كريتر نت – العرب
تصاعدت لهجة الخطاب بين السودان وإثيوبيا أخيرا، وتحدثت كل دولة عن طرف ثالث يغذي النزاع بينهما، في إشارة إلى أن الجانبين فقدا الإرادة السياسية، ومحاولة تفريغ الأزمة الحدودية من مضمونها العسكري المباشر.
ومع أن أيّا من البلدين لم يحدد بشكل واضح هوية الطرف الثالث، غير أن إثيوبيا درجت على اتهام مصر بتحريض السودان عليها ضمن سياق مكايدات تقليدية ظهرت في خطاب أديس أبابا حيال القاهرة في أزمة سد النهضة، بعد أن بدأ السودان يتبنى رؤية قريبة من الموقف المصري، حيث تأكد من مخاطر السد عليه.
ودخلت الخرطوم على خط الطرف الثالث بقوة، السبت، وقالت وزارة الخارجية السودانية في بيان لها، “ما لا تستطيع أن تنكره أديس أبابا هو الطرف الثالث الذى دخلت قواته مع القوات الإثيوبية المعتدية إلى الأرض السودانية”.
ويقول مراقبون إن السودان يقصد وجود قوات إريترية تساند الحكومة الإثيوبية، بعد أن خاضت معها الحرب في إقليم تيغراي، ومكنتها من تحقيق نصر عسكري سريع، وتريد تكراره مع السودان، ما أنكرته أسمرة، كما أنكرته القاهرة مع الخرطوم.
وقالت وزارة الخارجية الإثيوبية في بيان لها، الخميس، إن “أيّ صراع بين بلدينا لن يؤدي إلا إلى أضرار جسيمة ويعرض رفاهية البلدين للخطر، لذلك، فإن الحكومة تعتقد بشدة أن الصراع الذي يروّج له الجناح العسكري للحكومة السودانية لن يخدم سوى مصالح طرف ثالث على حساب الشعب السوداني”.
ولم تتوافر حتى الآن لأيّ من البلدين معلومات تؤكد حقيقة وجود طرف ثالث في الصراع، وما هي طبيعة الدور الذي يلعبه، وإن كانت هناك استفادات غير مباشرة لكل من مصر وإريتريا من الخلاف.
وأثارت إشارة إثيوبيا إلى الجناح العسكري في بيان رسمي، وبصورة تقلل من المكوّنات الأخرى غضبا في السودان، ما جعله يؤكد أن “جميع فئات الشعب وقيادته عسكريين ومدنيين موحدة في موقفها ودعمها لبسط سيطرة السودان وسيادته على كامل أراضيه وفق الحدود المعترف بها”.
ويحاول كل جانب استخدام مفردات متقاربة في الرد، حيث اعتبرت الخرطوم أن الحدود المشتركة “لم تكن قط موضع نزاع إلى أن جاء إلى وزارة الخارجية الإثيوبية من يسخّرها لخدمة مصالح شخصية وأغراض فئوية لمجموعة محددة، يمضى فيها مقامراً بمصالح عظيمة للشعب الإثيوبي، وبأمنه واستقراره، وبجوار لم يخنه”.
وتحمل هذه الإشارة دلالة على خضوع حكومة آبي أحمد لحسابات جماعة الأمهرا التي فرضت سيطرتها على الأرض محل النزاع عن طريق عصابات “الشفتة” المدعومة من قوات إثيوبية نظامية، ولا تريد التفريط فيها.
واندلعت اشتباكات بين القوات السودانية والإثيوبية الفترة الماضية في منطقة الفشقة، ويسكنها مزارعون إثيوبيون، ويقول السودان إنها تقع على جانبه من الحدود.
تعلم أديس أبابا أن تمكين السودان من استعادة سيطرته تماما على الأرض، وفي هذه الأجواء التي تقف فيها الأمهرا مع آبي أحمد في حربه ضد تيغراي، يقود إلى تآكل التحالف بينهما، ويعرّض الحكومة لمخاطر داخلية.
