إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية متهما نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنه لديه “رهاب الإسلام” بسبب دفاعه عن حق نشر رسوم كاريكاتورية تُظهر النبي محمد. واتّهم ماكرون بقيادة “حملة كراهية” ضد الإسلام وشكّك في “صحته العقلية”.
وتساهم مزاعم تركيا بمحاربة ظاهرة الإسلاموفوبيا في زيادة التحريض على الجاليات المسلمة في الغرب بطريقة غير مباشرة، ما يدفع بعض أبناء تلك الجاليات إلى التقوقع والانعزال على أنفسهم والابتعاد عن محيطهم الأوروبيّ ويخلق حالة من الاغتراب لديهم، بحيث يتم تصويرهم وكأنّهم أتباع لأردوغان وسياساته الإسلاموية.
ودعم أنقرة لتيارات الإسلام السياسي جعل الفكر الديني المتطرف ينفذ إلى شباب الجاليات المسلمة في أوروبا، فخيروا الانعزال عن المجتمعات الأوروبية الحاضنة ورفضوا الاندماج، وهو ما دفع إلى خلق حاجز بين الشباب المسلمين وبقية المجتمعات.
وأدت الهجمات الإرهابية التي يقوم بها شباب مسلمون استقطبوا من التيارات الجهادية بعد تغلغل الفكر المتطرف داخل عقولهم، إلى صعود اليمين المتطرف الذي رفع شعار معاداة الأجانب وخاصة المسلمين.
وظاهرة الإسلاموفوبيا، وإن أصبحت مقلقة مع تزايد الهجمات ضد المسلمين في الغرب، إلا أنّ محللين يرون أن أنقرة تستغل تنامي هذه الظاهرة في إطار سياستها مع أوروبا والتي عرفت توترا رغم محاولات التقارب الأخيرة.