كريتر نت – العرب
يتحرك راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة على أكثر من واجهة لمنع الرئيس التونسي قيس سعيد من دفع رئيس الحكومة هشام المشيشي إلى الاستقالة واستعادة رئاسة الجمهورية مهمة تكليف رئيس حكومة جديد، خاصة أن ما يجري الآن من مناورات قد ينتهي خلال أيام قليلة إلى هزيمة مدوية للغنوشي وحلفائه في قلب تونس وائتلاف الكرامة.
يأتي هذا في الوقت الذي يستمر فيه التصعيد بين قيس سعيد والمشيشي بشأن التعديل الوزاري وسط شروط وشروط مضادة للخروج من الأزمة.
وقالت مصادر مقربة من حركة النهضة إن الغنوشي يشعر بقلق بالغ بسبب تمسك الرئيس سعيد برفض التعديل الوزاري، وهو موقف لم تكن حركة النهضة تتوقعه خاصة أنه يمكن أن يخلط الأوراق ويقود إلى تكوين حزام سياسي جديد حول قيس سعيد ويسمح له بتشكيل حكومة جديدة تستثني الإسلاميين (النهضة وحليفها الشعبوي ائتلاف الكرامة).
وأشارت هذه المصادر إلى أن حركة النهضة خسرت في صراعها مع قيس سعيد حلفاءها التقليديين، خاصة التيار الديمقراطي وحركة الشعب. كما خسرت ما يعرف بأنصار الثورة في ضوء فشلها خلال عشر سنوات من المشاركة في الحكم وقيادته في تحقيق أي مكاسب لهذا الجمهور، وقد صارت معزولة سياسيا وشعبيا.
وباتت أيام الغنوشي على رأس البرلمان معدودة بعد نجاح خصومه في جمع توقيع 76 نائبا برلمانيا ما يسمح بتخصيص جلسة لسحب الثقة منه، وهناك تسريبات عن دعم نواب من النهضة (عريضة المئة) ومن قلب تونس (حليف النهضة) لإقالة الغنوشي وتعويضه بشخصية متوافق عليها قد تكون سميرة الشواشي النائب الحالي لرئيس البرلمان.
سميرة الشواشي مرشحة لرئاسة البرلمان التونسي عند سحب الثقة من الغنوشي
وزادت الضغوط على الغنوشي بعد أن طالبه نواب من حزب قلب تونس بالتدخل لإطلاق حليفه نبيل القروي من السجن أو أن الحزب سيضطر إلى فك التحالف وقد يمضي في خيار سحب الثقة منه من البرلمان. كما تحرك مجددا ملف الجهاز السري لحركة النهضة وسط تسريبات تفيد بأن الغنوشي قد تم سماعه من القضاء ”بوصفه أوّل المُشتكى بهم” وفق قول المحامية إيمان قزارة في تصريحات لقناة 9 المحلية.
ولجأ رئيس حركة النهضة كعادته إلى الإعلام الخارجي للتعبير عن مواقفه من الأزمة السياسية الحادة التي تهدد وجوده على رأس البرلمان كما تهدد بإخراج حركة النهضة من السلطة وتفكيك نفوذها داخل مؤسسات الدولة.
وقال الغنوشي في حوار مع موقع “الجزيرة نت” إن “الدستور لا يعطي رئيس الجمهورية الحق في رفض وزراء حصلوا على ثقة البرلمان، كما أن استقالة الحكومة أمر مستبعد”. لكنه ترك الباب مواربا بشأن إجراء حوار قد يفضي إلى إنهاء الخلافات.
ويعتقد مراقبون أن لجوء الغنوشي إلى الإعلام الخارجي الحليف دليل على وجود مخاوف جدية لدى داعمي حركة النهضة الإقليميين من الوضعية الصعبة التي تعيشها الحركة ورئيسها، وظهور تيار سياسي وشعبي واسع ضد سيطرتها على السلطة في آخر قلاع حكم الإسلاميين من الدول التي شهدت موجة “الربيع العربي” قبل عشر سنوات.
