غياث كنعو
بدت صور نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس وزوجها دوغ إمهوف وهي تحتفل بعيد الحب أواسط الشهر الجاري لافتة للأنظار، إذ اختارت هاريس توزيع الحلوى والمكسرات على العاملين في مجال الرعاية الصحية في مركز فرجينيا الطبي بواشنطن في زيارة مفاجئة. حضور جديد لهاريس يشير إلى دورها البارز في الإدارة الأميركية الجديدة التي تمثّل فيها وجهاً غير مألوف جديداً وقوياً ويبشّر بالكثير من المفاجآت.
تزامن ذلك مع مطالبة هاريس للكونغرس الأميركي بالإسراع في اعتماد وتمرير خطة الإنقاذ من أجل مواجهة تفشي فايروس كورونا لتوفير اللقاحات مجانا لمواطني الولايات المتحدة، وغردت كامالا هاريس على حسابها في تويتر قائلة “ستجعل خطة الإنقاذ الأميركية اللقاحات مجانية ومتاحة للجميع. لا يسعنا الانتظار”.
ورغم وجود اعتراضات بين بعض الجمهوريين على بنود فى حزمة المساعدة، إلا أن مجلس الشيوخ وافق على إجراء سريع للميزانية بصوت هاريس الحاسم باعتبارها رئيسة المجلس، مما يسمح لهم بتمرير الحزمة دون دعم جمهوري. وأعطى مجلس النواب الموافقة النهائية على خطة الميزانية البالغة 1.9 تريليون دولار ودفعها إلى الأمام بالإجماع حتى حال وجود معارضة من الجمهوريين، حيث دفع الديمقراطيون إلى الأمام بخطط لبدء صياغة حزمة المساعدات خلال أيام وتسريعها فى مجلس النواب لإرسالها إلى مجلس الشيوخ بحلول نهاية هذا الشهر.
وحين تبدأ بالكتابة عن شخصية استثنائية في التاريخ السياسي العالمي أو على الأقل الأميركي منه وهو التاريخ الذي دخلته هذه الشخصية من أوسع أبوابه عبر مسيرة طويلة غير عادية توجت في محطتها الأخيرة اليوم بالوصول إلى هيكل يقود أعظم دولة في العالم، فإنك ستعثر على الكثير مما يجب التوقف عنده في حياة سيدة أصبحت في سن السادسة والخمسين أول امرأة وأول سوداء تحتل موقع نائب الرئيس الأميركي، متطلعة إلى الانتخابات الأميركية في عام 2024 على أمل تحقيق الاختراق المطلق بوصول امرأة سوداء رئيسة إلى البيت الأبيض بعد أن كانت تحمل صفة ثاني سيناتورة سوداء في تاريخ البلاد أيضاً.
وإن كان الرئيس الأسبق باراك أوباما ذو الأصول الأفريقية قد سبقها إلى ذلك البناء، لكن يكفيها فخراً أنها أول امرأة أفرو – آسيوية تدخل التاريخ من خارج العرق الأبيض بالمطلق كما يحلو للعنصرين البيض التغني بذلك لأبوين من أصول جامايكية من ناحية الأب وهندية من جانب الأم.
ما الذي رآه فيها بايدن؟
كثيرون يرون أن الفضل في فوز بايدن يعود لهاريس التي تتمتع بحيوية شبابية عالية جعلت بعضهم يؤكد أنه صوّت لصالح هذه المرأة السمراء وليس لبايدن. (الصورة لهاريس في ظهور مميز بعيد الحب قبل أيام)
ولدت “أم الضعفاء” كما يلقّبها الرئيس جو بايدن في 20 أكتوبرعام 1964 في ولاية كاليفورينا لأب كان مدرساً للاقتصاد في جامعة ستانفورد، وأم عالمة في مرض سرطان الثدي. ورغم انفصال والديها إلّا أن الظروف التي أحاطت بهذه الطفلة منحتها من القوة والعزيمة والإصرار ما كان كفيلاً بتحقيق حلمها من خلال مسيرة مهنية تنطبق عليها مواصفات الحلم الأميركي، وهي التي حلمت منذ طفولتها أن تصبح أول رئيسة سوداء في الولايات المتحدة.
