كريتر نت – قنوات
بثت قناة السعيدة الأسبوع الماضي لقاء خاص وحصري مع المبعوث ألأممي إلى اليمن مارتن غريفيث.
وناقشه خلال اللقاء الإعلامي عبدالسلام الشريحي مستعرضا معه مختلف القضايا الهامة ومعظم التساؤلات التي تخص عمليه السلام في اليمن.
النص الكامل للمقابلة:-
السعيدة: مشاهدينا الكرام اسعد الله اوقاتكم بكل خير واهلا بكم إلى هذا اللقاء الخاص مع المبعوث الأممي لليمن السيد مارتن غريفيث وهو لقاء استثنائي لانه عبر الفيديو للأسف لم نتمكن من اللقاء بسبب التعقيدات التي لا تخفى على الجميع وفي البداية انا أرحّب بالسيد مارتن غريفيث ، مرحبا سيد مارتن.
قبل أن نبدأ اللقاء، شكرا جزيلا لك باسمي وباسم قناة السعيدة لانك خصصت السعيدة بهذا اللقاء الأول لك على وسيلة إعلامية وهو واحد من لقاءات قلائل، انت لا تتحدث كثيرا إلى الإعلام لكن أنت تتحرك كثيرا، شكرا جزيلا لك
مارتن: إنني ممتنّ أيضاً لكم ولقناة السعيدة على هذه الفرصة لكي أتحدث إلى شعب اليمن من خلالكم، هذا يشرفني ويسعدني فشكراً لك.
السعيدة: السيد مارتن. لنبدأ مباشرة، انت الرجل المتفائل كثيراً. هل الشخص المتفائل كثيرا هو متفائل بقرب تسوية سياسية خاصة في العام 2021 ؟
مارتن: حسناً سوف أجيب على سؤالك بخصوص التفاؤل لأنه مهم جداً، لكن قبل ذلك أودّ أن أتناول باختصار قضيتين أساسيتين أعتقد أنهما مهمتان في تحديد تفاؤلنا.
القضية الأولى تتعلق بالهجوم الذي وقع على مطار عدن في الثلاثين من شهر كانون الأول/ديسمبر
وكما تعلم فقد توجهت إلى عدن بعد أيام من الهجوم وأجريت عدة لقاءات هناك مع الحكومة اليمنية ومحافظ عدن، وأودّ الإشارة إلى أنَّني قلت علناً إنَّ الأمم المتحدة لم تستطع بعد، تحديد الجهة المسؤولة عن هذا الهجوم.
ولدينا خبراء في عدن الآن ينظرون في ذلك وأنا على يقين من أنَّهم سوف يتوصّلون إلى نتيجة.
من المهم أيضاً التأكيد على أنَّني أعتقد بأنَّ أي هجوم مثل هذا يهدد حياة واحد من الأطراف، وفي هذه الحالة استهدف الحكومة اليمنية التي تشكلت حديثاً وهي حكومة وحدة تشكلت بعد جهود صعبة، ذلك الهجوم يمثل طبعاً واقعة سيئة لليمن ولذلك السبب كنت واضحاً كل الوضوح في الإسراع إلى التوجه إلى عدن ولأؤكد أيضاً أنَّ ذلك الهجوم ما كان ينبغي أن يحدث.
فأياً كانت دوافع الجهة التي تقف وراءه، فإن هذا التهديد للحكومة اليمنية هو أمر سيئ لأفق السلام في اليمن. ومن هنا أودّ أن أوضِّح منذ البداية أننا ندين الاعتداء بشدة.
أمّا الأمر الثاني الذي أودّ الإشارة إليه، فيرتبط بتصنيف الولايات المتحدة الأمريكية لأنصار الله، منظمة أجنبية إرهابية، الذي نتج عنه نقاش كبير. ومجدّداً أضم صوتي إلى صوت الأمين العام للأمم المتحدة وغيره للتأكيد على أن قلقنا من هذا التصنيف لا يتعلّق بكون أنصار الله فعلت هذا او ذاك، بل إنَّ قلقنا بسيط جداً وهو يتعلّق بصلب ما آمل أن نتحدّث عنه اليوم: وهو حاجات الشعب اليمني.
نحن نقلق كثيراً بل لا نرى سبباً يحول دون أن نقلق إزاء تأثير هذا التصنيف على الواردات التجارية إلى اليمن.
نحن نعلم أن أحد عشر مليون شخص في اليمن يعتمدون على المواد المستوردة من غذاء وسلع تجارية أخرى للبقاء على قيد الحياة، والآن في وقت تلوح المجاعة في الأفق، نحن نعتبر أن الوقت ليس مناسباً لعرقلة البرنامج الإنساني أو وقفه أو جعله أكثر صعوبةً.
أودّ أن يكون كلامي واضحأً بشأن التصنيف، ليست القضية متعلقة بمن فعل هذا أو ذاك، إنها قضية إنسانية ولدينا قلق كبير وعبَّرنا عن ذلك علناً كما تعلم إذ قلنا إنَّ التصنيف قد يضع العراقيل أمام قدرة الشعب اليمني على البقاء على قيد الحياة.
هذه وجهة نظرنا القوية، وقلنا بوضوح إنَّنا نأمل إعادة النظر في قرار التصنيف، وكما تعلم الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على مراجعة القرار الذي اتخذته الإدارة السابقة.
الآن أنتقل للحديث عن قضية التفاؤل بعد تناول حادثتين مثيرتين للتشاؤم.
من واقع خبرتي في كثير من النزاعات في العالم، انا مقتنع أنّ غياب الأمل في الخروج من الأزمة وإنهائها يدفع الناس الى التوقّف عن السعي لحلّ النِّزاع.
فمن الضروري أن يقوم الوسيط الذي هو أنا، ببثّ الأمل في الناس وأن يقول للطرفين أيضاً أنهما إن أرادا إنهاء النزاع فعليهما القيام ببعض الإجراءات المعينة وتقديم بعض التنازلات واتخاذ بعض القرارات فإنهما قادران على إنهاء هذا النزاع لإعادة اليمن إلى المسار الذي نريده جميعاً، ليكون بلد الحقوق المدنية والاقتصاد المزدهر كما كان قبل النزاع.