وظهرت هذه المخاوف من خلال حوار أجراه الكاتب الفلسطيني المقيم في قطر عزمي بشارة مع تلفزيون “العربي” خصص جزءا كبيرا منه لتجربة تونس. واللافت في كلامه قوله “نحن الآن أمام نظام ديمقراطي في خطر”، ما يؤشر على أن حلفاء الإسلاميين غير مرتاحين لاستمرار الحكم بأيدي حركة النهضة، وهو النموذج الذي يروجون له للتدليل على نجاح “الربيع العربي” و”الإسلام الديمقراطي”.
ولم تستبعد مصادر سياسية تونسية تحدثت لـ “العرب” أن يضغط الغنوشي على رئيس الحكومة لدفعه إلى القبول بشرط سحب الوزراء مثار الخلاف مع رئاسة الجمهورية، على أمل أن تتوقف ضغوط قيس سعيد عند هذه النقطة. وهي المبادرة التي عرضها سمير ديلو في شكل اقتراح شخصي الخميس، حيث اقترح أن يعلن الوزراء المعنيون بشبهات فساد انسحابهم من الحكومة.
وقال ديلو في تفسيره للحل الذي يقترحه ”تكون المبادرة من الوزراء المعنيين بأن يؤكدوا أن الشبهات التي تتعلق بهم واهية ولا صحة لها، في حين يعلنون انسحابهم لسببين: رفع الحرج عن رئيس الحكومة والتفرغ للدفاع عن شرفهم وذمتهم”.
وأشارت المصادر إلى أن هشام المشيشي الذي يرفض الاستقالة قد يبادر إلى الإعلان عن حكومة مصغرة على أن يوظف الوزراء مثار شكوك الرئيس سعيد كمستشارين لدى رئيس الحكومة مكلفين بالملفات التي ترشحوا لها دون أن يحملوا صفة وزراء، وبهذا لا يحتاج إلى الذهاب إلى قصر قرطاج لعرض وزرائه على أداء اليمين أمام قيس سعيد.
وقالت تقارير إن المشيشي بعث رسالة جديدة الخميس إلى قيس سعيد يطلب فيها مده بأسماء الوزراء مثار الشبهة.
وانتقد الرئيس سعيد مساء الأربعاء محاولة البحث عما وصفه بـ”مخرج قانوني مستحيل” لأزمة “اليمين الدستورية”.
جاء ذلك في بيان للرئاسة عقب لقاء سعيد في قصر قرطاج الرئاسي مع أعضاء بمجلس نواب الشعب (البرلمان)، بحث أسباب أزمة التعديل الوزاري الأخير وعدم دعوة الرئيسِ الوزراءَ الجدد إلى أداء اليمين
وضم اللقاء النواب سامية عبو ومحمد عمار وهشام العجبوني عن التيار الديمقراطي، وزهير المغزاوي وهيكل المكي عن حركة الشعب، وحاتم المليكي (مستقل)، وسمير ديلو ونوفل الجمالي عن حركة النهضة، ومروان فلفال ومصطفى بن أحمد عن حزب تحيا تونس.
وجدد سعيد القول إن “التّعديل الوزاري تشوبه خروقات عديدة”، وإنه “حريص على تطبيق الدستور”.
وتابع “إننا في وطن حر، وحل الأزمة القائمة يكون باحترام النص الدستوري لا بالتأويلات أو الفتاوى، التي في ظاهرها حق وفي باطنها تجاوز للدستور، ولا بالبحث عن مخرج قانوني مستحيل”، مشددا على أن “كرسي الرئاسة ليس شاغرا ولا ألعب دورا رمزيا كما يدعي البعض”، في إشارة إلى الغنوشي.
وكان المشيشي قد اجتمع مع عدد من أساتذة القانون الدستوري للاستئناس بآرائهم لتجاوز أزمة اليمين الدستورية التي تسببت في تعطّل مصالح الدولة، وفق بيان لرئاسة الحكومة.