كريتر نت – العرب
تستخدم الأوساط اليمينية المتطرفة في مختلف البلدان الإنترنت للتواصل، الأمر الذي سهل عمليات استقطاب أتباع جدد ونشر الأيديولوجيا المتطرفة على نطاق واسع، ما يمثل تحديات أمنية هائلة أمام الحكومات. ويتفق الخبراء على ضرورة أن يتبادل العاملون في مجابهة النشاطات اليمينية المتطرفة الخبرات والمعارف عبر الحدود لاحتواء تنامي الظاهرة.
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الاثنين من أن الحركات المؤمنة بفكرة تفوق العرق الأبيض والنازية الجديدة تتحول إلى “تهديد عابر للحدود” وقال إنها استغلت جائحة فايروس كورونا لتعزيز شعبيتها، فيما تكافح الحكومات الغربية لاحتواء النزعات المتطرفة التي استغلت فايروس كورونا لمزيد تنسيق تحركاتها.
وأضاف غوتيريش مخاطبا مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن خطر الجماعات المدفوعة بالكراهية يزداد يوما بعد يوم.
وقال في اجتماع في جنيف دون أن يحدد دولا بالاسم “حركات تفوق العرق الأبيض والنازية الجديدة ليست مجرد تهديد إرهابي محلي، إنها تتحول إلى تهديد عابر للحدود”. وتابع “أصبحت هذه الحركات المتطرفة اليوم تمثل التهديد الأول للأمن الداخلي في عدة دول”.
وفي الولايات المتحدة اعتملت التوترات العرقية خلال فترة حكم الرئيس دونالد ترامب التي استمرت أربع سنوات. وقال الرئيس جو بايدن إن هجوم أنصار ترامب على مبنى الكونغرس يوم السادس من يناير نفذه “بلطجية ومتمردون ومتطرفون سياسيون وأنصار تفوق العرق الأبيض”.
وأضاف غوتيريش “كثيرا جدا ما يشيد أفراد في مواقع المسؤولية بجماعات الكراهية تلك بشكل كان لا يمكن تصوره قبل وقت قريب”. وتابع “نحتاج إلى تحرك دولي منسق للتغلب على هذا الخطر الشديد المتنامي”.
ومع وصول ترامب إلى السلطة، ظهرت تلك المجموعات بمشاركة مناصريها في تجمع لليمين المتطرف في شارلوتسفيل في فرجينيا عام 2017، ثم بمشاركتها أيضا في المظاهرات المناهضة للقيود الهادفة لاحتواء فايروس كورونا خلال الربيع وأيضا خلال المظاهرات ضد وحشية الشرطة في الصيف.
وأكثرها شهرة هي مجموعة “ثري بيرسنترز” و”أوث كيبرز” و”براود بويز” وكذلك “بوغالوس بوا” و”باتريوت براير”. وتشترك تلك المجموعات بدفاعها عن حق امتلاك السلاح والعداء للحكومة والسلطة والأفكار اليسارية.
أنطونيو غوتيريش: خطر الجماعات المدفوعة بالكراهية يزداد يوما بعد يوم
وبعضها مؤيد للأفكار الداعية بتفوق العرق الأبيض ولديها ارتباطات بحركات للنازيين الجدد، وتعتبر أن قوات الأمن عملاء حكومة استبدادية، فيما تحضر أخرى لثورة وطنية أو حرب عرقية.
وفي بعض الأحيان يعتنق أصحابها أفكار حركة اليمين المتطرف “كاي أنون” المؤمنة بنظرية المؤامرة، والتي تعتبر أن ترامب يخوض حربا سرية ضد جماعة ليبرالية عالمية مؤلفة من متحرشين بأطفال وعبدة شياطين.
وبحسب خبراء، تضم هذه المجموعات الآلاف من المؤيدين في البلاد، وهي تتواصل برسائل مشفرة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ووفق دراسة أعدت بطلب من وزارة الخارجية الألمانية نشرت في وقت سابق هذا العام، يسعى نشطاء اليمين المتطرّف في أوروبا والولايات المتحدة بشكل متزايد إلى بناء روابط عالمية واستغلال جائحة كورونا لاستمالة مناهضين للقاحات وأتباع نظريات المؤامرة.
وخلصت الدراسة التي أعدّتها منظمة “مشروع مكافحة التطرف” وشملت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والسويد وفنلندا، إلى صعود حركة جديدة لليمين المتطرف اعتبارا من العام 2014 “بلا قيادة، عابرة للحدود، تنبئ بنهاية العالم وتنحو إلى العنف”. كما تعمل بشكل متزايد على بناء شبكات عابرة للحدود مع نشطاء آخرين لاسيما من الروس ومتطرفي دول أوروبا الشرقية.