إذاً الأمل بالنسبة لي مكوّن أساسي لدفع العملية نحو الأمام وصولاً إلى حلّ النزاع.
وأعلم أن هناك مشكلة أحياناً فصحيح أنَّه يمكن إساءة فهم الأمل أحياناً والقول أنه لا يؤدي الى شيء، وأثرتُ احياناً أموراً كنت اريدها أن تحدث ولكنها لم تحدث.
وصحيح أنَّ الناس يقولون لي لقد وعدت بحدوث أشياء معينة لكنها لم تحدث بعد ـ لكنني أقول إنّنا بحاجة جميعاً إلى الأمل دون انفصام عن الواقع. نحتاج إلى الواقعية والامل في آنٍ واحد.
فإن لم نفعل، لن نتمكن من إحراز التقدّم.
السعيدة: بما يتعلق بالأمل احيانا يعني الأمل المفرط يصيب الناس بعد ذلك باليأس اذا ما تحققت بعض هذه النقاط، العام الماضي على وجه التحديد وخاصة مع نهاية العام المنصرم 2020، كان هناك امل مفرط احيانا بانه ستلتقي الأطراف قريبا سيكون هناك حل إلى غير ذلك من الأمور ولم تتحقق أو لم يتحقق شيء من ذلك
مارتن: نعم بشأن الإحباط أتفق معك تماماً، واعلم أنني أنا أيضاً اشعر بالإحباط.
لكن الأهم من أن اشعر أنا وأنت بالإحباط، هو أن الشعب اليمني له كلّ الحق في الوصول إلى حالة الإحباط تلك، لا بل له الحق بأن يكون غاضباً بسبب عدم تحقّق تلك الآمال.
وإنني متفهم بالكامل لحالات الانتقاد التي توجّه لي فهم يقولون أنت المبعوث الخاص للأمم المتحدة قلت سوف نحلّ المشكلة أنت قلت سيكون هناك وقف لإطلاق النار ولم يحدث شيء من ذلك فما الذي تفعله؟ أفهم ذلك تماماً.
في نهاية العام الماضي، ودعني أكون صريحاً معك، كنت في حالة من الإحباط وتحدثت في احاطاتي الشهرية أمام مجلس الأمن عن أنني لم أكن متأكداً من أن ذلك سينجح. لدينا مقترح لوقف إطلاق النار وفتح الموانئ والمطارات والطرق ودخلنا في مفاوضات مع الطرفين منذ أحد عشر شهراً بدأت أفكر في أنَّ أحد الطرفين أو كلاهما في وقت ما لن يوافقا عليه. لكنني لم أفقد الأمل ولم افقد الطاقة للسعي وراء ذلك. نعم أتفهم الإحباط ، لكن لعلي أقول إنَّ الإحباط أيضاً له جانب جيد ذلك أنَّه يحق للناس الشعور بالإحباط من الطرفين اللذين يفترض فيهما الاتفاق على أمور معينة فيما بينهما، ومن الأمم المتحدة التي تقوم بدورها في مساعدة الطرفين على الاتفاق.
أعتقد أنَّه يمكن تفهّم شعور الإحباط والغضب تماماً. اتفهّم ذلك. أنا لدي أطفال وأعرف ما يعنيه غياب أي أفق مباشر للسماح للأطفال بالذهاب إلى المدرسة. نعم أفهم ذلك الإحباط وما يعنيه.
السعيدة: سيد مارتن بما يتعلق بالإحباط، ذهب باليمنيين إلى ما هو أبعد من الإحباط، وهو الشعور بعدم الثقة بالمنظمة الأممية وأحيانا حتى بشخص المبعوث الأممي.
هل هناك من خطط لإعادة الثقة للشعب اليمني بالأمم المتحدة، بالمبعوث الأممي، خاصة انه نحن في اليمن أو اليمنيون بشكل عام علقوا الكثير من الآمال عليكم مع تفويضكم ومنحكم الكثير من الصلاحيات غير الصلاحيات التي كانت مع المبعوثين السابقين قبلك.
مارتن: يمكنني الإجابة على هذا السؤال بالحديث قليلاً عن دوري كوسيط وفق ما أراه لأنَّ الناس غالباً ما يواجهون مشكلة في فهم دوري.
أنا وسيط، ويعني ذلك أنه ليس لدي قوى عسكرية وليس من سلطتي فرض الحلول.
أنا هنا لأساعد الطرفين: الحكومة اليمنية وأنصار الله للتوصّل إلى اتفاق فيما بينهما ويعود لهما قرار الاتفاق ام لا وليس لي.
وأعلم أنَّ الناس غالباً ما يقولون أنّ عليّ ارغامهما على الاتفاق لكنني وسيط والوسيط ليست لديه قوة عسكرية.
مهمة الوسيط محددة وهي إعطاء الطرفين فرصة للقيام بما هو صائب فإذا اختارا ألّا يفعلا ذلك يكونان في موقع المساءلة.
هذه هي الحقيقة.
يمكنك أن تلومني إذا أردت، لكنني مجرد وسيط.
وأعلم أنّ هناك أشخاصاً من الطرفين لديهم مثلي ومثلك، الرغبة الأكيدة في إحلال السلام
وإنهاء هذا النزاع لأنهم طبعاً من اليمن. هناك أناس في الطرفين أيضاً ممن لا يريدون إبداء التنازلات ولا التوصّل إلى اتفاق. نستطيع أن نسميهم المعطِّلين
وهم فئة من الناس موجودة في كل النزاعات وهم أيضاً في اليمن.
أمّا مهمتي فهي الاستمرار في تسهيل الحوار والتشجيع عليه لايجاد ارضية مشتركة للتوصّل الى اتفاق.
السعيدة: سيد مارتن، نحن نعرف ماهو دورك وجميل انه توضحه للناس الذين لا يعرفون دورك، طبعا سنأتي على نقاط أخرى أيضا. انت محمّلون، او الناس ينتظرون منكم نتائج وهي خارجة عن إطار إختصاصكم مثلا تقرير لجنة الخبراء وقرارات لجنة العقوبات إلى غير ذلك. ولكن دعني اكون أكثر وضوحا، تتهم أحياناً بمحاباة أطراف معينة وسمعنا أكثر من مرة إدعاءات بأن المبعوث يقف مع هذا الطرف وبعد فترة المبعوث مع الطرف الأخر، حتى وصل الأمر للمطالبة باستقالة المبعوث.