نالت درجة البكالوريوس من جامعة هوارد بعد أربع سنوات قضتها في هذه الجامعة التي تعد إحدى جامعات السود التاريخية في واشنطن، ومن ثم انتقلت لدراسة القانون في كلية هايستنغر بجامعة كاليفورنيا لتبدأ حياتها المهنية لاحقاً في دائرة الادعاء العام بمقاطعة ألاميدا، فشغلت منصب المدعي العام لسان فرانسيسكو لولايتين ومن ثم انتخبت لمنصب المدعي العام في ولاية كاليفورنيا أيضاً لدورتين متتاليتين.
رفع الخطاب الذي ألقته هاريس في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي عام 2012 من أسهمها ومكانتها السياسية على مستوى البلاد ليعاد انتخابها مجدداً في منصب المدعي العام، وهو العام الذي تزوجت فيه من المحامي إيمهوف. ومع الوقت اكتسبت هاريس سمعة جيدة لتصبح واحدة من النجوم الصاعدة في الحزب الديمقراطي، وهو الأمر الذي دفع بها للترشح لاحقاً إلى مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا.
تعتز هاريس بكونها عضوا في منظمة “ألفا كابا ألفا” وهي منظمة نسائية أنشأتها جامعيات أميركيات من أصول أفريقية في عام 1908 كنواة أولى في جامعة هوارد في العاصمة واشنطن، وكانت مجموعة من ست عشرة طالبة بزعامة إيثيل هيدجمان لايل، إلى أن ولدت المنظمة “ألفا كابا ألفا” فعلياً في 29 ينايرعام 1913 لإزالة العوائق أمام النساء الأميركيات من أصول أفريقية وإتاحة الفرص أمامهن، لاسيما في ظروف أوائل القرن العشرين والعنصرية التي كانت سائدة آنذاك.
وكان حضور هاريس في مجلس الشيوخ مبهراً، حيث استخدمت مهاراتها وأسلوبها الصارم في الاستجواب من خلال ما اكتسبته من عملها كمدعية عامة في مواجهة مرشحي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
حقول كامالا
البعض يتوقع أن يعهد بايدن بسبب سنّه وطبيعته الهادئة بالملفات الخارجية الساخنة إلى هاريس التي يصعب تحديد الأيديولوجيا التي تحكم نظرتها إلى ما يدور في العالم من جهة، وإلى تأثيره على مصالح الولايات المتحدة من جهة ثانية
هناك من يرى أن الفضل في فوز بايدن في الكثير منه يعود إلى هذه السمراء التي تتمتع بحيوية شبابية عالية، إذ استطاعت من خلال ذلك استقطاب أصوات أولئك المتعطشين لتمثيل أفضل في قمة هرم السلطة، حيث أكد بعض الناخبين أنهم صوتوا لصالح هذه المرأة السمراء وليس لبايدن.
لقد أبهرت الكثيرين بثقافتها العالية وإن كانت لا تخفي اعتزازها بثقافتها الهندية التي نشأت عليها، وقالت في معرض رد على سؤال ما إذا كانت سترتدي “الساري” في حفل التنصيب “لقد ربّتني والدتي بتقدير كبير لخلفيتنا الثقافية. إن الاحتفالات التي نشارك فيها جميعاً تظهر جمال هويتنا كأمة أميركية”. و”الساري” هو الزي الذي يعود إلى آلاف السنين حاملاً قيمة ثقافية في الهند موطن والدة هاريس. ورغم الاحتجاجات التي سبقت حفل التنصيب وحصار مبنى الكونغرس واقتحامه وكافة التحديات الأمنية حينها، إلا أن السؤال ظل وقتها ماذا سترتدي نائبة الرئيس؟ حيث اعتبر بعضهم أن ارتداء هاريس لـ”الساري” سيشكل رمزاً قوياً لنيّة الإدارة الجديدة تمثيل الأقليات بشكل أفضل.
سرقة هاريس للأضواء لا تقتصر على دورها هي في الملفات التي تتناولها حالياً مع قادة العالم كما في اجتماعاتها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والحديث عن المناخ أو في قضايا اللقاح والتعليم، بل أن أفراد أسرتها يقومون أيضاً بمساندة وتعزيز مكانة المرأة القوية.
