كريتر نت – العرب
صعّد المتمردون الحوثيون استهدافَهم لمواقع سعودية في مسعى لدفع الرياض إلى القبول بسيطرتهم على مأرب المدينة الإستراتيجية المليئة بالنفط والغاز، ما يمكنهم من السيطرة على الشمال اليمني وتجميع الأوراق المؤثرة قبل الشروع في التفاوض بشأن الحل النهائي للأزمة.
ودفعت هذه الحسابات الحوثية الطيران السعودي إلى التدخل لوقف تقدم المتمردين في مواقع حيوية محيطة بمأرب كما شنت القوات الموالية للحكومة اليمنية هجمات مضادة لصد الهجوم الحوثي.
وقال بيان صادر عن الحوثيين إن “سلاح الجو المسيّر نفذ هجوما جويا على مطاري جدة وأبها السعوديين صباح الاثنين بطائرتين من طراز ‘صماد3’ و’قاصف2′”، وأن “الإصابة كانت دقيقة نتج عنها توقف المطارين لساعتين متتاليتين”.
وأعلن التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، في ساعة مبكرة من صباح الاثنين، أن “قوات التحالف المشتركة تمكنت صباح الاثنين من اعتراض وتدمير طائرة دون طيار (مفخخة) أطلقتها الميليشيا الحوثية المدعومة من إيران بطريقة ممنهجة ومتعمدة لاستهداف المدنيين والأعيان المدنية”.
أهمية السيطرة على مأرب
تمتلك مخزونا نفطياموقعها بين حضرموت والجنوبتمثل ركيزة للحوثيين في حال تم تطبيق نظام الأقاليم
وكان التحالف قد أعلن مساء الأحد تدمير طائرتين “مفخختين” أطلقتهما الميليشيا الحوثية باتجاه المدنيين جنوب غربي السعودية، مشيرا إلى أن قواته نجحت في اعتراض 515 طائرة مسيرة للحوثيين و345 صاروخا باليستيا، منذ بدء عملياته في اليمن عام 2015.
واعتبرت أوساط يمنية أن الهدف من تكثيف الهجمات على مواقع سعودية وتوسيعها إلى استهداف مطار جدة هو الضغط على الرياض من أجل وقف تدخل الطيران السعودي في مأرب لمنع تقدم الحوثيين وتوفير غطاء للقوات اليمنية المدافعة عن المدينة الإستراتيجية.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن الرسالة الحوثية إلى السعودية واضحة؛ “أعطونا مأرب نتوقف عن قصف مطاراتكم ومواقعكم المدنية”.
لكن هذه الأوساط تستبعد أن تقبل السعودية بهذا الابتزاز، معتبرة أن الرياض تعرف جيدا أن الحوثيين لن يتوقفوا عن هجماتهم مهما حققوا من مكاسب؛ كونهم ينفذون أجندة إيرانية هدفها الرئيسي تهديد الأمن القومي السعودي، وأن الطريقة الوحيدة لإجبارهم على وقف الهجمات هي الخيار العسكري، خاصة أن الأمر محدود زمنيا، وهم يقاتلون لتحصيل مكاسب سريعة قبل أن تبدأ الولايات المتحدة بفرض التسوية السياسية على الجميع.
وتمثل مأرب نقطة قوة للمتمردين في حال سيطروا عليها، ليس فقط بسبب مخزونها النفطي وإنما أيضا لموقعها الإستراتيجي الذي يربط بحضرموت والجنوب ويسهم في حماية صنعاء، فضلا عن أن السيطرة عليها قد تكون خيارا أسهل من خط تعز، وهي تمثل ركيزة رئيسية بالنسبة إلى الحوثيين في حال تم تطبيق نظام الأقاليم، وحولت الجماعة المناطق التي تسيطر عليها إلى إقليم شمالي يضم أبرز المدن والنقاط الحوثية.
