زعيما روسيا وبيلاروس يتلقيان وسط تحديات أهمها الخوف من “الثورات الملونة”
كتب : سامي عمارة
فيما كان ألكسندر لوكاشينكو رئيس بيلاروس يستعد للسفر إلى سوتشي بدعوة من الرئيس فلاديمير بوتين، فاجأت سفيتلانا تيخانوفسكايا منافسته السابقة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وزعيمة المعارضة في بيلاروس، الداخل والخارج بإعلان اعترافها بـ “هزيمة المعارضة”، وإن ظلت تحتفظ لنفسها بالأمل في المزيد من الدعم الخارجي لتعويض تراجع مواقع المعارضة في الداخل.
وقالت تيخانوفسكايا في حديث صحافي أدلت به إلى صحيفة “لاتيمز” السويسرية إنه يجب الاعتراف بأن “المعارضة فقدت الشارع في بيلاروس”. وعزت زعيمة المعارضة التي كانت رحلت عن بلادها في أعقاب الإعلان عن فوز لوكاشينكو وهزيمتها وزملائها من المرشحين في انتخابات أغسطس (آب) الماضي، لتقود حركة المعارضة من الخارج، ما جرى من تراجع وإخفاقات، إلى “توقف الإمدادات المالية لمكافحة عنف النظام الذي يملك القوة والسلاح، ضد المحتجين”، وهو اعتراف قد يكون أقرب إلى إدانة المعارضة التي تعتمد في نشاطها على دعم القوى الخارجية من جانب، وفضح الأوساط الخارجية التي تقوم بتمويل هذه المعارضة، وبالتدخل في الشؤون الداخلية لبيلاروس “، من جانب آخر.
وقد جاءت هذه الاعترافات في أعقاب إعلان لوكاشينكو عن عدد من الاقتراحات حول الإصلاحات الدستورية في “منتدى عموم شعب بيلاروس” الذي عقده في مينسك في 11-12 فبراير (شباط) الجاري، ومنها ما قاله حول “أن العمل جار على إعداد نسخة ثالثة من التعديلات الدستورية يجرى النظر فيها لاستكمال شكلها النهائي في غضون العام الحالي، لطرحها لاحقاً للنقاش العام قبل إقرارها من خلال استفتاء دستوري في مطلع عام 2022”. وأعرب عن “قناعته التامة بضرورة أن تبقى بيلاروس جمهورية رئاسية”، حتى بعد تنحيه عن الحكم الذي لم يحدد موعداً له. وكشف في الوقت نفسه عزمه على إعادة توزيع الصلاحيات الرئاسية بشكل جذري.
الرحيل ظل ضميراً مستتراً
غير أن رئيس بيلاروس لم يعد إلى ما كان أعلن عنه حول احتمالات رحيله عن السلطة في غضون عام، مكتفياً بالإشارة إلى “أن ما يتمتع به من صلاحيات تشكل عبئاً مفرطاً على شخص واحد”. وقال بضرورة النظر في وضع “خطة مفصلة لإعادة توزيع الصلاحيات”، وأنه سوف يفكر عملياً في تطبيقها بشكل مكثف بعد انتهاء أعمال “منتدى عموم الشعب”.
وفيما أعاد لوكاشينكو تأكيده “على أنه لا يصدق إعلان المعارضة في بيلاروس حول نواياها بشأن تنظيم انتخابات رئاسية جديدة بعد تغيير السلطة في البلاد”، قال إنه يتعهد بإجراء “انتخابات نزيهة وشفافة” بعد استكمال جميع الوثائق المطلوبة”. لكنه سرعان ما عاد ليطرح شروطه للتخلي عن الحكم، ومنها “ضمان السلام والنظام والالتزام التام بالقانون، وعدم تنظيم أي حملات احتجاجية في بيلاروس، إلى جانب عدم ملاحقة مؤيديه”.
ذلك ما خلص إليه ألكسندر لوكاشينكو مع أنصاره في بيلاروس، وما يطرحه دليلاً على جدية تنفيذه لما قطعه على نفسه من وعود خلال لقاءاته السابقة مع فلاديمير بوتين، الذي يعود ليلتقيه اليوم (الاثنين 22 فبراير/ شباط) في سوتشي على ضفاف البحر الأسود. ويتوقع المراقبون أن تحدد مباحثات اليوم ليس فقط الكثير من ملامح مستقبل العلاقات بين البلدين، بل وأيضاً مستقبل الزعيمين بوتين ولوكاشينكو، على ضوء ما تشير إليه الشواهد من نجاح لوكاشينكو في تجاوز ذروة الأزمة، والبقاء في موقعه على قمة السلطة، وترحيل الإصلاحات الدستورية التي كان وعد بتنفيذها في العام الماضي، إلى ما بعد إجراء الاستفتاء الشعبي عليها في موعد لاحق من العام المقبل.