فعلى الرغم من أن أهم ما تركّز عليه هاريس، كما تقول بنفسها، أنها عملت طوال مسيرتها “لإصلاح نظام العدالة الجنائية لأنه معيب بشدة وفي حاجة للإصلاح”، إلا أن موقف ابنة اختها مينا هاريس تسبب لها بإحراج من نوع خاص حين دعت إلى إطلاق سراح الناشطة والمدافعة عن حقوق العمال نوديب كور المسجونة منذ أكثر من شهر في ولاية هاريانا الهندية والتي أحدث اعتقالها موجة غضب واسعة حول العالم. وقد كتبت مينا على تويتر أن الناشطة “اعتقلت وتتعرض للتعذيب والاعتداءات الجنسية في مركز احتجازها لدى الشرطة” مما دفع عدداً من المتطرفين الهندوس إلى حرق صور مينا هاريس خلال تظاهرة لهم في الولاية، وغرد آلاف آخرون حول قضيتها وعبّر قادة الفلاحين والطلاب النشطاء في ولاية البنجاب شمال الهند عن تضامنهم معها.
وسبق للبيت الأبيض أن أمر مينا بالتوقف عن نشاطها والترويج لمنتجاتها باستخدام اسم نائبة الرئيس وذلك بعد الانتخابات، وحينها كانت قد أطلقت مجموعة من الملابس التي تتضمن اقتباسات من أحاديث كامالا مثل “أنا أتحدث” وهو التعبير الذي استخدمته في مناظرتها مع نائب الرئيس السابق مايك بنس. وبالإضافة إلى الملابس فإن مينا تبيع أيضاً سماعات رأس عليها كلمات خالتها مع كتاب مصور للأطفال عن شقيقتين تعملان مع مجتمعهما لإحداث التغيير.
تباين في المواقف مع بايدن
قراء المستقبل السياسي لهاريس يتوقعون أن يعهد بايدن، بسبب سنّه وطبيعته الهادئة، بالملفات الخارجية الساخنة إليها، وهي التي يصعب تحديد الأيديولوجيا التي تحكم نظرتها إلى ما يدور في العالم
وفي الوقت الذي يترصّد فيه العالم تبدّي ملامح سياسة بايدن الدولية يوماً بيوم، يسجل لهاريس معارضتها للسياسة الخارجية الأميركية زمن ترامب، لاسيما في الملف السوري وكذلك مواقفها المتشددة والحازمة حيال نظام الرئيس السوري بشار الأسد نفسه جراء الجرائم التي ارتكبها بحق شعبه، حيث أصدرت في السادس من أبريل عام 2017 بياناً طالبت فيه بعمل عسكري أميركي في سوريا، وذلك على خلفية استخدام نظام الأسد الأسلحة الكيميائية في مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، وأهم ما جاء في بيانها أن “الأسد هاجم المدنيين الأبرياء بشراسة بمن فيهم عشرات من الأطفال الذين ماتوا اختناقاً بالأسلحة الكيميائية، وهذا الهجوم يعزز الحقيقة الواضحة بأن الرئيس الأسد ليس فقط دكتاتوراً لا يرحم ويعامل شعبه بوحشية، بل إنه مجرم حرب لا يمكن للمجتمع الدولي تجاهله”. ويضاف إلى ما سبق انتقادها لمواقف إدارة ترامب “المتذبذبة” بدعم الأكراد في سوريا.
ويعتقد بعضهم أن مواقف هاريس لا تنطلق فقط من خلفية سياسية بل من طبيعتها كمدافعة من وجهة نظر إنسانية، إذ ترى أن للشعوب الحق في الحرية والعيش بكرامة، لذا لا يجوز لأي كان أن يحرم الإنسان من حقه في العيش وينبغي محاسبة نظام الأسد على ما ارتكبه ويرتكبه بحق شعبه. ورغم كل ما سبق لم تسجل حتى لحظة إعداد هذه المادة لإدارة بايدن ولا حتى لنائبة الرئيس فيها مواقف واضحة ولم نسمع تصريحات محددة حيال الكثير من الملفات الدولية وخاصة الملفات الأكثر إلحاحا وتعقيداً، وإن كانت بعض ملامح سياسة هذه الإدارة بدأت تتضح من خلال ما يجري في ليبيا واليمن، إلا أن ذلك برأي المراقبين غير كاف حتى اللحظة.
