كريتر نت – متابعات
قال معهد جيمس تاون إن مصير اليمن سيتوقف على مصير معركة مأرب التي تشهد قتالا شرسا منذ مطلع فبراير الجاري بين القوات الحكومة وجماعة الحوثي التي تصعد في محاولة منها للسيطرة على المحافظة الغنية بالنفط.
وقال المعهد في تقرير له أعده الباحث مايكل هورتون ، إنه في أوائل شباط/فبراير، بدأ الحوثيون حملة متجددة للاستيلاء على محافظة مأرب الغنية بالنفط بعد أربعة أسابيع من القتال المكثف والمكلف، طوقت الجماعة مدينة مأرب من ثلاثة جوانب، إلى الغرب من المدينة، وباتت على بعد أقل من 11 كيلومتراً من ضواحي مأرب.
وبحسب التقرير فإنه لا يمكن التقليل من أهمية مأرب الإستراتيجية بالنسبة للحوثيين والحرس الثوري الإيراني واليمن بأسرها، ولا يمكن أن تكون المخاطر أكبر بالنسبة لجميع الأطراف المشاركة في حروب اليمن المتشابكة.
وأكد المعهد أن مصير مأرب سيقرر، من نواحٍ عديدة، مصير اليمن لسنوات قادمة.
تجاوز عسكري في مأرب
وقال إن انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة قد غير بالفعل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وعلى وجه التحديد في اليمن، حيث تم استبدال علاقة إدارة ترامب الوثيقة مع السعودية وولي عهدها، محمد بن سلمان، بسياسة أقل تساهلاً في ظل إدارة بايدن.
في 4 شباط/فبراير، قال الرئيس بايدن، كجزء من خطاب أوسع حول السياسة الخارجية، إن الحرب في اليمن يجب أن تنتهي، وأشار إلى أن الولايات المتحدة ستتراجع عن دعمها للعمليات الهجومية التي تشنها المملكة العربية السعودية في اليمن (الجزيرة، 4 شباط/فبراير). كما ألغت إدارة بايدن تصنيف إدارة ترامب للحوثيين في اللحظة الأخيرة كمنظمة إرهابية أجنبية، ويشير التقرير إلى أن هذه التحركات، إلى جانب رغبة إدارة بايدن في استئناف المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، أدت إلى تشجيع الحوثيين وحليفتهم الإقليمية الرئيسية، إيران.
يضيف التقرير أن الاستيلاء على مأرب كان أولوية بالنسبة للحوثيين لفترة طويلة، فإن سياسة إدارة بايدن والديناميات الإقليمية المتغيرة غيرت معادلة التكلفة والمنفعة بالنسبة لقيادة الحوثيين.
وأشار إلى أن الحوثيين كانوا قد طرحوا في وقت سابق عرضاً على الحكومة المعترف بها دوليا حول مأرب بدلاً من تجدد الهجوم، ورفضت الحكومة قبل أشهر هذا العرض الذي تضمن تسع نقاط تتراوح بين موافقة الحكومة على عدم استخدام مأرب كقاعدة للعمليات العسكرية وتقاسم العائدات من مبيعات النفط، والآن بعد أن بدأ الهجوم، استبدل الحوثيون هذا العرض الرسمي بمفاوضات تقليدية أكثر من خلال النخب القبلية.
وبحسب التقرير فإن القيادة الحوثية تعتقد أنه إذا استولت على مدينة مأرب ومعظم المحافظات، فإن موقفها كقوة سياسية وعسكرية مُتَلَكّنة في اليمن سيكون آمناً قبل المفاوضات المرتقبة.
وقال معهد جيمس تاون إن الحوثيين يستخدمون وحدات صغيرة عالية الحركة من المقاتلين، مما يجعل من الصعب استهدافهم من الجو. ومع ذلك، فإن حجم مدينة مأرب (التي يعيش فيها مليونا شخص) ووفرة التضاريس المسطحة نسبياً جعلا استهداف قوات الحوثيين أسهل.
وأضاف أن الاستيلاء على مدينة مأرب يتطلب من الحوثيين جمع الرجال والأسلحة بطريقة تجعلهم أكثر عرضة للخطر مما كانوا عليه في الحملات السابقةـ وتزداد الخسائر في الأرواح من جميع الأطراف، وخاصة بالنسبة للحوثيين.
نقص الحوثيين في الرجال والمال
يتابع التقرير “يواجه الحوثيون عقبتين أساسيتين، وكلاهما يتفاقم بسبب القتال من أجل مأرب: أولاً، لا يمكنهم استبدال المقاتلين بالسرعة الكافية. وثانياً، إن إيراداتها ونقصها النقدي حاد. والنقص في المقاتلين، ولا سيما المقاتلين المدربين تدريبا جيدا، حاد، بل أصبح أكثر من ذلك على مدى الأشهر الستة الماضية. لطالما استخدم الحوثيون التجنيد لملء صفوفهم، لكن المجندين الأحدث هم أصغر سناً، ويتلقون تدريباً أقل، ويحصلون على أجر أقل بكثير مما كانوا عليه قبل ستة أشهر إذا ما تم دفع رواتبهم على الإطلاق”.