مارتن: اني على علم بتلك المطالبات ولكني طبعاً أعمل بتكليف من الأمم المتحدة والأمين العام.
عندما يقول الناس إنني أحابي طرفاً على حساب طرف آخر فلعلّ مردَّ ذلك إلى أني أقوم بمهمتي لأنني أريد أن أفهم كلا الطرفين، لكن دعني أكون واضحاً: إنّ المقترحات التي قدمتها للأطراف ومنها على سبيل المثال تلك الواردة في الإعلان المشترك ليست من صنعي بل هي حصيلة المقترحات التي جاءت من خلال التفاوض مع كلّ طرف.
فلست أنا من يقول عليكم التوقيع على هذه المقترحات إنما هي مسألة مرهونة بالتفاوض بين الطرفين.
وما حصل هو أنَّه بسبب جائحة فيروس كورونا وما صاحبه من قيود على السفر، وجدت نفسي أنا والأمم المتحدة في موقع المفاوض أكثر من الوسيط لأنه كان علي أن أتنقل بين الطرفين.
وقلت للطرفين وما زلت أقول لهما إنه عليهما الجلوس معاً على طاولة واحدة والتفاوض فيما بينهما.
لا تتفاوضا معي. تفاوضا فيما بينكما.
أنا لست من اليمن انا هنا لمساعدتكما على اللقاء والتفاوض، كما يفعلان الآن في عمَّان فهما على طاولة واحدة يحاولان الاتفاق على إطلاق سراح مزيد من المحتجزين ليعودوا الى ذويهم.
السعيدة: سنأتي إلى نقطة الأسرى على وجه التحديد، لأنها قضية إنسانية، ولأنها أيضا ستعيد الثقة إذا ما نجحت مئة بالمئة لأنها واحدة من الحلول المجزأة. وهذا يقودني لسؤال آخر وهو شمولية الحل لدى الأمم المتحدة، هل لا تزالون متمسكون بشمولية الحل أو أن الحلول ممكن أن تكون حلول مجزأة إلى أن نصل إلى حل شامل؟
مارتن: يسرني انك طرحت هذا السؤال لأنَّ المهمة التي أوكلتني بها الأمم المتحدة في نطاق حل هذا النزاع تركّز على الحل السياسي وإنهاء النزاع وإحلال السلام.
وللأمم المتحدة قيم كما تعلم.
ونحن نرى ضرورة الوصول إلى اتفاق يأتي بحكومة خاضعة للمساءلة يمكنها أن تعيد للشعب اليمني حقوقه في العمل والتنقل والسفر وتربية أطفالهم والعيش بحرية وفق القانون والتمكّن من ممارسة حياتهم في ظل احترام المواطنة.
نحن نؤمن بهذه القيم ليس في اليمن فحسب بل في كلّ مكان.
ومهمتي تقضي بأن أتأكد من وجود هذه القيم في صلب أي اتفاق نهائي قد يتوصل إليه الطرفان.
من الواضح أنَّهما هما من سيقرران ما يتعلق بالاتفاق لكننا لن نكون طرفاً في أي تسوية سياسية لا تصون حقوق الشعب اليمني.
هذا هو الهدف الرئيسي الذي عملنا ونعمل من أجله ونبذل الجهود له وهو تحسين الظروف التي يعيش فيها الناس حتى خلال الحرب ولذلك نريد وقفاً لإطلاق النار ووقف القتال.
لهذا السبب نريد فتح موانئ الحديدة ونريد فتح مطار صنعاء ونريد فتح الطرق ودفع الرواتب، فيما نعمل على تمهيد الطريق أمام الطرفين للتوصّل إلى اتفاق وأتمنى أن يتفقا في أقرب وقت ممكن لبحث القضايا الحقيقية الهادفة الى استعادة حكومة خاضعة للمساءلة.
السعيدة: طبعا انت اجبت ضمنيا عن سؤال اخر وهو مصير الطرقات والمطارات على وجه التحديد، وقلت نتمنى وفعليا أنت لا تملك شيئا بيديك لتضغط عليهم. نعود لموضوع الأسرى، أو إتفاق تبادل الأسرى الذي على قدر ما أنجز منه مرحلة كبيرة لحد الآن لم تنجز الصفقة الكاملة كما كان الناس يتوقعون. هل هذا يمثل تحدياً آخر و إحباط آخر للناس أم أنك متفائل بإتمام هذه الصفقة؟
مارتن: عندما اتفق الطرفان على تشكيل هذه اللجنة التي تجتمع بمساعدتنا، للاتفاق على تبادل المحتجزين وإطلاق سراحهم، قالوا كما نتذكر جميعاً إنَّ ذلك سيكون على مبدأ “الكل مقابل الكل”.
كلا الطرفين قال ذلك. وبالطبع، من لا رغبة له في أن يحدث ذلك اليوم قبل الغد؟ نريد أن يلتمّ شمل العائلات.
ثم تبيّن لنا أنّ الطرفين عندما بدءا المفاوضات حول المحتجزين بدءا بالتفاوض على جميع الأسماء التي يرغب كل واحد منهما بإطلاق سراحهم.
ولو انتظرنا تحديد أسماء جميع المحتجزين لكنا سننتظر إلى أمد بعيد ولما استطعنا إطلاق سراح أحد ولما تمكّنا من اطلاق سراح أكثر من ألف محتجز نهاية العام الماضي.
لذلك اتفق الطرفان على تنفيذ العملية على مراحل. وهما يسعيان في عمَّان حالياً للاتفاق على إطلاق سراح ثلاثمئة محتجز أو أكثر تمهيداً للاتفاق على أعداد أخرى إضافية.
وأجد النقاش حول أسماء المحتجزين أمراً محبطاً. لماذا؟ لأنها بكل بساطة قضية إنسانية.