وأفادت الدراسة أن الحفلات الموسيقية ومبارزات الفنون القتالية تعدّ نقاط تجمّع يسعى فيها النشطاء إلى اجتذاب أعضاء جدد.
ويؤمن المتطرّفون بنظرية “الاستبدال العظيم” التي تعتبر أن الشعوب الأوروبية البيضاء يجري استبدالها بشكل منتظم بوافدين من خارج القارة.
وفي العام الماضي تحوّلت جائحة كورونا إلى وسيلة يستغلّها المتطرفون من أجل “توسيع نطاق تعبئتهم لتشمل نظريات مؤامرة معادية للحكومات عبر انتقاد القيود المفروضة حاليا”.
وجاء في تغريدة أطلقها وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أن “التطرف اليميني هو أكبر خطر يتهدد أمننا في أوروبا”.
وحذّر من حركة “تزداد نشاطا وترابطا عالميا”، وقال إن ألمانيا تسعى إلى التصدي للتهديد عبر تحرّك منسّق مع غيرها من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وخلال تحرّك نظّم في برلين شارك فيه نحو عشرة آلاف متظاهر ضد قيود التباعد الاجتماعي التي فرضتها الحكومة لاحتواء تفشي فايروس كورونا، رصد اختلاط بين نشطاء في اليمين المتطرف والمحتجين.
وشوهد عدد من المتظاهرين وهم يؤدون التحية النازية على مرأى من عناصر الشرطة. وتخلل عددا من المظاهرات ضد تدابير احتواء فايروس كورونا في ألمانيا هذا العام رفع شعارات معادية للسامية.
وأشارت الدراسة إلى أن الأوساط اليمينية المتطرفة تحاول أيضا الاستفادة من الجدل الدائر حول لقاح كورونا لتسخير معارضي اللقاح لأغراضها.
وحذرت هيئة حماية الدستور (المخابرات الداخلية الألمانية) في تقرير لها من خطر اليمين المتطرف وإمكانية استغلاله أزمة كورونا لنشر نظريات المؤامرة والتحريض ضد اللاجئين وتحميلهم مسؤولية تفشي الوباء.
وتقدر الهيئة خطر تعرض اللاجئين في ألمانيا لهجمات من قبل اليمين المتطرف في سياق أزمة كورنا بأنه كبير جدا.
مجلة فورين بوليسي:
الهجمات المباشرة ليست وحدها المؤشر الوحيد على تعاظم نفوذ الجماعات اليمينية
وانتقدت النائبة البرلمانية إيرينه ميهاليتش، المتحدثة باسم كتلة حزب الخضر للسياسة الداخلية، الموقف غير الموحد للسلطات الأمنية، وقالت “الحكومة الاتحادية تعرف أن اليمين المتطرف يستغل الأزمة الراهنة إلى جانب أمور أخرى لنشر نظريات المؤامرة والتحريض ضد اللاجئين، ولكنها (الحكومة) لا تتخذ القرارات الضرورية” بشأن ذلك.
وشددت ميهاليتش على أن تحريض اليمين المتطرف “خطير للغاية” وقالت “إن استمرار جمود الحياة العامة لا يسري على نشاطات اليمين المتطرف الذي يتطلب اليقظة التامة اليوم”.
وترى مجلة فورين بوليسي الأميركية أن الهجمات المباشرة ليست وحدها المؤشر الوحيد على تعاظم نفوذ الجماعات اليمينية، بل إن الأيديولوجيا اليمينية المتطرفة انتشرت على مدى العقد الأول من القرن الحالي بفضل تغلغلها داخل الأحزاب السياسية وتأثر بعض الساسة بها وبأفكارها.
ومثال ذلك السياسات الرجعية والمعادية للمهاجرين التي تبنّاها قادة مثل المجري فيكتور أوربان بعد أن أصبح رئيسا للوزراء عام 2010، أو الهندي ناريندرا مودي منذ 2014 والبرازيلي غايير بولسونارو بعد وصوله إلى الرئاسة عام 2018.
وتشير المجلة إلى أن كل هذه الأمثلة تظهر أنه بدلا من التعامل مع التطرف اليميني على أنه حوادث معزولة أو أنه محصور فقط في دول بعينها، إلا أن الوقت حان للاعتراف به ظاهرة عالمية متنامية.
ويؤكد محللون أن محاربة التطرف اليميني لن تكون مهمة سهلة حيث أن بعض السياسيين والأحزاب أدرجوا عناصر هذا الفكر ضمن برامجهم، لكن الحفاظ على الديمقراطية والمساواة وسيادة القانون وحقوق الإنسان عبر العالم يستحق عناء المحاولة.