لندن – هيثم الزبيدي
يستعد الشرق الأوسط لنسخته الفضائية المصغرة من الحرب الباردة، على وقع الإعلانات المتسارعة عن مشاريع فضائية وتطوير للصواريخ ووصول المسبار الإماراتي إلى المريخ في رحلة استكشافية، مع أزيز لا ينقطع للمُسيّرات الهجومية والاستطلاعية فوق أجواء المنطقة.
وبعد أيام قليلة من الإعلان عن وصول مسبار الأمل الإماراتي إلى مدار فوق المريخ بالتزامن مع وصول مركبة هبوط أميركية وأخرى للرصد صينية، سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الإعلان عن مسعى بلده لإرسال مركبة غير مأهولة إلى القمر بحلول عام 2023، وأتبع رئيس وكالة الفضاء التركية أمس الثلاثاء ذلك بالحديث عن إعداد 10 آلاف خبير في علوم الفضاء خلال عقد من الآن يمكنهم تحويل تركيا إلى دولة متقدمة في علوم الفضاء.
ويقول الإيرانيون إن مشاريعهم الصاروخية متقدمة وسبق أن أعلنوا أكثر من مرة عن إرسال نسخ أولية لأقمار صناعية وعن رحلة مأهولة بحيوان مختبر في رد مبطن على مشاريع الفضاء الإسرائيلية التي بدأت مبكرا، وتحولت من مشاريع استكشاف للفضاء إلى خطط للدفاع الصاروخي بعيد المدى ضد هجمات إيرانية محتملة.
سردار حسين يلدرم: الاستثمار البشري العنصر الحاسم في تحقيق أهداف برنامج الفضاء التركي
سباق الفضاء في الشرق الأوسط يستعيد بنسخته المصغرة سباق الفضاء الذي انطلق في الخمسينات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، فيما تحوّل في الثمانينات إلى ما يسمى بـ”حرب النجوم”. فكل الأطراف المعنيّة تريد أن تشارك في هذا السباق الذي يجري في الفضاء، لكنه يحجز لها موقعا جيوسياسيا مهما على الأرض. فكل ما يتحقق من تقنيات فضائية ينعكس بشكل كبير على تكنولوجيا الأسلحة التي تَسِم ساحة الصراع الآن في المنطقة، وخصوصا الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والمُسيّرات.
وكان عاما 2019 و2020 سنتين مفصليتين في المنطقة حيث استُحِثّت المزيد من الدول على دخول السباق دون تأخير. فالهجوم المركّز الذي شنه الحوثيون اسميا والذي يقف الإيرانيون خلفه على منشآت أبقيق وتمكنوا من توجيه ضربة مؤثرة إلى واحدة من أهم المنشآت الحيوية في العالم بصواريخ كروز ومسيّرات كان نقطة تحول. ولم يمر وقت طويل قبل أن تتمكن المسيرات التركية، التي أرسلت إلى ليبيا، من قلب ميزان الحرب لصالح حكومة الوفاق بعد أن قطعت المسيرات خطوط مواصلات قوات الجيش الليبي المهاجمة بقيادة المشير خليفة حفتر ثم تمكنت من تدمير عدد كبير من آلياته مما اضطره إلى الانسحاب من محيط العاصمة والتراجع إلى خط دفاعي في سرت. الأتراك من بعدها، حسموا معارك ناغورني قره باغ بسهولة نسبية عبر استهداف الدفاعات الأرمنية والأفراد والدروع وتدمير كتائب دبابات ومدرعات كاملة.
ويقول خبراء إن التمكن من التقنيات الفضائية هو مفتاح السيطرة على سماء المعارك المستقبلية القادمة في المنطقة. ويندرج التطور في فهم واستخدام وتطوير هذه التقنيات كفرصة للاستخدام المزدوج، وهو تكرار لما حدث إبان الحرب الباردة حيث كانت تقنيات الأقمار الصناعية للاتصالات والبث التلفزيوني نتيجة عرضية مفيدة لتطوير تقنيات التجسس وإيصال الأقمار الصناعية إلى مدارات الرصد المناسبة.
لكن الأهم في هذا السباق هو الاستثمار البشري، كما شخّص الأمر رئيس وكالة الفضاء التركية سردار حسين يلدرم بأنه العنصر الحاسم “في تحقيق أهداف برنامج الفضاء الوطني”. وتسعى الدول المعنية إلى توجيه إمكانيات بشرية ومادية كبيرة لخلق جيل من العلماء والمهندسين القادرين على الإسهام في تطوير البرامج الفضائية كما أعلنت عن ذلك الإمارات حيث ذكرت أنها بصدد إنشاء جامعة متخصصة في علوم الفضاء.
ولعل الجزء الآخر من سباق الفضاء في المنطقة هو التمكن من تقنيات قادرة على مواجهة هجمات الصواريخ والمسيرات. وتتيح تقنية الرصد والتوجيه الفضائية فرصة مزدوجة لتطوير منظومات رصد ومتابعة وتدمير صواريخ كروز والمسيّرات الصغيرة المتسللة.
مُسيّرة صاروخية “ظل 50” من إنتاج شركة إيدج المشاركة في أيدكس – أبوظبي
وتعلن الدول المهتمة بمثل هذه المنظومات والأسلحة عن تطوير صواريخ مضادة قادرة على اصطياد الأهداف البطيئة والتي تحلق بارتفاعات منخفضة تحاشيا للرادار والصواريخ المضادة المعقدة من طراز باتريوت. وقد كشفت “هالكن”، الشركة الإقليمية المتخصصة في إنتاج وتوريد الصواريخ الموجّهة بدقّة، الثلاثاء عن منظومة “سكاي نايت” وهي أول منظومة صاروخية مضادة للصواريخ وقذائف المدفعية وقذائف الهاون تُصمّم وتُصنّع في الإمارات وذلك خلال معرض الدفاع “أيدكس” المقام حاليا في أبوظبي.
ويكشف التجول في معرض أيدكس الأهمية المتزايدة للمسيرات في الحروب الحديثة حيث تحتل نماذجها مساحات كبيرة من ساحات المعرض، في حين يضيع الفرق بين تقنيات الفضاء والتقنيات الحربية التقليدية.
وتلوح إيران بقدراتها الصاروخية المتوسعة حجما ونوعا، وقد أجرت مناورات مؤخرا لاستعراض مختلف أنظمة الصواريخ والمسيرات الهجومية لديها، ولا يخفي زعماؤها أن منطقة الشرق الأوسط بكاملها ستكون عرضة لهجمات انتقامية إذا شنت إسرائيل هجمات تستهدف مشروعها النووي أو مشاريعها الصاروخية.
وتروج إسرائيل من جانبها لتقنيات “القبة الحديدية” المضادة والتي طورتها بعد حرب عام 2006 مع حزب الله في لبنان، وحسّنت من أدائها في مواجهة الهجمات الصاروخية بقذائف الكاتيوشا التي تطلق عليها من غزة. وقد أعلنت الولايات المتحدة بدورها أنها تعمل مع الإسرائيليين على تبني منظومات دفاعية مشتقة من “القبة الحديدية” وأنها تريد توسيع قاعدة البحث بهذا الخصوص بعد أن لمست خطورة الأسلحة المسيرة على وجه الخصوص في التسلل والإفلات من شبكة الدفاع المعدة لمواجهة الصواريخ الباليستية المحلقة على ارتفاعات كبيرة.
المصدر العرب اللندنية