السعيدة: بما يتعلق بحل مجزأ آخر وهو إتفاق الحديدة، إتفاق الحديدة أيضا لم ينجز منذ نهاية العام 2018، لا نسمع سوى عن الخروقات، لا نسمع إلا عن الشكاوي، ولا نسمع إلا عن تبديل القائمين على اللجنة الأممية هناك
مارتن: تعلمت من اتفاق الحديدة درساً مهماً جداً يجيب على سؤالك العام الذي أتفهّمه: الاتفاقات الصغيرة النطاق لا تنهي الحرب ولا تبني السلام، فإذا حاولت أن تتوصّل الى وقف لإطلاق النار في مكان ما كما في الحُديدة، سوف تذهب القوى العسكرية إلى جبهة أخرى للقتال فيها وتعلّمنا هذا الدرس من الحُديدة.
وعندما ذهبت إلى مأرب في أوائل آذار/مارس الماضي وقابلت الناس هناك قالوا لي جميعاً إن أي وقف آخر لاطلاق النار يجب أن نحرص على أن يكون في أنحاء اليمن وليس في محافظة واحدة كما حدث في الحديدة لأن ذلك لن يحلّ المشكلة.
قالوا لي لا نريد وقفاً لإطلاق النار في مأرب فقط بل في اليمن كله.
وقد تعلّمنا هذا الدرس ومن هنا ندفع بالجهود نحو ذلك، منذ أن أطلق الأمين العام للأمم المتحدة نداءه بوقف إطلاق النار في كل العالم بسبب فيروس كورونا المستجد.
ونحن منذ ذلك الوقت ندفع بالجهود من أجل وقف إطلاق النار في كلّ أنحاء اليمن.
لكنني أريد أن أقول شيئاً آخر حول اتفاق الحديدة. صحيح أنّه لم يحقّق كل الطموحات لكنَّ الحقيقة أنَّ اتفاق الحديدة منع بالفعل وقوع خسائر كبيرة في الأرواح في المعركة حول المدينة وموانئها. وثانياً، لو استمرت المعركة على الحديدة لكان لها أثر كبير على إمدادات المواد الإنسانية إلى اليمن.
لقد كان اتفاق الحديدة اتفاقاً إنسانياً لحماية مدينة الحديدة والإمدادات الإنسانية وقد نجح الاتفاق من هذه الناحية، حتى لو أنه لم يفِ بجميع التطلّعات.
وللمناسبة، بخصوص أعداد المدنيين الذين قضوا في الحديدة، مع العلم أنَّ خسارة شخص واحد هي أمر غير مقبول، فقد انخفض العدد سبع مرات في عام 2020 مقارنة بالعام 2018. إلا أنَّ هناك الكثير من الخروقات.
ومع ذلك شهدت محافظة الحديدة وقتاً هادئاً نسبياً منذ الاتفاق، الذي لم يولّد ما كنا نتطلع إليه في البداية وأنا اقولها بصراحة وتعلّمنا الدرس من ذلك، لكنه على الأقل أنقذ خط الإمدادات الإنسانية.
السعيدة: سيد مارتن، اختلفت الخارطة السياسية في اليمن، الآن لاعبون آخرون أو لاعبون اكثر قوة من ذي قبل، بالتالي هل هذا سيسهل عليكم الدعوة لهم لأي مفاوضات قادمة؟ أو أنه سيزيد من صعوبة الأمر؟ مثلا المجلس الإنتقالي الجنوبي من قبل لم يكن موجودا ولم يكن مدعوا للمفاوضات، هناك أشياء جديدة الآن وهناك لاعبون جدد على الساحة.
مارتن: إنني من أشد الداعمين لاتفاق الرياض وأعتقد أنه اتفاق مثير للإعجاب وقد استغرق كثيراً من الوقت للتوصّل اليه، ووقتاً آخر يقارب السنة منذ توقيعه إلى حين تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي نراها الآن في عدن وأدخلت المجلس الانتقالي الجنوبي إلى حكومة اليمن.
وأعتقد أنَّ الاتفاق جيد لاستقرار اليمن والسلام فيه وأراه جيداً أيضاً لإشراك المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أصبح الآن جزءاً من الحكومة اليمنية وجزءاً من وفدها المفاوض الذي سيتشكّل لإنهاء هذا النزاع مع أنصار الله.
إذاً أعتبر ذلك خطوة إيجابية إضافة إلى أنَّه ساعد في نوع من التهدئة لدرجة كبيرة للوضع في الجنوب. والآن بقي على الحكومة اليمنية تقديم الخدمات للشعب اليمني في تلك المناطق.
السعيدة: سيد مارتن لنتحدث عن نقطة أخرى، البعض يخلط بينكم انتم كمبعوث أممي وبين المنظمات الأممية، وهو موضوع عدم رضى الناس من المنظمات الإنسانية الأممية في اليمن على وجه التحديد، تُهم بالفساد وتهم بعدم الوصول لجميع الناس، أقصد المنطمات الإنسانية، كيف تجيب على هذا السؤال؟
مارتن: كما تعلم ليست لدي أي مسؤولية إزاء البرنامج الإنساني للأمم المتحدة في اليمن، فعملي ينصبّ على العملية السياسية لكنني أجيبك على سؤالك لأني واحد من موظفي الأمم المتحدة يجعلني من دون شك جزءاً من الإجابة.
يعد برنامج المساعدات الإنسانية في اليمن الأكبر في العالم، وهو واحد من أكثرها تعقيداً.
إن التفاوض مع السلطات في صنعاء والحكومة في عدن لايصال المساعدات ليس بالأمر السهل كما يعلم كل شخص في اليمن.
أعتقد أنّ أي ادعاءات بالفساد أو بتوزيع مساعدات غذائية منتهية الصلاحية، تخضع دائماً للتحقيق بكل شفافية من قبل وكالات الأمم المتحدة. إلا أنه لا بد من الانتباه إلى أنَّه من السهل انتقاد المنظمات الإنسانية للأمم المتحدة لأنها تؤدي أعمالاً لا يقرّ بها إلا قليل من الناس ولا يعترف بها إلا قليل من الناس مع أن هذه الجهود كلها تبذل في ظروف في غاية الصعوبة.
