كريتر نت – العرب
يعكس الصمت التركي – القطري بشأن التقرير الأميركي حول مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي ارتباك أنقرة والدوحة اللتين تبدوان غير منتشيتين، كما كان متوقعا، وبدا عليهما الارتباك أكثر من غيرهما، فلا تستطيعان التعبير عن رفض أو قبول ما حواه التقرير.
ولفت خلوّ قائمة الدول التي أصدرت مواقف رسمية داعمة للسعودية في ملفّ مقتل خاشقجي، الذي أصبح مدار حملة ضغوط أميركية شديدة على المملكة، من اسم دولة قطر نظر المتابعين للشأن الخليجي وأثار أسئلتهم حول مدى فاعلية المصالحة التي أطلقتها قمّة العلا الخليجية في تغيير السياسات والمواقف القطرية إزاء المملكة التي رعت مسار المصالحة.
ولم تبدد المكالمة الهاتفية “الباردة” التي أجراها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الأحد، الارتباك القطري من تقرير الـ”سي أي إيه”.
وأشار الديوان القطري في بيان له إلى أن “الشيخ تميم عبر عن دعم بلاده الراسخ للسعودية” دون أي إشارة إلى التقرير الأميركي، مما يوحي أيضا بأنه كلام عام يمكن أن يفسر لصالح دعم السعودية في مواجهة الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الحوثية، على عكس مواقف دول الخليج الأخرى التي رفضت بشكل
واضح ما تضمنه تقرير الاستخبارات الأميركية.
وفسرت مصادر سياسية ما يوصف بـ”الصمت التركي” بأنه يحمل هواجس لدى أنقرة، على الرغم من أن مقاطع عديدة فيه جاءت متسقة مع المعطيات التي ساقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نفسه منذ أكثر من عامين.
اللواء محمود منصور: أجزاء كبيرة من التقرير الأميركي سبق أن روجت لها قطر في إعلامها
وفي مقال نُشر في الثاني من نوفمبر 2018 بصحيفة “واشنطن بوست” قال أردوغان عن الأسئلة المتعلقة بوفاة خاشقجي إن الأمر بقتله جاء “من أعلى مستويات الحكومة السعودية”، مستبعدا أن يصدق “ولو لثانية واحدة أن الملك سلمان، خادم الحرمين، هو من أصدر الأمر بالقتل”.
وتُظهر المقارنة بين ما ورد في التقرير، وسيل المعلومات والمواقف التي أطلقتها تركيا بشأن قضية مقتل خاشقجي، والحملة التي شنّها رموز جماعة الإخوان وخصوصا منهم المقيمين على الأراضي التركية، ومحتوى التغطية الإعلامية القطرية للقضية، تطابقا تامّا يتجلّى في الهدف النهائي لمختلف تلك الأطراف والمتمثّل في الزجّ باسم ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان في القضيّة.
وقال اللواء المصري محمود منصور، أحد مؤسسي جهاز المخابرات القطرية، إن أجزاء كبيرة من التقرير الأميركي “هي بالأساس معلومات سبق أن أعلنت عنها قطر في خضم محاولات استفزاز السعودية، لذلك لن يكون هناك موقف رافض معلن، لأنها ستكون قد مضت في طريق معاكس لما روجت له منذ مقتل خاشقجي”.
وأشار منصور في تصريح لـ”العرب” إلى أن الحديث عن رد فعل مساند للسعودية على أساس مخرجات قمة العُلا الخليجية في الخامس من يناير الماضي “سابق لأوانه، لأن الكثير من بنود اتفاق المصالحة لم يجر تطبيقها على أرض الواقع، وجاءت استجابة لرغبة ترامب الذي ضغط باتجاه التوقيع عليه”.
وقبيل نشر التقرير السري أجرى الرئيس جو بايدن اتصالا مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبدا الاستهداف السياسي منصبا على شخص ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهو ما أرادته أنقرة مبكرا.
وقال مصدر تركي، رفض الكشف عن اسمه، لـ”العرب” إن صمت أردوغان عن التقرير مفهوم، “فإذا رفضه سيكون قد كذّب روايته السابقة التي جاءت متطابقة تقريبا مع ما وضعته السي أي إيه، ولو وصفه بالموضوعي أو الشرعي أو مجرد إبداء موافقته عليه سيكون كمن يطلق النار على صدره”.
وعبر المصدر عن اعتقاده في أن تستعين الإدارة الأميركية “بنشر تقارير أعدتها السي أي إيه، مماثلة لتقرير خاشقجي، خلال الأسابيع المقبلة عن جرائم أردوغان ضد الأكراد وجماعة فتح الله غولن”.
وبحسب المصدر نفسه من المنتظر أن يتم “كشف تفاصيل حول علاقة أردوغان المشبوهة بجماعات إسلامية متطرفة وإرهابية في الخارج، وإذا اتخذ موقفا مؤيدا للتقرير الأميركي يكون بذلك قد أضفى شرعية على التقارير التي سوف تصدرها واشنطن قريبا”.
وتحاول أنقرة تحاشي الدخول في هذا السيناريو، لأنه سيكون وبالا على نظامها الحاكم، حيث صمت الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عما قام به أردوغان من انتهاكات وخروقات في كل من سوريا والعراق وليبيا، ومن المرجح أن تنشر إدارة بايدن معلومات بعد ظهور مؤشرات تؤكد عدم ارتياحها إزاء أوضاع حقوق الإنسان في تركيا.
أما بالنسبة إلى قطر فيخفي الصمت علامات الحيرة؛ ذلك أنه في حالة القبول بتقرير السي أي إيه، الذي صدّق أيضا على النتيجة التي كانت تتمناها الدوحة منذ وقوع حادث خاشقجي، من خلال وسائل الإعلام التابعة لها بالعربية والإنجليزية، وهي في ذروة خلافها مع الرياض تكون قد قذفت اتفاق المصالحة معها بحجر.