كريتر نت – العرب
تسعى الحكومة الفرنسية عبر قانون مكافحة الانفصالية الإسلامية إلى كبح التمويل الخارجي للمجموعات الدينية وإعطاء السلطات المزيد من الحرية القضائية في مكافحة التطرف الإسلامي. ورغم أن جميع القوى السياسية الفرنسية تتفق على ضرورة مكافحة الحواضن المادية والأيديولوجية للتطرف فإن الحسابات الانتخابية طغت على مواقف المعارضة.
وأقر المجلس الوطني الفرنسي في 16 فبراير الماضي مشروع قانون مثير للجدل يهدف إلى حماية البلاد من مخاطر الانفصالية الإسلامية، وهو أحدث جهد تقوم به فرنسا لتعزيز الهوية العلمانية. وتم بسهولة تمرير مشروع القانون بأغلبية 347 صوتًا مقابل 151، على الرغم من امتناع اليسار عن التصويت وشعور اليمين المتطرف بأن القانون لم يكن مرضياً له بما فيه الكفاية. وفي الشهر المقبل سيُرفع مشروع القانون إلى مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه المحافظون، حيث سيتم التأكيد على إقرار القانون.
وعلى الرغم من الكثير من الدعم الذي تلقاه القانون من الوسط، بمن في ذلك الرئيس إيمانويل ماكرون، أثار مشروع القانون الكثير من الجدل، خاصة في أوساط المسلمين الفرنسيين الذين يشعرون بأن القانون الذي لا يذكر الإسلام أو المسلمين حرفيا يستهدفهم بشكل غير عادل. وقال مسؤول في مكتب الرئيس الفرنسي إن مشروع القانون “ليس ضد الإسلام، وإنما هو ضد الأشخاص الذين باسم أيديولوجيا دينية خاطئة يتصرفون بطريقة تتعارض مع (قِيَم) الجمهورية”.
ويعد هذا الجهد الفرنسي جزءا من مخطط أوسع في دول أوروبية أخرى؛ ففي سويسرا قدّم حزب سياسي يميني مقترحًا يقضي بحظر أغطية الوجه مثل النقاب والبرقع، ومن المقرر إجراء استفتاء في 7 مارس.
و كانت فرنسا أول دولة في أوروبا تحظر تغطية الوجه بالكامل في الأماكن العامة سنة 2011، ومع ذلك لا تزال دول أخرى في أوروبا تفرض حظرًا جزئيًا أو كليًا على البرقع، بما في ذلك النرويج وبلغاريا والدنمارك والنمسا ولاتفيا وبلجيكا.
ما هو القانون الفرنسي؟
مارلين شيابا: القانون يضمن عدم تخصيص المال العام لأعداء الجمهورية
بشكل عام يهدف مشروع القانون إلى تعزيز التقاليد العلمانية في فرنسا من خلال منع أي سلوك يفرض وجهات النظر الدينية في الحياة العامة.
ويوسع مشروع القانون “مبدأ الحياد” الذي يمنع ليس فقط موظفي الخدمة المدنية وإنما أيضا “جميع المتعاقدين في القطاع الخاص للخدمات العامة” من مشاركة الآراء السياسية أو حتى ارتداء ما يرمز إلى دينهم.
كما يسمح مشروع القانون للسلطات الفرنسية بإغلاق دور العبادة مؤقتًا لمنع الدعاة من نشر الكراهية. وأخيرًا ينص على أن الجمعيات الفرنسية التي لها روابط دينية محددة وتتلقى “أموالًا أجنبية يجب أن تقدم سجلات محاسبة دقيقة”.
ويلزم القانون المجموعات الدينية بالإفصاح عن أي تمويل أو هبات خارجية تفوق قيمتها 10 آلاف يورو، وتهدف الحكومة عبر ذلك إلى إضعاف التأثيرات الخارجية على الجماعات الداخلية.
ويقترح كذلك إعطاء السلطات المحلية الضوء الأخضر لإغلاق أي مكان عبادة “تنشر فيه خطابات الكراهية أو الأفكار أو النظريات أو النشاطات التي من شأنها أن تروّج للعنف والكراهية والتمييز ضدّ مجموعات معيّنة على أساس العرق أو الانتماء الإثني أو المُعتقد أو التوجه الجنسي”.
وسيسلط مشروع القانون على أي شخص نشر معلومات شخصية عن موظفي القطاع العام عبر الإنترنت، بقصد الإضرار، غرامة قدرها 45 ألف يورو (55 ألف دولار) مع احتمال السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. وأي شخص يحاول تهديد أو ترهيب مسؤول منتخب أو موظف في القطاع العام سيتم تغريمه 75 ألف يورو (91 ألف دولار) ويواجه السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات.
وهناك بعض الإجراءات الأخرى في مشروع القانون، وهي أنه لن يتمكن الأطباء بعد الآن من إكمال ما يسمى بفحص العذرية للمرضى قبل الزواج، وهو طلب شائع بين بعض العائلات المسلمة، وسيواجه الأطباء الذين ما زالوا يقومون بالفحوصات غرامة قدرها 15 ألف يورو (18 ألف دولار) والسجن لمدة تصل إلى عام.
مارين لوبان: التشريع ضعيف في محاربة الأيديولوجيات الإسلامية
وتريد الحكومة أن تمنح نفسها سلطة أكبر للتدخل ضد تجاوزات الجمعيات. وسيُطلب من أي مجموعات تتقدم بطلب للحصول على إعانات حكومية توقيع عقد يحترم “قيم الجمهورية”. وإذا تبين لاحقاً أن الجمعيات انتهكت ما جاء في العقد ستكون مجبرة على إعادة المبالغ المقدمة إلى خزائن الدولة.