الحديث يدور في الكواليس عن توتر بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس بايدن، بينما يمكن استحضار لقاء هاريس الحار بنتنياهو عام 2017 حين صوتت في مجلس الشيوخ على قرار يحتفل بالذكرى الخمسين لـ”توحيد القدس”
هاريس كان لها تاريخ مثير مع بايدن ذاته الذي وصفته بكلمات قاسية خلال سعيها للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، حيث اتهمته بأنه حين كان سيناتوراً عن ولاية ديلاوير خلال السبعينات عارض قانوناً يسمح بنقل الطلاب السود من أحيائهم إلى مدارس في أحياء البيض في محاولة لإنهاء التمييز العنصري في المدارس. لكن هذا أصبح من الماضي بعد أن اختارها لتكون نائبة له في أغسطس الماضي. وقد سبق لكبار المحللين حول العالم وأن توقعوا أن يعهد بايدن بسبب سنه وطبيعته الهادئة بالملفات الخارجية الساخنة إلى هاريس التي يصعب تحديد الأيديولوجيا التي تحكم نظرتها إلى ما يدورفي العالم من جهة، وإلى تأثيره على مصالح الولايات المتحدة من جهة ثانية.
وذات يوم ألقت هاريس خطاباً أمام مؤتمر “أيباك” في طريقها إلى أعلى السلم قالت فيه إن “دعم الولايات المتحدة لأمن اسرائيل يجب أن يكون صلبا كالصخر، وبينما تطلق إيران صواريخها الباليستية وتسلح حزب الله، يجب علينا أن نقف إلى جانب إسرائيل”. وبينما يدور حديث في الكواليس عن توتر بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس بايدن، يمكن استحضار لقاء هاريس الحار بنتنياهو عام 2017 وهي التي صوتت في مجلس الشيوخ على قرار يحتفل بالذكرى الخمسين لـ”توحيد القدس”. لكنها تقف ضد خطط إسرائيل لتطبيق سياسة الضم على أجزاء من الضفة الغربية، وقد كتبت ذلك لترامب موضحة بعد التأكيد على دعمها الثابت لأمن إسرائيل أنها تشعر بقلق عميق إزاء تحذيرات بعض أبرز قادة الدفاع والاستخبارات الإسرائيليين السابقين بشأن الضم الذي يعتقدون أنه قد يؤدي إلى صراع خطير وانهيار إضافي للتعاون الأمني مع قوات الأمن الفلسطينية، وتشويش العلاقات السلمية بين إسرائيل وجاريها الأردن ومصر.
وتتطابق هاريس مع بايدن في اتهام روسيا بالتدخل في مسار الانتخابات الأميركية وبخلق وضع استبعد هيلاري كلينتون، وكذلك حول أوضاع حقوق الإنسان في الصين. وعلى الرغم من أنها انتقدت سابقا سياسات الصين الاقتصادية التي تلحق ضررا بالمصالح الأميركية، إلا أنها انتقدت أيضا الحرب التجارية التي أعلنها ترامب عليها.
ومع كل مواقفها تلك تبقى مطالبتها لمجلس الشيوخ بعد قتل قاسم سليماني بإصدار قرار يمنع ترامب من استخدام أموال وزارة الدفاع من أجل شن حرب على ايران الأكثر إثارة للجدل حول توجهات “أم الضعفاء” التي لا ترى في إيران خطراً يهدّد “ضعفاء” العراق وسوريا واليمن ولبنان والمشرق العربي بأسره.
كثيرون يرون أن الفضل في فوز بايدن يعود لهاريس التي تتمتع بحيوية شبابية عالية، إذ استطاعت من خلال ذلك استقطاب أولئك المتعطشين لتمثيل أفضل في قمة هرم السلطة، حتى أن بعضهم أكد أنه صوّت لصالح هذه المرأة السمراء وليس لبايدن
المصدر : العرب اللندنية