كريتر نت – العرب
فاجأ البابا فرنسيس خلال زيارته التي بدأت، الجمعة، للعراق المسؤولين العراقيين بخطاب جريء وحازم حث فيه على وقف استعمال السلاح، ومواجهة الفساد والمصالح الخاصة والحزبية، والتوقّف عن خدمة المصالح الخارجية على حساب العراقيين، ما بدا كأنه اتهامات مباشرة للطبقة السياسية الحاكمة والأحزاب والميليشيات التي أحكمت قبضتها على البلاد متناسية حقوق الأقليات.
وفور وصوله تطرق إلى كل المواضيع الحساسة والقضايا التي يعاني منها العراق خلال لقائه الرئيس العراقي برهم صالح. وقال “لتصمت الأسلحة! ولنضع حدا لانتشارها هنا وفي كل مكان! ولتتوقف المصالح الخاصة، المصالح الخارجية التي لا تهتم بالسكان المحليين. ولنستمع لمن يبني ويصنع السلام!”.
وأضاف “كفى عنفا وتطرفا وتحزبات وعدم تسامح! ليعط المجال لكل المواطنين الذين يريدون أن يبنوا معا هذا البلد في الجوار وفي مواجهة صريحة وصادقة وبنّاءة”.
ودعا إلى “التصدي لآفة الفساد وسوء استعمال السلطة، وكل ما هو غير شرعي” بعد أكثر من سنة على خروج العراقيين بعشرات الآلاف إلى الشارع محتجين على الطبقة السياسية الفاسدة في نهاية 2019.
وقال “ينبغي في الوقت نفسه تحقيق العدالة، وتنمية النزاهة والشفافية وتقوية المؤسسات المسؤولة عن ذلك” من أجل تحقيق الأمن والاستقرار.
وفي إشارة إلى المسيحيين الذين يشكلون واحدا في المئة من السكان، شدّد على ضرورة “ضمان مشاركة جميع الفئات السياسية والاجتماعية والدينية، وأن نؤمّن الحقوق الأساسية لجميع المواطنين”، قائلا “يجب ألا يعتبر أحد مواطنا من الدرجة الثانية”.
وسمى الأيزيديين “الضَّحايا الأبرياء للهمجية المتهورة وعديمة الإنسانية، فقد تعرضوا للاضطهاد والقتل بسبب انتمائهم الديني وتعرضت هويتهم وبقاؤهم نفسه للخطر”.
وتعرض الأيزيديون للقتل والخطف والسبي والعبودية والاضطهاد خلال سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء واسعة من العراق بين 2014 و2017.
وفي بلد يشهد توترات حادة وتبادل رسائل وتصفية حسابات بين عدة قوى خارجية، على رأسها الولايات المتحدة وإيران، قال البابا “أتمنى ألا تسحب الدول يد الصداقة والالتزام البنّاء الممدودة إلى الشعب العراقي، بل تواصل العمل بروح المسؤولية المشتركة مع السلطات المحلية دون أن تفرض مصالح سياسية أو أيديولوجية”.
ووصل البابا إلى مطار بغداد وسط إجراءات أمنية مشددة بعدما قال للصحافيين على متن طائرته إنه شعر بأن من واجبه القيام بتلك الزيارة “الرمزية” لأن العراق عانى كثيرا ولفترة طويلة.
وحظي البابا باستقبال حافل في المطار حيث كان على رأس مستقبليه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
وتجمع مئات الأشخاص في شكل مجموعات صغيرة لرؤيته في بغداد مستقلا سيارة “بي.أم.دبليو” مضادة للرصاص في خروج عن المألوف للبابا الذي عادة ما يصر على استخدام سيارات صغيرة عادية.
ورافق موكب من عشرات العربات البابا فرنسيس إلى خارج مبنى المطار الذي تعرض في الآونة الأخيرة لإطلاق صواريخ من فصائل مسلحة.