ولا شك في أن تلك مهلة يمكن أن تتيح له المزيد من الوقت لترسيخ مواقعه على قمة السلطة قريباً من موسكو، وفي القمة المقررة سيتمكن لوكاشينكو من استجلاء مستقبل روسيا بعد عام 2024 واستيضاح ما إذا كان بوتين يمكن أن يرشح نفسه لولاية خامسة، مستفيداً من التعديلات الدستورية التي أجريت في العام الماضي، على رغم يقينه ويقين آخرين من المراقبين بتضاؤل مثل هذه الاحتمالات، من دون استبعاد احتمالات بقائه على مقربة من السلطة في مواقع مغايرة عن ذي قبل.
ماذا عن الوحدة بين روسيا وبيلاروس؟
ولعل اقتراب “التاريخين 2022 و2024″، وما أشار إليه لوكاشينكو حول “الفترة الانتقالية” في بيلاروس، يقول ضمناً أن ما كان مطروحاً بالأمس القريب وقبل إجراء التعديلات الدستورية في روسيا حول احتمالات إتمام الوحدة بين روسيا وبيلاروس سبيلاً لبقاء بوتين في سدة السلطة بالكرملين بعد عام 2024، يمكن أن يعود إلى صدر المائدة مجدداً، لكن من مواقع أفضل عن ذي قبل بالنسبة لرئيس بيلاروس.
وكان لوكاشينكو كشف عن وجود مثل هذه الأفكار، في حديثه مع الصحافي الأوكراني دميتري جوردون قبل إجراء الانتخابات الرئاسية في بيلاروس في أغسطس (آب) الماضي. وبهذا الصدد نقل موقع “لينتا رو” عن لوكاشينكو ما قاله حول “الاستعداد للسير قدماً على طريق الوحدة وتوحيد جهودنا ودمج البلدين والشعبين، بقدر الاستعداد الذي يبديه الشعبان، لو كان الأمر بيدينا، لأعلنا عن الاتحاد غداً. لا توجد لدينا أي مشكلة في ذلك”. غير أنه عاد ليقول إن “لا أحدَ يعتزم بحث قضايا سيادة أي من الطرفين، لأن سيادة روسيا وبيلاروس “أيقونة مقدسة”.
وعلى الرغم من تأكيدات لوكاشينكو أنه لن يقبل بأن يكون رقماً هامشياً إلى جانب بوتين في دولة الاتحاد بين روسيا وبيلاروس، إلا أن ما أعقب ذلك من تطورات عاصفة وتظاهرات كادت تطيح به من منصبه، أعادت هذه التوقعات إلى صدارة الاحتمالات، مع الأخذ في الاعتبار تغير الظروف والمسميات. كما أن تصاعد الضغوط من جانب بلدان الاتحاد الأوروبي والإدارة الاميركية الجديدة ضد كل من بوتين ولوكاشينكو يمكن أن تدفع كلاً من الزعيمين إلى تغيير استراتيجيات الأمس والتفكير في العودة إلى وضع حيز التنفيذ، ما سبق ولجأ إليه الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين بإعلان “دولة الاتحاد” مع بيلاروس في الثاني من أبريل (نيسان) عام 1996، أي قبل موعد الانتخابات الرئاسية في روسيا في يونيو (حزيران) من العام نفسه لتجاوز تدني مستوى شعبيته، واستمالة الغالبية من القوميين الروس المناهضين لسياساته في ذلك الحين.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، فإن ما يترد في كل من البلدين حول ضرورة البحث عن بديل لكل من لوكاشينكو في بيلاروس، وبوتين في روسيا، يمكن أن يكون حلاً مناسباً لمشكلة “تداول السلطة” في البلدين في إطار الابتعاد بكل منهما عن “سيناريو الثورات الملونة”، بما يحافظ على المصالح الوطنية للبلدين، ووحدة واستقلال وسلامة أراضيهما.
