كريتر نت – العرب
تتجّه الأوضاع الإنسانية السيئة في اليمن نحو مزيد من التعقيد بسبب التصعيد العسكري الكبير في محافظة مأرب شرقي العاصمة صنعاء، بعد أن فتح المتمرّدون الحوثيون عدّة جبهات في محاور مؤدية إلى مركز المحافظة النفطية ذات الموقع الإسراتيجي المهمّ سعيا للسيطرة عليها.
وحذرت الأمم المتحدة من تعريض الملايين من المدنيين للخطر جراء التصعيد في مأرب، في وقت واصل فيه الحوثيون محاولاتهم التقدّم نحو آخر معاقل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا بشمال البلاد.
وجاء هذا التصعيد النوعي بعد أن لاحت إرادة دولية في حلّ الأزمة اليمنية سلميا بدفع من الإدارة الأميركية الجديدة، ما جعل الحوثيين يسارعون إلى محاولة فرض الأمر الواقع في مأرب وتحسين شروط التفاوض استعدادا لأي مسار سلام قد ينطلق في أمد منظور.
وتكمن المفارقة الكبرى في أنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن استندت إلى معطيات إنسانية ضمن مبرّراتها للتراجع عن قرار إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب تصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابية، على اعتبار أن ذلك التصنيف يعقّد عمل الهيئات والمنظمات الدولية في اليمن ويعقّد عمليات الإغاثة وإيصال المساعدات للملايين من اليمنيين المهدّدين بالمجاعة.
لكن القرار نفسه مثّل تشجيعا للحوثيين على مزيد من التصعيد الذي يعني المزيد من تعقيد الوضع الإنساني السيء.
وكتب منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ مارك لوكوك في تغريدة على تويتر قائلا “أشعر بالقلق الشديد نتيجة التصعيد العسكري الحاصل في مأرب وتداعياته المحتملة على الأوضاع الانسانية”.
وحذّر من أنّ “أي هجوم عسكري على مأرب سيضع ما يصل إلى مليوني مدني في خطر وينتج عنه نزوح مئات الآلاف من السكان، الأمر الذي سيؤدي إلى عواقب إنسانية لا يمكن تصورها”، مضيفا “لقد حان الوقت الآن للتهدئة، وليس لمزيد من البؤس للشعب اليمني”.
الوضع الإنساني الذي برّر التراجع عن تصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابية هو الأكثر تضررا من التساهل الأميركي تجاه الحوثيين
وما يضاعف من المخاطر على الوضع الإنساني في اليمن أن مأرب التي كانت تتمتّع بقدر كبير من الاستقرار، مثّلت أثناء اشتعال الحرب في مناطق مجاورة لها مثل محافظة الجوف ملاذا للآلاف من النازحين الذين أصبحوا الآن مهدّدين بالتشرّد مجدّدا بصحبة الآلاف من سكان المحافظة.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قد أعلن أن مؤتمرا حول المساعدات لليمن سيعقد بداية مارس القادم وستستضيفه الأمم المتحدة والسويد وسويسرا بهدف جمع نحو 4.2 مليار دولار.
ويشن المتمردون المدعومون من إيران منذ أكثر من عام حملة للسيطرة على مأرب ومركزها الذي يحمل نفس الإسم تكثّفت في الأسبوعين الأخيرين.
وحقق الحوثيون خلال الساعات الماضية تقدما جديدا نحو المدينة الواقعة على بعد 120 كيلومترا شرقي صنعاء الخاضعة لسيطرتهم، إثر معارك مع القوات الحكومية أدت إلى سقوط العشرات من القتلى والجرحى من الجانبين.
وقال مصدر عسكري يمني لوكالة فرانس برس إنّ “المتمردين تمكنوا من التقدم غرب وشمال مدينة مأرب بعد سيطرتهم على منطقة الزور وصولا إلى الجزء الغربي من سد مأرب وإحكام السيطرة على تلال جبلية تطل على خطوط إمداد لجبهات عدة”. وأفادت مصادر عسكرية أخرى أن القوات الحكومية حشدت المئات من المقاتلين للقتال على الجبهات.
وبدأ الوضع الإنساني يسوء بسرعة جرّاء التصعيد، وذلك بتدفق النازحين خصوصا من مخيم الزور القريب من سد مأرب بعد وصول الاشتباكات إلى المنطقة. وكانت مدينة مأرب بمثابة ملجأ للكثير من النازحين الذين فروا هربا من المعارك أو أملوا ببداية جديدة في مدينة ظلت مستقرة لسنوات، ولكنهم أصبحوا الآن في مرمى النيران مع اندلاع القتال للسيطرة عليها.
وقالت المتحدثة باسم المنظمة الدولية للهجرة أوليفيا هيدون “إذا انتقل القتال باتجاه المناطق المأهولة أو مواقع النازحين، سنرى الناس يفرون مرة أخرى باتجاه مناطق شرق وجنوب مدينة مأرب مع موارد أقل”.
وأوضحت أنّ “جزءا كبيرا من هذه المناطق يعد منطقة صحراوية، ما يعني أن أي نزوح في ذلك الاتجاه سيؤثر على وصول العائلات إلى المياه”. وأشارت إلى أن نحو 650 عائلة اضطرت للفرار بسبب اندلاع القتال مرة أخرى، موضحة أن أي تغيير على الجبهات سيؤدي إلى المزيد من موجات النزوح.
ومن شأن سيطرة الحوثيين على مأرب توجيه ضربة قوية إلى الحكومة المدعومة من التحالف العسكري بقيادة السعودية، إذ أن شمال اليمن سيصبح بكامله في أيدي المتمردين.
ويرى ماجد المذحجي من مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية أنّ “مأرب هي الجائزة السياسية والاقتصادية الكبرى التي يحلم بها الحوثيون” منذ بداية الحرب. ويشير المذحجي إلى أنه في حال استطاع المتمردون السيطرة على مأرب “فإنهم سيسيطرون على جزء كبير من الموارد” في المحافظة الغنية بالنفط.
وأكد أن هذا “سيتعدى مجرد تحسين شروط التفاوض السياسي لأنه انطلاقا من مأرب سيكون بإمكان المتمردين السيطرة على كل اليمن اعتمادا على مواردهم وعلى قوتهم السياسية باعتبارهم يسيطرون على كل الشمال”.
وأضاف “لن يتراجع الحوثيون، وهم يستفيدون من الزخم السياسي” الملائم لهم، في إشارة إلى سياسة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه الملف اليمني، معتبرا أنه “لا توجد شروط سياسية مثالية للحوثي مثلما هي الآن”.
وأوقف الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخّرا دعمه العسكري للسعودية في مواجهتها ضد الحوثيين معتبرا أنّ النزاع اليمني كارثة يجب أن تنتهي، كما ألغى تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية في قرار دخل حيز التنفيذ الثلاثاء.
وجاء ذلك بمثابة إطلاق ليد الجماعة المتمرّدة التي صعّدت في مأرب إضافة إلى تكثيفها استهداف مواقع مدنية داخل الأراضي السعودية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة المهرّبة من إيران.