ورحب الرئيس العراقي بالبابا قائلا “فيما يحل بيننا قداسة البابا ضيفا عزيزا كريما” هناك “فرصة تاريخية لجعلها مناسبة لإعادة التأكيد على قيم المحبة والسلام والعيش المشترك ودعم التنوع” الديني والاجتماعي.
وتابع صالح “مسيحيو الشرق أهل هذه الأرض وملحُها، فلا يمكن تصور الشرق بلا المسيحيين”، مؤكدا أن “استمرار هجرة المسيحيين من بلدان الشرق ستكون له عواقب وخيمة على قدرة شعوب المنطقة نفسها في العيش المشترك”.
ثم توجه البابا إلى كاتدرائية سيدة النجاة الكاثوليكية التي شهدت في عيد جميع القديسين في نوفمبر 2010 عملية احتجاز رهائن نفذها متطرفون إسلاميون انتهت بسقوط أكبر عدد من الضحايا في المجازر التي استهدفت مسيحيي العراق، إذ قتل خلالها 44 شخصا كانوا في الكنيسة وكاهنان وسبعة عناصر أمن.
وقال في الكنيسة بمنطقة الكرادة وسط بغداد “نجتمع اليوم (الجمعة) في كاتدرائية سيدة النجاة هذه، ونتبارك فيها بدماء إخوتنا وأخواتنا الذين دفعوا هنا ثمن أمانتهم للرب… غاليًا”. وأشار إلى “وجود دعوى تطويب مفتوحة” لهؤلاء “الشهداء”.
400
ألف مسيحي في العراق اليوم بعد أن كانوا 1.5 مليون في 2003
والتقى البابا في الكنيسة أساقفة وكهنة ورهبانًا وراهبات ومعلمي تعليم مسيحي ومسؤولين علمانيين. وقال لهم “أشكركم… على بقائكم قريبين من شعبكم، وعلى دعمكم له، وسعيكم لتلبية احتياجات الشعب ومساعدة كل واحد على القيام بدوره في خدمة الخير العام. وحثهم على “المثابرة في هذا الاجتهاد”.
ويشكو العراقيون المسيحيون من التمييز وعدم الحصول على مساعدة من الحكومة لاستعادة منازل لهم وممتلكات صودرت خلال النزاع على أيدي مجموعات مسلحة نافذة. ورغم ذلك يدعو البابا المسيحيين إلى البقاء في أرضهم.
وأدت سنوات من العنف والاضطهاد إلى تراجع عدد المسيحيين في العراق من 1.5 مليون في 2003 إلى 400 ألف فقط اليوم.
وسيزور البابا السبت والأحد النجف وأور وأربيل والموصل وقراقوش. ومن المقرر أن يلتقي (اليوم السبت) المرجع الشيعي علي السيستاني (90 عاما) الذي لم يظهر علنا بتاتا. كما سيشارك في لقاء يجمع ممثلين عن الأديان والمذاهب المختلفة بمن فيهم الأيزيديون والصابئة.
وسيكتفي جزء كبير من العراقيين بمشاهدة البابا من خلال شاشة التلفزيون، وسيستخدم البابا على الأرجح سيارة مصفحة في تنقلاته على طرق أعيد تأهيلها خصيصًا استعدادًا للزيارة، بالإضافة إلى مروحية وطائرة خاصة للتنقلات البعيدة سيعبر خلالها فوق مناطق لا تزال تنتشر فيها خلايا لتنظيم الدولة الإسلامية الذي أعلنت القوات العراقية الانتصار عليه وتحرير العراق منه منذ 2017.
وستغيب بسبب التدابير الوقائية من وباء كوفيد – 19 الحشود التي اعتادت ملاقاة البابا في كل زياراته، باستثناء القداس الذي سيحييه الأحد في الهواء الطلق بأربيل في كردستان بحضور نحو أربعة آلاف شخص حجزوا أماكنهم مسبقا للمشاركة فيه، علما أن المكان يتسع لعشرين ألف شخص.