كريتر نت – العرب
رد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بطريقته على حملة استهداف واضحة من مسؤولين أميركيين في الإدارة الجديدة وإعلام غربي يتحرك بدوافع مختلفة، خصوصا في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان.
وأعلن الأمير محمد بن سلمان مساء الاثنين خططا لإقرار مجموعة من مشاريع القوانين الجديدة التي تهدف إلى تعزيز كفاءة ونزاهة النظام القضائي في المملكة، في خطوة من شأنها أن تؤدي إلى نظام قانوني مدون بالكامل.
ودشن ولي العهد السعودي خلال السنوات الماضية سلسلة إصلاحات اجتماعية واقتصادية تهدف إلى تحديث المملكة وتجديد عناصر قوتها في مسعاها لتثبيت نفسها كقوة إقليمية رئيسية في الشرق الأوسط.
وكان لافتا أن الإصلاحات القانونية الجديدة التي أعلن عنها ولي العهد السعودي غير جاهزة، ومع ذلك فقد أعلن عن تفاصيلها في خطوة تهدف إلى تأكيد أن المملكة عازمة على إجراء تغييرات نوعية على قوانينها بما يتماشى مع القوانين الدولية، وذلك في محاولة لامتصاص الحملة المكثفة التي بدأت ضد بلاده إثر استلام الرئيس الأميركي جو بايدن السلطة وتستهدفه هو بشكل مباشر.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن الأمير محمد بن سلمان قوله إنه يجري وضع اللمسات النهائية على مشاريع القوانين الجديدة، وهي مشروع نظام الأحوال الشخصية ومشروع نظام المعاملات المدنية ومشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية ومشروع نظام الإثبات، ثم ستطرح على الحكومة والهيئات المعنية بالإضافة إلى مجلس الشورى قبل الموافقة النهائية عليها.
وأضاف ولي العهد السعودي أن القوانين الجديدة “ستمثل موجة جديدة من الإصلاحات التي ستُسهم في إمكانية التنبؤ بالأحكام ورفع مستوى النزاهة وكفاءة أداء الأجهزة العدلية وزيادة موثوقية الإجراءات وآليات الرقابة، كونها ركيزة أساسية لتحقيق مبادئ العدالة التي تفرض وضوح حدود المسؤولية، واستقرار المرجعية النظامية بما يحدّ من الفردية في إصدار الأحكام”.
واعتبر متابعون للشأن الخليجي أن هذه الإصلاحات مهمة وضرورية، لكن الأهم هو توقيتها، حيث أظهرت السعودية قدرة على مجابهة الحملة في وقتها وردت بشكل عملي، ووفق برنامج إصلاحي تفصيلي في أحد أكثر المجالات إثارة للجدل، وهو الجانب القانوني بسبب ارتباط المدونة السعودية بالجانب الديني وفتاوى ينظر إليها في الغرب على أنها متشددة.
تصريحات ولي العهد تذكير بأن السعودية ليست بوارد الانكفاء أمام هذا النوع من الضغوط
وأشار هؤلاء المتابعون إلى أن سرعة الرد كانت لافتة هذه المرة، خاصة أن السعودية لم تلجأ إلى الصمت ولم تكتف ببيان متأخر لتبرئة النفس، وإنما واجهت الحقيقة بإظهار قدرتها على المناورة والدفاع عن النفس وتبريد الحملة التي توظف ورقة حقوق الإنسان بخطوات عملية.
وقال مراقب سعودي استطلعت “العرب” رأيه “الهدف هو حملة تخويف وإساءة غايتها دفع القيادة السعودية إلى الانزواء وأن تكون في وضعية الدفاع فقط. وقد استخدموا موضوع مقتل الصحافي جمال خاشقجي وقضايا حقوق الإنسان. الرد كان سريعا”.
وأضاف شرط عدم ذكر اسمه “عاد الأمير محمد إلى الظهور المكثف مؤخرا ويستعيد إيقاعا إعلاميا بدأه مطلع توليه المنصب. لكن تصريحات الأمس تذكير بأن السعودية ليست بوارد الانكفاء أمام هذا النوع من الضغوط”.
وقال مسؤول سعودي لرويترز إن وضع قواعد واضحة لأربعة قوانين رئيسية وأساسية من خلال تطبيق أفضل الممارسات والمعايير الدولية يعني أن المملكة “تتجه بالتأكيد نحو تدوين النظام القانوني بالكامل” لتلبية احتياجات العالم الحديث مع الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية.
وأضاف “في حين يوجد قضاء لائق ومستقل، يتمثل الانتقاد الرئيسي في أنه غير متسق وللقضاة سلطة تقديرية كبيرة في العديد من هذه القضايا، مما يؤدي إلى عدم الاتساق وعدم القدرة على التنبؤ”.
وأدى عدم وجود قوانين مكتوبة للبت في بعض القضايا على مدى عقود إلى تناقض في أحكام المحاكم والمحاكمات الطويلة، مما أضر بالعديد من السعوديين ومعظمهم من النساء.
وواجهت الرياض، على سبيل المثال، انتقادات دولية لفترة طويلة بشأن نظام ولي الأمر وجرى إصلاح هذا النظام في أغسطس 2019.
تجديد عناصر قوة المملكة
وقال الأمير محمد “كان ذلك مؤلما للعديد من الأفراد والأسر، لاسيما للمرأة، ومكّن البعض من التنصل من مسؤولياته، الأمر الذي لن يتكرر في حال إقرار هذه الأنظمة وفق الإجراءات النظامية”.
وذكر الأمير محمد أن القوانين الجديدة سيتم الإعلان عنها تباعا في عام 2021.
ومن الواضح أن السعودية قد جهزت نفسها لمواجهة المرحلة الجديدة التي بدت معالمها واضحة منذ حملة بايدن الانتخابية وتصريحات المحيطين به، وكثفت الإصلاحات ذات البعد القانوني بهدف تبديد الصورة القديمة التي تنظر إلى قوانينها على أنها قوانين تتناقض مع مدونة حقوق الإنسان الدولية.
ومن ضمن الإجراءات الإصلاحية وقف إعدام من ارتكبوا جرائم موجبة للإعدام حين كانوا قصّرا، وتعليق أحكام الإعدام عن الجرائم المتعلقة بالمخدرات، وكذلك إلغاء الجلد كشكل من أشكال العقاب واستبداله بالسجن أو الغرامة أو كليهما.
وسجلت السعودية بفعل هذه الإجراءات انخفاضا كبيرا في عدد أحكام الإعدام الصادرة في عام 2020.
وأعلنت هيئة حقوق الإنسان السعودية أن المملكة سجلت 27 حكما بالإعدام في عام 2020، أي بنسبة انخفاض قدرها 85 في المئة عن العام الذي سبقه.