وكما نعلم جميعنا يخاطر كثير من عمّال المنظمات الإنسانية بأنفسهم وبحياتهم، وأنا لدي خبرة سابقة في المجال الإنساني وأعرف من الخبرة الشخصية مدى صعوبة هذا العمل. إنهم يبذلون قصارى جهدهم ويحاولون جمع المال لمساعدة الشعب في اليمن بطريقة واضحة وشفّافة وأعتقد أنهم مستعدون لسماع أي انتقاد أو تعليقات مباشرة.
السعيدة: ولكن أليس من الاولى، كونك مبعوث سياسي ولكنك مسؤول عن الوضع الإنساني ومهمتك الأساسية هي التخفيف من معاناة الناس، أليس من المفروض أن يكون هناك تنسيق أكثر وإطلاع أكثر على الأقل بين مكتبكم ومختلف هذه المنظمات؟
مارتن: أعتقد أنَّ هناك تنسيقاً كبيراً بين مكتبي وتلك المنظمات، ولا اوافقك الرأي فيما ذكرتَه. نحن على اتصال يومي فيما بيننا فنحن جزء من منظومة الأمم المتحدة على اختلاف مسؤولياتنا.
مسؤوليتي ليست في تنفيذ برنامج المساعدات الإنسانية.
مسؤوليتي هي إنهاء الحرب، وهي مسؤولية مختلفة تماماً.
كلا المسؤوليتين مهمتان وليس لأي منهما أفضلية على الأخرى لكنَّ لكل جانب مهاراته، فالمهارات المطلوبة لبرنامج المساعدات الإنسانية، تختلف عن المهارات التي تجدها في الوساطة التي أتولاها.
نحن على تواصل مستمر، وانا من كبار المدافعين عن الهيئات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة اوللمنظمات غير الحكومية وفي كل وقت نقدم فيه إحاطة لمجلس الأمن فدائماً ما يكون معي مارك لوكووك وهو رئيس البرنامج الإنساني للأمم المتحدة وبذلك نتحدّث حول ما يحدث ونتبادل الأفكار.
ولذلك، لا أتفق معك في قولك عن عدم وجود تنسيق، فهناك اختلاف في الأدوار والمسؤوليات والمساءلة.
السعيدة: نقطة أخرى ايضا بعيدة عن مهمة المبعوث الاممي لكنها ممّا يخلط في العمل، وهي تقرير الخبراء الذي أثار ضجة كبيرة في الفترة الأخيرة والتقرير الأخير على وجه التحديد هذا أثار ضجة كبيرة. هل تنسّقون مع الخبراء، طبعا هذا التقرير هو تابع للجنة العقوبات المنبثقة عن مجلس الأمن، لكن هل تنسقون مع هذه اللجنة او لديكم عمل مشترك، هل تستفيدون من معلوماتهم أو يستفيدون من معلوماتكم، مالذي يحدث بالضبط؟
مارتن: هذا سؤال جيد. عندما فكرت في هذه الوظيفة قبل ثلاث سنوات في أسبوعي الأول، تعرّفت إلى الدور الخاص للجنة الخبراء التي ترفع تقاريرها كما ذكرت إلى لجنة العقوبات في مجلس الأمن.
وهي هيئة مستقلة تقدم تقاريرها المستقلة وتجري أبحاثها المستقلة ثم ترفع تلك التقارير إلى مجلس الأمن، الذي سوف ترفع إليه تقاريرها دون شك حول هجوم عدن على سبيل المثال لأنهم الآن في عدن يحققون ويبحثون عن الأدلة. فهم لا يخضعون لمسؤوليتي، لكننا نقدّم لهم الدعم اللوجستي وإن طرحوا علينا الأسئلة وهذا نادر جداً ،نعطيهم رأينا. لكنّ أهميتهم تكمن في أنهم مستقلون ليتمكنوا من توجيه الانتقاد إلى الأمم المتحدة بالسهولة ذاتها التي يمكنهم بها انتقاد أي جهة أخرى ومجلس الأمن الذي هو أعلى منا جميعاً هو الحكَم وهو الذي يتلقى توصيات اللجنة.
السعيدة: إنفتحتم خلال العام الماضي على وجه التحديد على العديد من المكونات الفرعية الشبابية والنسائية إلى غير ذلك مع بعض الشكاوى من الناس بانكم لا تصلون إلى الجميع وهناك هذه الأصوات او هؤلاء الناس هم الذين تعتمدون عليهم انتم و غيركم في المنطمة الاممية، هل بالفعل انتم لا تستمعون للجميع ولا تأخذون من الجميع؟ ماهي الآلية التي يتم على أساسها إختيار هذه التكتلات الصغيرة؟
مارتن: نسعى إلى الإصغاء لما أمكن من الأصوات.
ليس هناك مجموعة متفق عليها لتمثل جميع النساء أو الشباب في اليمن.
ولقد أجريت نقاشاً جيداً قبل شهر مع عدد من القادة الشباب من مختلف أنحاء اليمن وكان ذلك واحداً من النقاشات التي قمنا بها وسألتهم كيف يمكن أن أعرف إن كنتم أنتم أو أي مجموعة أخرى تمثّلون اليمن كله أو أجزاء كبيرة منه؟ هذا أمر صعب للغاية في اليمن كما الحال في أي نزاع داخلي آخر، فإن المجتمع المدني ليس منظماً كالأحزاب السياسية أو السلطات الأخرى وله مهام تمثيلية، بل يكون موجوداً لأن له الحرية في الكلام ومهمتنا أن نصغي لأكبر عدد ممكن من الأصوات.
وبهذا الخصوص، أستطيع أن أقول بحمد الله أنَّ هناك ما يساعدنا في هذا المجال لأن التكنولوجيا تساعدنا في الإصغاء إلى أصوات الناس فبفضل التكنولوجيا، ليس على الناس السفر ولا التنقّل للحديث إلينا. يمكننا الآن الإصغاء إليهم من خلال مجموعات النقاش عن بعد ومنصّات الواتساب وفيسبوك وغيرها من الوسائل التي تخوّلنا الوصول إلى شريحة أكبر من المجتمع اليمني.
