رواية عمر طاهر تثير سجالاً بعد اختيارها في اللائحة القصيرة لجائزة نجيب محفوظ
كتب : عبد الكريم الحجراوي
يحظى الكاتب المصري عمر طاهر (1975) بمكانة لافتة بين القراء الشباب، نتيجة للمواضيع الشيقة التي تتناولها كتبه ذات الحس الفكاهي الساخر وأسلوبه السهل في عرض المعلومات، التي تجعل أعماله في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، ليقرر كتابة عمله الروائي الأول “كحل وحبهان” (الكرمة) الذي لاقى رواجاً بين قرائه ووصل إلى القائمة القصيرة لجائزة نجيب محفوظ التي تمنحها الجامعة الأميركية في القاهرة.
وما أن جرى إعلان تلك القائمة التي تضم ست روايات حتى ثار جدل في الوسط الثقافي المصري بخاصة، وأن كثيراً من “كُتَّاب النخبة” لا يعدون “كحل وحبهان” عملاً روائياً، وأنه يفتقد لآليات الكتابة الروائية، مستشهدين بتصريحات سابقة للمؤلف نفسه بأن إضافة كلمة رواية على غلاف الكتاب كانت بطلب من الناشر، وأنه لا يسعى إلى تصنيف عمله وإنما الاستمتاع بما هو داخله.
وهو الأمر الذي خرج ونفاه عمر طاهر بعد وصول عمله إلى القائمة القصيرة لجائزة نجيب محفوظ قائلاً بأن هذا التصريح المنسوب إليه “مفبرك”، وأنه رفض الرد عليه وقتها حتى لا يعطيه قيمة، موضحاً أن الرواية كانت أول عمل أدبي له علاقة بالأكل والرائحة والتذوق، وما يتعلق بها.
رواية مونولوجية
تدور أحداث النص حول الطفل عبدالله “سيسكو” ذي الـ 14 عاماً عام 1988 في بيت عائلته، ويحكي عن 5 أيام فاصلة عن حفلة المطرب محمد منير التي يشترط الأب على ابنه كي يسمح له بحضورها ألا يرتكب أخطاء خلال تلك المهلة. ومع كل يوم من هذه الأيام الخمسة يحدث تقاطع زمني إلى أعوام 2008، 2009، 2017 حيث البطل في مرحلة شبابه وعمله في شركة أدوية بعد تخرجه من كلية الصيدلة.
ويأتي الحديث في الرواية بضمير متكلم فتغيب عنها تعددية الأصوات. فهناك رؤية واحدة منقولة عبر السارد، رواية مونولوغية ذات منظور ضيق الرؤية للحياة. وتقع الرواية في ما يقع فيه الروائيون في أول أعمالهم عادة فهي تبدو كخواطر أو مذكرات شخصية.
يحوي النص كثيراً من التيمات التي يعتمد عليها الأدب الأكثر رواجاً بين القراء الشباب، ومن بينها الاعتماد على اجترار الذكريات والحنين إلى الماضي. فالرواية في كثير من تفاصليها، تعمل على إشباع هذه الرغبة لدى القراء بنقل ذكريات المراهقة وقصص حبها، وشرب السجائر، وشرائط الكاسيت، والألعاب التي تربى عليها جيل الثمانينيات، وذكريات المدرسة والزملاء، والحديث عن الجدات، وعن طعام الأمهات، وعن المحلات وشكل الشوارع في حقبة ما… وما يشغل هذا الجيل وقتها، وضرب الآباء للأبناء على شرب السجائر، ودخول أجهزة التلفاز الملونة، والهواتف الأرضية، وما يدور في البيوت من أحاديث وعادات وتقاليد…
التيمة الثانية التي تشترك فيها الرواية مع الأدب الأكثر مبيعاً التركيز على المشاعر لا الأحداث، والاعتماد على التشبيهات والجمل ذات الوقع الرنان التي تسمح لقراء هذه النوعية من الكتب بنشرها على صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. ومنها ، “القهوة هي مزاج الأشخاص الذين يحفظون للكوكب توازنه”، “في هذا البيت التربية مسؤولية الأب والحياة مسؤولية أمي، يدير الأب منظومة العقاب وتحترف أمي المكافأة”، “يتوقف طعم طبخة على مذاق الشُربة (الحساء)، مثلما يتوقف أثر العطر على رائحة الجلد نفسه”، “السعادة عايزة حرامية لأنها مبتجيش غير سرقة”، “لا تدخل السوبر ماركت وأنت جائع”.