وينظر إلى المدينة على أنها “محمية سعودية” استثمرت فيها المملكة بشكل كبير لجعلها نقطة الاستقطاب الوحيدة للأعمال في البلد الغارق في الحرب. وروجت المملكة للمدينة سعيا لتحويلها إلى نقطة جذب رئيسية للاستثمارات والمشاريع العمرانية وغيرها.
وتسیطر ميلیشیا الحوثي على المناطق الأكثر كثافة سكانیة في الیمن -وأبرزھا صنعاء ومدینة الحدیدة التي تضم میناءین دولیین- ومعظم المحافظات الشمالية كعمران وذمار وإب والبیضاء والمحویت وریمة ومركز محافظة الحدیدة وغالبیة مدیریاتھا، وحجة وصعدة، باستثناء بعض المدیریات، وأیضا عدد من المدیریات التابعة لمحافظة تعز.
وقال مراقبون يمنيون إن الهجمات الحوثية تهدف كذلك إلى الضغط على الرياض لتكون أكثر تحمّسا لخطة وقف إطلاق النار، كما تهدف إلى تحصيل أكثر ما يمكن من المغانم الميدانية لتوظيفها في الحصول على مكاسب سياسية.
وأشار هؤلاء المراقبون إلى أن الجماعة المتمردة تحاول تحقيق استفادة قصوى من حالة الارتباك في الإدارة الأميركية الجديدة تجاه الملف اليمني والظهور بمظهر الطرف القوي بعد ست سنوات من الحرب، وهو ما قد يشجع إدارة جو بايدن على التعامل مع الحوثيين كشريك رئيسي في الحل القادم كما تعاملت معهم إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما.
وأضافوا أن هناك هدفا آخر للتصعيد الحوثي مرتبطا بالملف الإيراني ومحاولة ابتزاز المجتمع الدولي والإدارة الأميركية الجديدة، للعودة إلى المفاوضات بشأن الملف النووي دون شروط، خاصة ما تعلق بدور إيران الإقليمي وضرورة التزامها بعدم استهداف حركة تصدير النفط والملاحة الدولية، فضلا عن وقف تدخلاتها في دول مثل اليمن وسوريا والعراق ولبنان.
وصدّت قوات الحكومة اليمنية محاولات الحوثيين للتقدم من عدة جهات باتجاه مدينة مأرب.
وأكّد مسؤولون عسكريون في القوات الحكومية أن هذه القوات خاضت معارك مع الحوثيين على عدة جبهات غربي وجنوبي وشمالي مأرب الواقعة على بعد نحو 120 كيلومترا شرق العاصمة صنعاء حيث يفرض المتمردون سيطرتهم منذ 2014.
ويشن المتمردون المدعومون من إيران منذ أكثر من عام حملة للسيطرة على المدينة تكثّفت في الأسبوعين الأخيرين. وقتل وأصيب العشرات من الطرفين وسط ضربات جوية مكثفة لطائرات التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في هذا البلد منذ 2015 دعما للحكومة.
وبحسب المسؤولين العسكريين دفع الحوثيون في الساعات الأخيرة المئات من عناصرهم نحو مديرية جبل مراد جنوب مأرب، وتمكّنوا من الاستيلاء على بعض المواقع لساعات قبل أن “يجبروا على التراجع بفعل الغارات الجوية”.
كما ذكر المسؤولون أنّه تم نصب كمين وقتل عدد من الحوثيين وأسر ثمانية عشر في مديرية حريب جنوب مأرب، بينما دمّرت مقاتلات التحالف تعزيزات للحوثيين قادمة من صنعاء وقصفت مواقع تابعة لهم في مديرية مدغل شمالي مأرب.
وتكثّفت هجمات الحوثيين ضد مأرب الواقعة في محافظة غنية بالنفط على وقع تراجع إدارة بايدن عن قرار سلفه دونالد ترامب تصنيفهم منظمة إرهابية خشية عرقلة إيصال المساعدات إلى الملايين من السكان.