وأهمية ذلك تنبثق من أن الشعب اليمني والمجتمع المدني في اليمن والمجموعات النسوية وغيرها كما الحال في أي نزاع آخر هم رواد السلام وأبطاله وهم أول من يرى ثمن الحرب وأول من يريد الانتفاع من السلام.
نحن بحاجة إلى هؤلاء الروّاد ولهذا السبب نتواصل معهم ليساعدونا في إقناع الطرفين على اختيار السلام بدلاً من الحرب. إنهم الحلفاء الطبيعيون لأي شخص، وبعثتي موجودة لهذا الغرض، ولمن يريد السلام في اليمن.
السعيدة: سيد مارتن، انت تحدثت قبل قليل خلال هذا اللقاء عن موضوع الرواتب، أتينا عليه على عجالة، ودائما ما تقول إسأل الأطراف، لكن انا أريد ان اسألك هنا، مع المقترحات بتحييد الإقتصاد وما إلى ذلك، هل هناك من أمل بما يتعلق برواتب الناس صرف هذه الرواتب والتركيز على هذه الحالة الإنسانية المهمة، وإن كنت أنت تؤمن بالحل الشامل، ولكن مثل هذه الامور تأخيرها صعب جدا على الناس
مارتن: نعم إنّ سؤالك هذا الذي اعتقد أنه سؤال وجيه، والذي سأحاول الإجابة عليه، يحدّد المعضلة بشكل دقيق.
عندما سألتني عن سبب التعامل مع المسائل الإنسانية الأصغر نطاقاً وانه ينبغي أن نتعامل مع الحل الشامل العام وذكرت أيضاً الرواتب.
السبب أنَّ الناس يريدون العيش اليوم ولا يمكنهم الانتظار والرواتب مسألة تتعلق بالعيش اليومي.
ولهذا السبب أراني انظر على الدوام الى المسائل الإنسانية حتى لو كانت مهمتي سياسية لأنَّ الناس يريدون العيش اليوم.
لقد أصبح الاقتصاد في اليمن هشّا وأصبحت الرواتب المحور الأساسي في ذلك الوضع وتزيد من خطر المجاعة والمعاناة على مستوى المجتمع المحلي والعائلة.
وقد حاولنا جاهدين العمل مع الطرفين للبحث عن طرق لدفع الرواتب.
من الضروري تخصيص الإيرادات المحصَّلة من الموانئ والواردات لدفع الرواتب.ولكن حتى لو حدث ذلك فسيحتاجون إلى مزيد من المال لدفع الرواتب لاسيما في زمن الحرب.
وهنا نعود غالباً وكذلك يفعل زملاؤنا في الجانب الإنساني إلى الجهات المانحة الكبرى لنخبرهم أنّ عليهم أن يقدموا المساعدات وأن يفعلوا ذلك من أجل الرواتب لأنَّ اليمن لديه القدرة على ايصال المال للأفراد وللأسر.
ذلك جانب مهم استثنائي موجود لدى اليمن تفتقر إليه كثير من المجتمعات الأخرى.
هناك نظام رواتب يصل الى الناس وتريد المنظمات الإنسانية استعماله فإن وضعت مئة مليون دولار مثلاً على الطاولة لدفع الرواتب بغض النظر عن المناطق التي يوجد فيها الناس، فسوف يكون لذلك أثر إيجابي كبير ومفيد.
أعتقد أن فعل ذلك مهم جداً بأهمية فتح الموانئ والمطار وبقدر أهمية التوصّل الى وقف لإطلاق النار. كل ذلك تأكد أننا نضعه نصب أعيننا وهو شيء يجب أن يحدث قريباً.
السعيدة: على ذكر المانحين، الملاحظة ان أموال المانحين وصولها صعب او الطريقة التي تصل بها تؤدي إلى فقدان نسب كبيرة من المال، إبتداءا من تنظيم مؤتمر المانحين مرورا بطريقة التسليم، بالتشغيل، بالرواتب التي تمنح لاعضاء هذه المنظمات المحلية والدولية، ألا من آلية أخرى لتجاوز مثل هذه النقطة والوصول بكمية اكبر للناس المستفيدين، لأنه احيانا تصرف أكثر من 50 إلى 60 بالمئة على اللوجستيات والرواتب والأمور التشغيلية.
مارتن: أود أن أتحداك أن تعطيني المصدر الذي جئت به بهذه الأرقام وأن خمسين أو ستين بالمائة من أموال المانحين تصرف على الهيئات الإنسانية.
أود أن أرى هذه الأرقام.
لقد عملت في الهيئات الإنسانية في السابق وأعرف أنَّ ما يُنفَق على ما هو ضروري لايصال المال من الجهة المانحة الى العائلات هو أقل بكثير من النسب التي ذكرتها.
طبعاً هناك كلفة ويجب أن تتمّ تغطيتها لكنها لا تقترب ممّا ذكرت ولا تستحق الانتقاد الذي سمعناه كثيراً ذلك الانتقاد الذي لا مبرّر له بل هو إهانة لتلك المنظمات التي تؤدي واجبها وأنا أرفضه تماماً.
وللإجابة على سؤالك تستطيع الذهاب في أي يوم إلى تلك الهيئات الإنسانية وسوف تعطيك الأرقام الخاصة بما يتمّ انفاقه على المنظمات وتحدد لك الأموال التي تذهب إلى الجهات المستفيدة. الأمر غير الاعتيادي عند الحديث عن اليمن هو أنَّ برنامج المساعدات الإنسانية يصل العائلات في الجزء الأكبر منه نقداً.
وقد فعلت اليونيسف ذلك وكذلك البنك الدولي أكثر مما فعلته في معظم النزاعات الاخرى.
المساعدات تذهب نقداً مباشرة من (أ) إلى (ب) وهذه طريقة ذكية جديدة لبرامج المساعدات الإنسانية الحديثة لأنك تستطيع أن تعدّ النقود بالدولار وبالريال وتتأكد منها. والمصروفات أقل بكثير جداً من نسبة الخمسين أو ستين بالمئة التي ذكرتها. يمكنك الذهاب إلى المنظمات لإعطائك هذه المعلومات فهي متاحة علناً.