وأردف أن المجندين الحوثيين يميلون أكثر إلى الفرار من المعركة عندما تتاح لهم الفرصة، ولتعويض النقص في المجندين، يقوم الحوثيون بتجنيد المزيد من الأجانب، قسريا في كثير من الأحيان، بمن فيهم أولئك الذين فروا من النزاع في منطقة تيغراي في إثيوبيا.
واستطرد “ستجعل معركة مأرب الطويلة مطالب الحوثيين بالمال والرجال أكثر جشعًا، مما يؤدي إلى تفاقم الاستياء المتزايد”.
والأهم من ذلك -حسب التقرير- فإن معركة مأرب المطولة ستضعف الجبهتين الجنوبية والغربية للحوثيين، لقد أعاد الحوثيون بالفعل نشر مقاتلين من هذه الجبهات إلى مأرب للهجوم هناك، والمقاتلون الذين تُركوا للدفاع عن المواقع في الجنوب والغرب هم في الأساس مجندون شباب، وغالبًا ما يكون لديهم قدر ضئيل من التدريب.
وذكر التقرير أن معظم مقاتلي الحوثيين المخضرمين تم إعادة نشرهم في مأرب، ومع ذلك، حتى الآن، وعلى الرغم من نقاط الضعف هذه، لم تتعرض الجبهتان الجنوبية والغربية للحوثيين لهجوم من قبل القوات المتنافسة.
الموقف الأخير للحكومة اليمنية
ولفت التقرير إلى أن خسارة مأرب العاصمة الفعلية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا ستكون بمثابة ضربة لها.
وأوضح أن الحوثيين ليسوا القوة الوحيدة في اليمن التي ستستفيد من زوال قوات الحكومة الشرعية، إذ يخوض المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني معركته المتقطعة الخاصة به مع الحرس الثوري الإيراني في الوقت الذي يحاول فيه فرض سيطرته على جنوب اليمن.
يتابع “على الساحل الغربي لليمن، تقاتل قوات مقاومة تهامة من أجل قدر أكبر من الحكم الذاتي وليست موالية للحوثي، بينما المملكة العربية السعودية لديها تأثير ضئيل على قوات المقاومة التهامية أو المجلس الانتقالي الجنوبي. وبدلاً من ذلك، تمارس حليفها الإقليمي ومنافستها الإمارات العربية المتحدة نفوذاً على كلتا القوتين.
ووفقا لجيمس تاون، توجد بعض المؤشرات أيضًا على أن طارق صالح، ابن شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، يقدم دعمًا محدودًا للقوات الحكومية في معركته للاحتفاظ بمأرب، وأن طارق صالح يقود قوات المقاومة الوطنية المتمركزة بالقرب من تعز وأجزاء من الساحل الغربي لليمن. قوات المقاومة الوطنية جيدة القيادة والتجهيز بفضل الدعم الإماراتي. ومع ذلك، فإن نقل أعداد كبيرة من القوات إلى الخطوط الأمامية في مأرب أمر شبه مستحيل على المدى القصير بسبب الافتقار إلى التعاون مع الميليشيات المتنافسة.
وقال “إذا زاد التنسيق بين القوات اليمنية المناهضة للحوثيين، فقد يسيطر الجيش الوطني وحلفاؤه القبليون على مدينة مأرب. في حين أن الحوثيين لا يزالون أقوى قوة قتالية في اليمن، إلا أنهم يواجهون خطر التمدد العسكري المفرط، على الرغم من جهودهم لتجنيد أكبر عدد ممكن من الرجال وتجنيدهم، فإن معركة مأرب تلحق خسائر فادحة بقواتهم، لا سيما مع تخلي المجندين عن مواقعهم بشكل روتيني، وامتداد خطوط إمداد الحوثيين واستهدافها بشكل متكرر من قبل القوات الجوية الملكية.
وذكر أن السيناريو الأكثر ترجيحًا للمعركة في مأرب هو حالة الجمود بين الحوثيين وقوات الحكومة الشرعية، فهجوم الحوثيين، الذي بدا أنه لا يمكن إيقافه قبل أسبوع، أصبح الآن ثابتًا. بينما اخترقت وحدات الحوثي الدفاعات الخارجية لمدينة مأرب، فإن التنسيق الوثيق بين القوات الجوية الملكية السعودية والميليشيات القبلية وقوات الحرس الثوري الإيراني أوقف -على الأقل في الوقت الحالي- تقدمًا واسع النطاق في المدينة.