كريتر نت – العرب
كان “نصب شهداء تيغراي” رمزا للقوة العسكرية للحزب الحاكم في الإقليم الإثيوبي لما يقرب من عقدين، أما اليوم فقد أصبح يجسد سقوط حزب جبهة تحرير شعب تيغراي بعدما أطلق رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد هجوما عسكريا للإطاحة به.
ويقع هذا النصب في العاصمة الإقليمية ماكيلي ويحوي أسلحة ومخططات لمعارك من الأيام الأولى للحزب عندما كان حركة تمرد مسلحة، إضافة إلى صور لرجال ونساء فقدوا حياتهم خلال فترة صعوده إلى السلطة.
ومع رحيل المقاتلين الموالين لجبهة تحرير شعب تيغراي، سيطرت القوات الفيدرالية التي تحمل أسلحة الكلاشنكوف على الموقع، وهي تقوم فيه بدوريات بالشاحنات العسكرية فيما يشاهدهم سكان ماكيلي باشمئزاز.
وقال دانيال غيرماي وهو سائق عربة توك توك لوسائل إعلامية فيما كان يحتسي الشاي في مقهى في الجهة المقابلة من الشارع “هذا فخرنا وتاريخنا”، مضيفا “أكره هؤلاء الجنود لدرجة أنني لا أريد أن أرى وجوههم”.
وهذا مجرد مثال على تحول ماكيلي، قاعدة جبهة تحرير شعب تيغراي القوي، بسبب الصراع الذي مازالت تبعاته قائمة في شمال إثيوبيا.
وأصبحت العديد من مدارس المدينة مخيمات للنازحين. وتعج أروقتها بالأطفال الذين تجري معالجتهم من إصابتهم بالرصاص والشظايا، وبعضهم فقد أطرافه.
وتمشي النساء في الشوارع مرتديات ملابس سوداء مع ورود أخبار مقتل أقاربهم من المناطق الريفية التي ما زال يتعذر الوصول إليها.
ويشعر سكان ماكيلي بالقلق من أن ديارهم قد لا تستعيد سحرها مطلقا.
وقال الدكتور كيبروم غيبريسيلاسي من مستشفى “أيدر ريفيرل هوسبيتل” بأن “هذه المدينة كانت سريعة النمو. كانت مدينة نابضة بالحياة”. وأضاف “الآن، كما ترون، يلفها غطاء من الحزن”.
وأعلن آبي الحائز جائزة نوبل للسلام عام 2019، عن عمليات عسكرية ضد جبهة تحرير شعب تيغراي في نوفمبر قائلا إن هذه الخطوة جاءت ردا على الهجمات التي نفذتها الجبهة على معسكرات الجيش الفيدرالي في ماكيلي وأماكن أخرى.
وجاءت هذه الخطوة بعد سنوات من التوتر المتصاعد بين آبي وجبهة تحرير شعب تيغراي التي اتهم رئيس الوزراء بتهميشها منذ تعيينه في العام 2018.
وسيطرت القوات الفيدرالية على المدينة بعد ثلاثة أسابيع، وقتل حوالي 26 مدنيا بسبب تساقط القذائف على شوارع المدينة، وفقا لبيانات يأيدر ريفيرلي. لكن، كانت تلك بداية بؤس ماكيلي.
أروقة مدارس المدينة تعج بالأطفال الذين تجري معالجتهم من إصابتهم بالرصاص والشظايا، وبعضهم فقد أطرافه
ومنذ ذلك الحين، ازداد بشكل مطرد عدد جرحى الحرب في تيغراي التي تضررت بشدة جراء القتال، من بينهم أيتام ليس لديهم مكان يذهبون إليه بعد شفائهم.
وقال آبي للمشرعين إن أي مدني لم يقتل عندما دخلت القوات الفيدرالية مدن تيغراي وبلداتها، لكن الناجين من هجمات القصف يقولون إن هذا غير صحيح.
ومن بين المرضى في المستشفى ما يقرب من 120 ناجية من العنف الجنسي وبعضهن قدمن تقارير مروعة عن اغتصاب جماعي من قبل جنود من إثيوبيا وإريتريا المجاورة.
وفي كل أنحاء المدينة، في مقر الحكومة الإقليمية، تكافح إدارة شكّلها آبي من أجل كسب جمهور تيغراي.
وصرح رئيسها المؤقت مولو نيغا في تصريحات صحافية أنه يعلم أن سكان ماكيلي لديهم “مشاعر مختلطة” بشأن وجوده في المكتب الذي كان يشغله زعماؤهم السابقون. وأوضح “يريدون أن تكون هناك حكومة تتولى الحكم في المنطقة”.
وتابع “من ناحية أخرى، بما أننا لم ننتخب، فلديهم أيضا بعض الشكوك. هذا طبيعي”. وقال مولو إن “أولوياته تشمل إعادة الأمن وإصلاح البنية التحتية المتضررة وتمهيد الطريق لانتخابات غير مقررة بعد في تيغراي”.
وفيما أشار إلى إحراز تقدم في مهمات مثل شغل مناصب موظفي الخدمة المدنية، فإن منتقديه يقولون إن تأمين الشرعية الشعبية سيكون شبه مستحيل.
وقال تسيغازياب كامسو من حزب تيغراي المعارض “المؤتمر الوطني لتيغراي العظمى” (بيتونا) إن سكان تيغراي يربطون بين مولو وشن حرب على مدنيين تحت غطاء حملة مناهضة لجبهة تحرير شعب تيغراي.
وأضاف “من يقتل؟ ليس الجبهة. من يتعرض للاغتصاب؟ ليس الجبهة. من يعاقب بالجوع؟ ليس الجبهة”.
وقد يكون التحدي الأكبر لمولو هو تأكيد سيطرته على كل منطقة تيغراي.
وتسيطر قوات خاصة من منطقة أمهرة المجاورة على مساحات شاسعة من الأراضي المنخفضة في الغرب والجنوب.
في غضون ذلك، ينشط جنود إريتريون في معظم مناطق الشمال. وقد أكد عمال الإغاثة وبعض المسؤولين وجودهم رغم نفي أديس أبابا وأسمرا ذلك.
واتُهم جنود بارتكاب بعض المذابح الأكثر دموية في هذه الحرب، بما في ذلك قتل المئات من المدنيين في بلدة أكسوم.
وردا على سؤال حول ما إذا كان يجب على الإريتريين الرحيل قال مولو “بالطبع، هذا واضح جدا”.
وفي مدرسة ثانوية قرب النصب، تنام عائلات نازحة من غرب تيغراي على فراش تم التبرع به.
وأشار ميزان كاسا وهو مهندس من حميرا في تصريحات صحافية إلى أن وجود قوات أجنبية في تيغراي “يثير غضبي”.
وعبّر العديد من النازحين عن خوفهم من هذه القوات في شرح سبب اعتزامهم البقاء في ماكيلي، على الأقل في الوقت الحالي.
وقالت ترهاس ييبرا، وهي أيضا من حميرا تعيش في المدرسة مع زوجها وأطفالها الثلاثة “على الأقل نحن هنا بين شعبنا الذي يدعمنا”.