السعيدة: سيد مارتن نحن لا يوجد بيننا تحدي في الموضوع نحن نطرح الأسئلة التي تطرح من الشارع والتي تقال، نحن نتحدث عن تنظيم مؤتمر المانحين لحين وصول الاموال للشريك المحلي إلى الرواتب وغير ذلك، وانت أجبت على هذه النقطة، وشيء جميل اذا كانت الأرقام أقل من ذلك بكثير. أريد أن أسألك سؤال اخر، وهو الوضع الإقليمي، التغيير الذي حصل على المستوى الدولي والإقليمي، هل الوضع الإقليمي الآن مرشح لحل سياسي، أم لأزمة جديدة في اليمن؟
مارتن: أضع أملاً كبيراً في التغيرات التي تحصل في المنطقة وفي العالم فيما يتعلّق باليمن.
أعرف أنَّ الإدارة الامريكية برئاسة الرئيس بايدن تضع إنهاء النزاع في اليمن كواحدة من أولوياتها الدولية.
أعرف ذلك لأنني أتحدث معهم منذ تسلّم الإدارة الجديدة قبل أسبوعين وقد اتفقنا معهم ومع المنطقة – التي سأتحدث عنها لاحقاً – أنّ العملية التي تقود إلى وقف مبكر لإطلاق النار وفتح مبكر للبلاد ومن ثم الانتقال مباشرة إلى العملية السياسية هو أمر يجب أن تشجّعه الحكومات في العالم بأسره، ومن المهم أن تدعم الولايات المتحدة الأمريكية ذلك لأهميتها بالطبع.
فبدعم الحكومات تتمكن الأمم المتحدة من أداء دورها
في المنطقة أيضاً نرى تغيّراً.
هذا واضح بالنسبة لي فأنا أقضي وقتًا طويلاً في التنقل بين دول المنطقة.
كنت في الرياض مؤخراً وفي طهران هذا الأسبوع وهناك قناعة بدأت تتكون بأن استمرار هذه الحرب في اليمن أمر سيء للمنطقة وسيئ لاستقرارها.
لا شك في أنه أمر سيء للشعب اليمني. هناك قناعة لضرورة إنهاء ذلك.
أؤمن بالدبلوماسية المتمحورة حول كيفية مساعدة الحكومات لنا في إقناع الطرفين ودعمهما لتقديم التنازلات الضرورية لإنجاح العمل ، ولذلك اتحدث إلى أي أحد.
تحدثت إلى الإدارة الأمريكية كما ذكرت وأتحدث إلى الإيرانيين وسوف أتحدث الى أي شخص كان يمكنه المساعدة في إنهاء النزاع.
ولدى اليمن شيء لم يحصل في أي من النزاعات الأخرى وهو وحدة مجلس الأمن حول اليمن ويتبلور مفهوم موحّد إقليمياً وعالمياً بأنَّ هذا النزاع في اليمن يجب أن يتوقّف ويجب أن ينتهي بالطريقة الصحيحة التي تقود الى الازدهار وضمان حقوق الشعب.
هنا أضع بعض الأمل في اللحظة التي يمكننا من خلالها أن نقدّم المشورة إلى هذه الحكومات حول كيفية تقديمها لأفضل ما يمكن من المساعدة والمشاركة مع الطرفين من أجل تحقيق التقدم.
السعيدة: الكثير من اليمنيين وغير اليمنيين يطرحون أن المشكلة هي في إنقسام مجلس الأمن، وان الدول الكبرى تتعامل مع قوتها وكأنها شرطي أحياناً لكسب مواقف معينة ولمن يدفع الى غير ذلك. الى أي مدى مجلس الأمن متحد فيما يتعلق باليمن الأن؟
مارتن: لقد أصبح موقفه موحداً حول اليمن منذ توليت منصبي في عام 2018.
الوضع هنا يختلف عن سورية أو ليبيا إذ تنقسم المواقف بشأنها.
هناك خلافات في وجهات النظر دون شك حول كيفية إنهاء النزاع في اليمن واستعادة الحكومة في اليمن.
هناك اختلاف في الرأي، لكن هناك وحدة في الموقف من الرسالة الأساسية وهي أن الحلّ سيكون سياسياً وليس عسكرياً للحرب في اليمن وأنَّ الحل السياسي لن يأتي إلا من خلال عملية شاملة ينخرط فيها كلّ اليمنيين وأنّ اليمن يجب أن يكون بمنأى عن أيّ تدخل أجنبي.
وميثاق الأمم المتحدة يؤمن بالقيم ذاتها إذاً لدينا الأساس الذي نستطيع الاعتماد عليه ولدينا مجلس الأمن الذي يرغب في المساعدة.
وذلك أمر جيد يندر حدوث مثيله في هذه الأوقات ولا بدّ لنا من الحفاظ على ذلك ولا بد أيضاً من أن نستفيد من ذلك في عملنا.
السعيدة: سيد مارتن، اخر لقاء كان في ستوكهولم في نهاية 2018، من تلك الفترة حتى الآن لم تلتق الأطراف، بعيدا عن موضوع التفاؤل و التشاؤم، هل هناك خطة للقاء او التقارب او التفاوض قريبا او بتاريخ معين قريبا؟ طبعاً الفترة طويلة
مارتن: مضى وقت طويل جداً منذ اجتماع استكهولم اتفق معك على ذلك.
من المؤسف أن الطرفين لم يجتمعا بعد باستثناء لجنة تبادل الأسرى والمحتجزين لكنَّهما لم يجتمعا بعد للتعامل مع الأسئلة الكبيرة وهناك دائماً طرف أو آخر يقول “لا..نحن لسنا جاهزين ” أو “نحن لسنا متأكدين من جدوى الاجتماع لأن الطرف الثاني غير جاد” في كل مرة يأتون بسبب أو بآخر.
ومن وجهة نظري كوسيط ومن خبرتي في النزاعات الأخرى، ذلك اللقاء واجب. فمن واجب الطرفين الجلوس معاً، ان اتفقا او لم يتفقا فالأمر عائد لهما كل حسب آرائه ومصالحه لكنَّ عدم اللقاء والجلوس على الطاولة أمر غير مقبول.