وقالت مارلين شيابا، وزيرة الدولة لشؤون المساواة بين الجنسين، إن الإجراء يهدف إلى ضمان “عدم تخصيص ولو يورو واحد من المال العام لأعداء الجمهورية”.
وبحسب وزير العدل الفرنسي هناك نحو 5 آلاف تلميذ من 65 ألفاً لا يرتادون المدارس، يذهبون إلى مدارس قرآنية.
ويقول جان – ميشال بلانكير إنه يريد مواجهة واقع “إرسال بعض الأطفال إلى مدارس سلفية”.
و يتساءل مراقبون: إذا كان مشروع القانون لا يستهدف صراحة مسلمي فرنسا، فلماذا أثار الكثير من القلق في هذا المجتمع؟
عندما تم تقديم مشروع القانون في أكتوبر 2020 تحدث ماكرون صراحةً عن معالجة النزعة الانفصالية الإسلامية التي وصفها بأنها فعل المجتمع المسلم في فرنسا لاستبدال القوانين المدنية بقوانين هذا المجتمع وأعرافه المستمدة من الممارسات الدينية، مما أدى أساسًا إلى إنشاء مجتمعين متوازيين. ومع ذلك قال رئيس الوزراء جان كاستكس إن مشروع القانون “لا يستهدف الأديان أو ضد الدين الإسلامي على وجه الخصوص”، لكن المراقبين لاحظوا أن السلوكيات التي يحاول الحد منها كلها مرتبطة بالإسلاموية.
وخرج المتظاهرون إلى الشوارع في باريس يوم 14 فبراير الماضي قبل الموافقة على القانون في الجمعية الوطنية، محتجين على أن القانون يمارس التمييز ضد أتباع ثاني أكبر ديانة في فرنسا. و امتدت قصة التشريع إلى خارج فرنسا؛ فقد وصف الرئيس الباكستاني عارف علوي الإجراء بأنه “سابقة خطيرة” وحث الحكومة الفرنسية على “عدم ترسيخ هذا الإجراء في القوانين”.
دوافع سن القانون
تحارب فرنسا التي تضم عددا من المسلمين يفوق ما هو موجود في أي دولة أوروبية أخرى مشاكل الاندماج والاستيعاب على مدى عقود من الزمن، وجعل ماكرون التعامل مع هذه المشاكل الاجتماعية إحدى أولويات رئاسته. وفي عام 2018 قال ماكرون إنه يريد “تحديد الطريقة الكاملة التي يُنظم بها الإسلام في فرنسا”.
لكن مشروع القانون اكتسب زخمًا بعد قطع رأس المدرس صامويل باتي في أكتوبر الماضي على يد شاب روسي من أصل شيشاني قال إنه انزعج من أن باتي عرض رسومًا متحركة للنبي محمد أثناء الدرس. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر قتل مواطن تونسي ثلاثة أشخاص في هجوم بسكين في نيس بجنوب فرنسا.
ماذا سيحدث بعد ذلك؟
سيتم عرض مشروع القانون الآن على مجلس الشيوخ في نهاية مارس، حيث من المتوقع أن تتم الموافقة عليه ليصبح قانونًا في غضون أشهر. ومع ذلك يعتبر اليمين المتطرف في فرنسا أن التشريع لا يفي بالغرض. وقالت مارين لوبان، رئيسة حزب التجمع الوطني والمرشحة الرئاسية، إن التشريع ضعيف للغاية في محاربة ما تسميه “الأيديولوجيات الإسلامية”.
و قالت لوبان إنها ستقدم مشروعا مضادا، فيما اعتبرت النائبة عن الجمهوريين آني جينيفارد أن “الغالبية على المستوى السيادي مشلولة بسبب الاتهامات بخلط المفاهيم فيما نحن في حالة طوارئ”.
وفي مقابل هذه المواقف يدين حزب فرنسا الأبية اليساري الراديكالي على لسان زعيمه جان لوك ميلنشون “قانون وصم المسلمين”.
وبعكس التيار الغالب داخل الأكثرية، والذي يدافع عن الطرح الحكومي ويعتبر مشروع القانون متوازناً، يصب بعض اليساريين واليساريين المتشددين جام غضبهم عليه ويعتبرون أنه يستهدف تحديداً الإسلام والمسلمين، ويزيد من الشروخ بين الفئات المكونة للمجتمع الفرنسي، وتغيب عنه وعود الرئيس ماكرون بمعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والممارسات التمييزية، وأحياناً العنصرية التي تعاني منها فئات من المهجرين وأبنائهم والغيتوات التي تتشكل في ضواحي المدن الكبرى.
ويربط عدد من المحللين بين طرح هذا المشروع واقتراب موعد استحقاقات انتخابية، أهمها إطلاقاً الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في ربيع العام المقبل.
وتفيد استطلاعات الرأي المتوافرة في الوقت الحاضر بأن المنافسة النهائية ستنحصر بين ماكرون وزعيمة اليمين المتطرف لوبان كما في الانتخابات السابقة، وبالتالي فإن الرئيس الحالي بحاجة إلى إبراز أنه يتمتع بـ”قبضة حديدية” وليس متساهلاً إزاء المسائل الأمنية، وأنه حازم في محاربة الإسلام الراديكالي المتطرف الذي يعد مدخلا للإرهاب الذي تعاني منه فرنسا