اليومي والعادي
التيمة الثالثة للأدب الذي يستهوي القراء في مطلع الشباب، هي سرد ما هو يومي وعادي، فيشعر القارئ أن المؤلف ليس بعيداً عنه ويحكي ما مر به هو شخصياً من تجارب. وكذلك الأحداث المتكررة التي فعلها الجميع، المشاعر التي يتشاركها الناس، كلها أمور تخلق حالة من التواصل النابع من المشابهة. ونص “كحل وحبهان” يعج بهذه النوعية، مثل قصة حب المراهقة بين عبدالله والطالبة سحر، وذكريات المدرسة، وسرقة الطعام من المطبخ، وكرة القدم. سرد المؤلف للأشياء التي تصيبه بالتوتر والإرهاق فكل إنسان لديه ما يصيبه بالتوتر والضيق فعنصر المشابهة فاعل في كتاب “كحل وحبهان”.
التيمة الرابعة هي قصة الحب، ومعروف أن أي رواية لا تخلو من قصص الحب عادة، بما في ذلك الكتب الأكثر مبيعاً. ويقدم عمر طاهر قصتين للحب في روايته، الأولى في فترة المراهقة ورحلة اكتشاف الجنس الآخر مع الطالبة سحر ملاك، والثانية مع “صافية” الفتاة التي تشاركه في الاهتمامات حول تقديس الطعام. وحبكة قصة الحب معتادة الصدفة تجمع بين الحبيبين، ثم الانجذاب ثم الافتراق ثم رحلة بحث البطل عن محبوبته إلى أن تصل إلى النهاية السعيدة بزواج البطلين.
التيمة الخامسة هي الأسطرة، بتحويل حدث ما إلى أسطورة وتضخيمة. وفي هذه الرواية يجري تقديس الطعام بوصفه حدثاً غير عادي، ويكثر الحديث حول أنواعه وطقوسه. وكذلك تجري أسطرة المطرب المصري “محمد منير” على غرار ما يحدث في روايات أخرى من أسطرة لأم كلثوم وفيروز. كما أن الرواية تضفي أهمية خاصة على “القهوة” بوصفها محور العالم ودلالة من دلالات العمق لمن يشربها.
أدب المقالة
ولا يغيب عن قاري “كحل وحبهان” الصبغة الصحافية التي كتبت بها، كأنها عبارة عن مقالات منفصلة قد جرى جمعها في كتاب واحد، وتعتمد على التداعي الحر للأفكار دون حبكة واحدة تربط العمل ببعضه بعضاً في وحدة عضوية واحدة. ويسهل وضع فهرسة للمواضيع المقالية التي تتناولها الرواية علي سبيل المثال “مقال حول جماليات القهوة ونوعيات البن، مقال حول الأكلات المصرية المصقعة وطبيعة الباذنجان والأكلات التي يدخل فيها، ومقال حول أنوع المحشيات والفوارق بينها، ومقال حول اللحم بوصفه سيد الأطعمة، ومقال حول الأسماك، والحديث عن آداب الطعام، والحديث عن أنواع التوابل وتاريخ القرفة الزنجبيل، وطريقة عمل المولوخية… ويستغرق الكاتب في كل طعام أو موضوع من هذه المواضيع صفحات، ما يجعل العمل يفتقد للحبكة الروائية المعروفة. كما أن الأحداث فيه قليلة جداً مقارنة مع الحديث عن الأطعمة والتوابل. فهو كتاب في مديح الطعام أكثر من كونه رواية بالمعنى الحقيقي للرواية التي على الرغم من ديمقراطيتها كجنس أدبي، إلا أن لها خصائصها في تكون الأحداث والحبكة والصراع وطرائق بناء الشخصيات. لقد افتقد عمل عمر طاهر إلى كثير من هذه الآليات الروائية المعروفة.
وفي الختام، فإن الجدل الذي أثارته “كحل وحبهان” يدفع للتساؤل حول الآليات التي بناء عليها، تختار لجان التحكيم في مصر بالتحديد وفي العالم العربي عموماً الأعمال المرشحة لجائزة ما أو الفائزة بجائزة ما، والتساؤل حول معايير الفصل بين الأجناس الأدبية وتصنيف الأعمال الإبداعية ضمن هذه الأجناس . فإن كان الفصل الحاد غير ممكن والتداخل بين الأجناس الأدبية قائماً، إلا أن هناك معايير يجب الاحتكام إليها، فلا يمنح كتاب في التأريخ الأدبي جائزة في النقد، أو كتاب في الأدب غير الخيالي جائزة في الرواية.
نقلا” عن أندبندنت عربية