وعليهم فعل ذلك. وأولويتي المباشرة حالياً هي أن يجتمع الطرفان معاً للاتفاق على أمور بسيطة هي وقف إطلاق النار وفتح المطار وفتح الموانئ ثم هناك الأمر الآخر الذي ينصب في الإجابة على سؤالك حول الرواتب ألا وهو مساعدة الاقتصاد اليمني على توفير الأولويات الأساسية المتمثلة بالرواتب والخدمات لليمن.
فإن تمكّنا من الاتفاق على هذه الأمور الثلاثة وقد تفاوضنا عليها خلال السنة الماضية وكانت لنا مناقشات مفصلة عليها، عندها يمكننا الاتفاق على ما يعطي الشعب اليمني الفرصة ليتنفس الصعداء وصولاً إلى العملية السياسية التي يجب أن تبدأ مباشرة بعد ذلك. وهذا ما أعمل عليه في هذا الوقت.
السعيدة: فتح المطارات وفتح الموانئ، ماذا عن المنافذ وخاصة المنافذ البرية والممرات بين المدن؟
مارتن: نعم نحن نحتاج إلى ذلك.
لقد تضمنت مقترحاتنا في الإعلان المشترك فتح الطرق. فذلك أمر حيوي.
أعني الطرق لأنه من خلالها يمكن للأسر أن تصل إلى الأسواق والمدارس ووأن تصل العمل والحياة.
ولا شك في ضرورة فتح الطرق بين عدن وصنعاء إلى تعز وهكذا. هذه أولوية لا تقل أهمية عن أولوية الرواتب.
السعيدة: نحن شارفنا على النهاية مع الأسف هذه طبيعة البرامج، ولكن أريد أن أسالك سؤالين على عجالة. السؤال الأول هو أنك تتحدث عن طول الفترة بين اخر لقاء في ستوكهولم وبين الإنقطاع التام. ما هي خطة المبعوث الأممي ااذا ا ما طال هذا الموضوع ولم يلتقوا؟ هل مثلاً سيغادر؟ سيقدم استقالته؟ سيطالب بصلاحيات أكثر؟ أو بفرض قيود اكثر والتشديد أكثرعلى الأطراف المعرقلة؟ ام ما هي خطتك؟
مارتن: ما افعله عند اختلاف مواقف الطرفين حول ما أقترحه ومثال ذلك اللقاء وجهاً لوجه، هو أني أستمر في المحاولة.
لكن الأمر يعود إليهما والقرار لهما وليس لي، فهي صلاحية ممن صلاحيتهما.
وأستمر في الطلب من حكومات أخرى بأن تساعدني في إقناعهما.
وأرغب أن أرى رواد السلام وهم الشعب اليمني نفسه يتحدثون إلى الطرفين لإقناعهما. ولا أعتقد أن الاستقالة سوف تساعد في شيء بل أعتقد أن الاستمرار في بذل الجهود ومنح الفرصة للطرفين لفعل الشيء الصحيح هو بالضبط ما على الوسيط أن يفعله ويسعى اليه.
السعيدة: سيد مارتن هل هناك مفاوضات من تحت الطاولة كما يشاع بين حين وآخر، أم أنّ الإحباط الذي تحدثت عنه يؤكد ان لا شيء من ذلك.
مارتن: نجري حالياً نقاشاً مع الطرفين وحكومات رئيسية حول كيفية انتهاج مسار سريع لحل هذه القضايا التي أصفها لك الآن وهي القضايا الأساسية من وقف لإطلاق النار وفتح الموانئ وفتح المطار ودفع الرواتب والاقتصاد.
نحن نناقش كيفية تسريع العملية لإنجاز ذلك بسرعة والنظر في الطريقة التي يمكن فيها لمختلف العوامل الجيوسياسية الإقليمية والدولية أن تساعدنا وكيفية مساعدة الطرفين في الوصول إلى ذلك الهدف.
نعم بالفعل، لن أكون مؤدياً لعملي إذا لم أسعَ للضغط أكثر فأكثر للوصول الى افق للسلام في اليمن.
لو توقفتُ عن القيام بذلك فتأكد عندها أنني سأستقيل ولكن ليس قبل ذلك.
السعيدة: كلمة أخيرة او رسالة أخيرة للشعب اليمني الذي يؤمل وأحيانا يبالغ في الأمل، لأنه مثل ما تحدثت أحيانا لا يفهم مهمة المبعوث الأممي على وجه التحديد، ولكنه بالمجمل لا يؤمل إلا من شخص يتوقع منه شيء جميل وإيجابي لليمن، رسالتك لليمنيين انا اتحدث عن المواطن اليمني.
مارتن: لست غافلاً عن هذه المعاناة المروّعة التي يرزح تحتها الشعب اليمني بسبب الوضع المريع الذي تعيشه تعز منذ سنوات وذلك يضهنا جميعاً في موقف محرج جميعاً ويؤسفنا أن نرى الناس في صنعاء يصطفون منتظرين الحصول على النفط الذي لم يدخل البلاد بعد.
لست غافلاً عن ذلك. بل ذلك ما يدفعنا جميعاً لبذل قصارى جهدنا لإنهاء هذا النزاع في أقرب وقت ممكن. لقد مضت عشر سنوات على الربيع العربي الذي جاء معه الأمل في المنطقة وفي اليمن أيضاً.
ويمكن لليمن أن يكون بلد المحبة، بلدالوحدة المجتمعية والإنسانية التي تشكل الدافع لدور الأمم المتحدة في إنهاء هذا النزاع. القضية ليست محصورة بوضع حدّ للحرب فحسب بل تمتد أيضاً إلى بناء السلام وإلى إيجاد الوحدة والشغف وهي أمور كانت محركاً للتاريخ اليمني ورأيناها يومياً في الطريقة التي يعيشها اليمنيون ويتعاملون بها فيما بينهم.
نريد أن يعود اليمن إلى ما كان عليه من قبل ونريده أفضل مما كان وسوف نصل إلى ذلك. لا تشكّوا سنصل إلى ذلك الهدف فعلينا أن ننهي معاناة الشعب اليمني.