وقال الخبير الأمني السوداني، الفريق أحمد التهامي، إن الأزمة بدأت تأخذ أبعادا معقدة، نتيجة ربط أديس أبابا بينها وبين سد النهضة، للضغط على السودان وتمرير الملء الثاني للسد من دون اتفاق مُلزم، في مقابل تقديم تنازلات بشأن الحدود، وهو أمر يرفضه السودان الذي يرى أنه لا حل للأزمتين سوى اتباع الإجراءات القانونية التي تضمن حقوق كل دولة وفقاً للمواثيق الدولية.
أبعاد معقدة للأزمة
وأضاف، في تصريح لـ”العرب”، أن التمدد الإثيوبي الذي وصل لحد التواجد في أكثر من 30 قرية على الحدود أمر لا يمكن القبول به، وأن الطرفين قد يضطران لتقديم تنازلات عبر اللجوء إلى الحلول الفنية التي يجب أن تكون حاضرة على رأس المفاوضات بينهما، وليس الحلول الدبلوماسية التي أثبتت فشلها.
ورفض التهامي الجزم بوصول التوتر الحدودي بين البلدين إلى نقطة اللاعودة، مشيراً إلى أن قدرة السودان العسكرية على استعادة الجزء الأكبر من الأراضي ترغم أديس أبابا على تقديم تنازلات لحل الأزمة، مع حصولها على مكاسب تنعكس إيجاباً على أوضاعها الداخلية.
وأوضح المحلل السياسي السوداني، خالد المبارك، أن إثيوبيا تمارس سياسة استفزازية بمحاولة إدخال مصر على خط الخلاف الحدودي، في حين أن المصلحة الوطنية هي من تحكم الموقف السوداني، كذلك فمحاولة الوقيعة بين المكونين المدني والعسكري تهدف إلى المزيد من خلط الأوراق، وكسب الوقت حتى تتمكن من إعادة ترتيب أوضاع عناصرها العسكرية على الحدود.
وأشار، في تصريح لـ”العرب”، إلى أن هناك توافقا سودانيا بشأن التعامل مع أزمتي الحدود وسد النهضة عبر وسطاء في خطوة تشبه التحكيم الدولي، لكن من خلال خطوات دبلوماسية تضمن إمكانية إنهاء الأزمة في أقرب فرصة ممكنة، وعدم تمددها لسنوات طويلة بما يؤدي إلى صراع واسع بين البلدين.
ولم يمانع السودان من دخول الاتحاد الأفريقي أو الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة الأميركية على خط الوساطة مع إثيوبيا، وهناك إدراك بأن المواثيق الدولية والقانونية تصب في صالحه، وهو أمر تتهرب منه أديس أبابا بالبيانات العدائية التي تقلل من القدرات الدبلوماسية، وتقود الموقف نحو الصدام المباشر.
وفي الوقت الذي تصاعدت فيه الأمور إلى مستوى غير مسبوق من التراشق، بدأ محمد الحسن ولد لبات، مبعوث الاتحاد الأفريقي زيارة للخرطوم، الخميس، لمحاصرة التصعيد ومساعدة البلدين في حل الأزمة الحدودية، بعد أن وافقت أديس أبابا على هذا الدور، ما يعني تنحية وساطة جنوب السودان التي أعلن عنها مؤخرا.
وخُططت الحدود بين البلدين، ووُضعت عليها علامات منذ عام 1903، بناء على اتفاقية 1902 بين بريطانيا التي كانت تشارك في حكم السودان، وبين الامبراطور منليك الثاني الذي تم تخطيط الحدود بطلب وبتفويض موثق منه.
وظلت إثيوبيا منذ عام 1902 مروراً بالأعوام 1903 و1907 و1955 إلى 1981 وما بعدها، إلى الأعوام 2011 و 2013، تؤكد التزامها باتفاقية الأساس في هذا الأمر، ثم بدأت تبدي تبرما من الاتفاقيات التي وقعت في عهد الاستعمار.
وأقرت منظمة الوحدة الأفريقية، والتي تغير اسمها إلى الاتحاد الأفريقي حاليا، بندا رئيسيا في ميثاقها التأسيسي يقضي بعدم تغيير الحدود الموروثة عن الاستعمار منعا لتفجير خلافات جديدة بين الدول الأفريقية.