ويذكر المراقبون في موسكو مدى اهتزاز مواقع لوكاشينكو تحت وقع تدفق التظاهرات إلى شوارع مينسك وكبريات المدن في بيلاروس في أعقاب إعلان رفض المعارضة قبول نتائج الانتخابات الرئاسية واتهاماتها له بالتزوير. ويذكرون أيضاً أن موسكو سارعت إلى مد يد العون إليه مادياً وعسكرياً واقتصادياً، فيما وجه الرئيس بوتين إليه الدعوة لزيارة سوتشى على رغم ما ناله منه من انتقادات واتهامات بمحاولة فرض الهيمنة على بيلاروس والسيطرة على مقدراتها الاقتصادية.
ويرصد المراقبون داخل روسيا وبيلاروس وخارجهما تعثر التوصل إلى ما ينشده المجتمع في بيلاروس من استقرار، على ضوء استمرار التدخل الخارجي من جانب البلدان المجاورة ومنها بولندا وبلدان البلطيق وفي مقدمتها ليتوانيا بموجب سيناريو شبيه بالسيناريو الذي نجحت الدوائر الغربية في تطبيقه في أوكرانيا في عام 2014.
هل يلعب لوكاشينكو على الحبلين؟
وعلى رغم أن التطورات الأخيرة تشير إلى نجاح لوكاشينكو في استعادة الكثير من مواقعه، وتجاوزه للكثير مما ارتكبه من أخطاء، متكئاً على دعم واضح من جانب “الشقيقة الكبرى” روسيا، فإنه يظل هدفاً ليس صعب المنال بالنسبة للمعارضة التي تحاول الاستفادة من تصادم المصالح الروسية والغربية في بيلاروس.
كما أن ما شهده “منتدى عموم شعب بيلاروس” من مظاهر العداء لروسيا والخوف مما يسميه البعض بالطموحات التوسعية، يمكن أن يفسر تحول الحديث من التلميح إلى التصريح في روسيا حول محاولات لوكاشينكو “اللعب على الحبلين- الروسي والغربي” بحجة “ضرورة اعتماد تنويع السياسات” و”عدم الانحياز” إلى طرف من دون غيره، وهي محاولات قالت موسكو إنها غير صائبة في توقيت مواكب لاستمرار الضغوط الغربية وإصرار الولايات المتحدة على استكمال السير صوب تنفيذ استراتيجيتها الرامية إلى الإطاحة بالنظام في روسيا واحتواء ما بقي من الجمهوريات السوفياتية السابقة بموجب “سيناريو الثورات الملونة”.
وثمة من يقول إن الزعيمين بوتين ولوكاشينكو صارا مدعوين أكثر من ذي قبل، إلى الاتفاق حول “استراتيجية موحدة” لمواجهة خصومهما، وهو ما يمكن أن يفسر عودة البعض من الجانبين إلى ما سبق وظل “بين ثنايا النسيان” في علاقات البلدين، وهي المعاهدة الاتحادية الموقعة بينهما في 25 ديسمبر (كانون الأول) 1998 والتي أعقبتها روسيا وبيلاروس باتفاقية ثانية وقعها زعيما البلدين في الثامن من ديسمبر 1999 “لتحديد الاتجاهات الرئيسية والمراحل المستقبلية لتحديد شكل التكامل بين البلدين”، وهي التي دخلت حيز التنفيذ في 26 من يناير 2000 بعد إقرار برلماني البلدين لها، ممهورة بتصديق الرئيسين بوتين ولوكاشينكو عليها”.
ومن المعروف أن هذه المعاهدة الاتحادية لا تزال سارية المفعول وتقضي بتبني الاتحاد بين البلدين لسياسات خارجية وأمنية ودفاعية واحدة، إلى جانب ميزانية مشتركة، وسياسة مالية ائتمانية وضريبية موحدة، وتعريفة جمركية موحدة، ومنظومات واحدة للطاقة والاتصالات والمواصلات.
فهل تكون هذه المعاهدة قارب النجاة الذي يمكن أن يصل بالزعيمين بوتين ولوكاشينكو إلى شاطئ الأمان لحل معضلة البقاء في السلطة أو على مقربة منها، وكذلك بالبلدين عن أخطار “الثورات الملونة” و”أطماع القوى الخارجية” التي يرون أنها لا تزال تواصل التربص بهما إلى حين تنفيذ ما ترومه من أهداف؟
نقلا” عن أندبندنت عربية