كريتر نت – العرب
تتزايد المؤشرات على تورط إيران وميليشياتها في العراق بشكل مباشر في الهجوم الذي استهدف ميناء رأس تنورة ومرافق شركة أرامكو شرق السعودية، في ثاني هجوم من نوعه بعد الهجوم الذي استهدف منشأتي بقيق وهجرة خُرَيص في سبتمبر من العام الماضي والذي وصفه وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو بأنه “عمل حربي غير مسبوق”.
ونقلت وول ستريت جورنال عن مستشار بالديوان الملكي السعودي تأكيده أن مصدر الهجوم ربما يكون إيران أو العراق.
وبدت الاتهامات السعودية غير المباشرة لإيران بالوقوف خلف العملية أوضح بعد كشف مصدر مسؤول في وزارة الطاقة السعودية عن تعرض إحدى ساحات الخزانات البترولية في ميناء رأس تنورة في المنطقة الشرقية، الأحد، لهجومٍ بطائرةٍ مُسيرةٍ دون طيار “قادمة من جهة البحر”.
وكانت الرياض قد ردت على التصعيد الحوثي، المتمثل في إرسال إثنتيْ عشرة طائرة مسيرة مفخخة إلى داخل الأراضي السعودية، بالإعلان عن إطلاق عملية عسكرية نوعية تتضمن ضرب أهداف عسكرية في صنعاء وباقي المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون في شمال اليمن.
وتتباين أهداف التصعيد الحوثي بين محاولة تحييد طيران التحالف العربي لتسهيل مهمة إسقاط محافظة مأرب وبين تحسين الوضع التفاوضي على طاولة المشاورات النهائية، إضافة إلى ارتباط هذا التصعيد بالابتزاز الذي يمارسه النظام الإيراني على المجتمع الدولي في ما يتعلق بملفه النووي.
وتؤكد عمليات التصعيد الأخيرة التي تجاوزت الخطوط الحمراء، من خلال استهداف أكبر ميناء شحن بترول في العالم، استعداد طهران للمضي قدما في أي سباق إلى العنف، مستفيدة من حالة الارتباك الأميركي وأولويات الاتحاد الأوروبي المرتبطة بالعودة إلى الاتفاق النووي.
وتتعامل الحكومة السعودية مع الاعتداءات الأخيرة التي طالت المنشآت النفطية شرق السعودية بوصفها تصعيدا يتجاوز النطاق المحلي بالنظر إلى تداعياته على الاقتصاد العالمي. ووصف مصدر مسؤول في وزارة الطاقة السعودية الهجمات الحوثية الأخيرة بأنها انتهاك سافر لجميع القوانين والأعراف الدولية، وأنها تستهدف، بدرجة أكبر، الاقتصاد العالمي.
ودعا المصدر دول العالم ومنظماته إلى “الوقوف ضد هذه الأعمال الموجهة ضد الأعيان المدنية والمنشآت الحيوية، والتي تستهدف أمن واستقرار إمدادات الطاقة في العالم، بسبب تأثير هذه الأعمال على أمن الصادرات البترولية، وحرية التجارة العالمية، وحركة الملاحة البحرية، فضلاً عن تعريض السواحل والمياه الإقليمية لكوارث بيئية كبرى، يمكن أن تنجم عن تسرّب البترول أو المنتجات البترولية”.
وتوعدت وزارة الدفاع السعودية، على لسان متحدثها الرسمي تركي المالكي، باتخاذ “الإجراءات اللازمة والرادعة لحماية مقدراتها ومكتسباتها الوطنية بما يحفظ أمن الطاقة العالمي ووقف مثل هذه الاعتداءات الإرهابية لضمان استقرار إمدادات الطاقة وأمن الصادرات البترولية وضمان حركة الملاحة البحرية والتجارة العالمية”.
وفيما سارع الحوثيون على لسان ناطقهم العسكري يحيى سريع إلى تبني العملية التي قال إنها تمت باستخدام أربع عشرة طائرة مسيرة وثمانيةَ صواريخَ باليستيةٍ، في سياق ما سماه “عمليةِ توازُن الردعِ السادسة”، تشير أصابع الاتهام إلى الميليشيات التابعة لإيران في العراق التي اتهمت بالوقوف خلف عملية استهداف منشأة بقيق العام الماضي، الأمر الذي يوسع دائرة المسؤولية لتشمل النظام الإيراني بصورة مباشرة بعد أن كانت طهران تُتهم عادة بإرسال الصواريخ والطائرات المسيرة إلى الحوثيين فقط.
وجدد المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودية اتهام إيران بتهريب صواريخ وطائرات مسيرة إلى جماعة الحوثي اليمنية التي كثفت هجماتها على المملكة عبر الحدود.
وأضاف العميد تركي المالكي في تصريحات صحافية الاثنين أن “الصواريخ الباليستية والمسيرات المفخخة هربها نظام إيران إلى الحوثيين”.
واتخذت عمليات الحوثي تجاه السعودية منحى تصاعديا، بعد ظهور الضابط في الحرس الثوري الإيراني حسن إيرلو في صنعاء وإعلان طهران تعيينه سفيرا لها لدى الحكومة الحوثية غير المعترف بها دوليا.
وتشير معطيات عديدة إلى سيطرة طهران بشكل كامل على غرفة عمليات الميليشيات الحوثية وتوجيهها إلى ما يخدم السياسات الإيرانية في المنطقة، حتى لو ترتب على ذلك إلحاق ضرر مباشر على الجماعة الحوثية ومفاقمة عزلتها، كما هو حادث اليوم.
وشهد الموقف الأميركي تغيرا طفيفا بعد رفع الجماعة من قائمة المنظمات الإرهابية، على ضوء الانتقادات التي وجهت لواشنطن والتي تتهمها بإرسال إشارات خاطئة إلى الحوثيين ساهمت في تصعيد هجماتهم العسكرية في الداخل والخارج.
وقالت السفارة الأميركية في السعودية في تدوينة على تويتر باللغة العربية “تدين السفارة الأميركية الهجمات الحوثية الأخيرة على السعودية. تُظهر اعتداءات الحوثيين الشنيعة على المدنيين والبنية التحتية الحيوية عدم احترامهم للحياة البشرية وعدم اهتمامهم بالسعي لتحقيق السلام”.
وأضافت “تقف الولايات المتحدة إلى جانب السعودية وشعبها. إن التزامنا بالدفاع عن المملكة وأمنها أمر ثابت”.
وفي مؤشر جديد على إمساكها بزمام القرار الحوثي في اليمن واصلت الخارجية الإيرانية على لسان المتحدث باسمها، سعيد خطيب زادة، التلويح بملف الحرب في اليمن وبعْث رسائل إلى المجتمع الدولي يفيد فحواها بأن حل الأزمة اليمنية يكمن في طهران.
وقال زادة “يتعين على السعودية إنهاء الحرب على اليمن”، وأشار إلى أن “جذور الأزمة اليمنية تعود إلى الحرب التي شنتها السعودية، وتوجيه الاتهامات لطهران لن يحل الأزمة”.
ولفت متحدث الخارجية الإيرانية في الوقت نفسه إلى أن “طهران مستعدة للمساعدة بشكل مؤثر في إنهاء الأزمة اليمنية، في حال أنهت الرياض الحرب”، مضيفا “إنهاء الحرب في اليمن ورفع الحصار عنه سيؤديان إلى تسوية الأزمة دبلوماسيا”.
ويرى مراقبون أن التصعيد الحوثي سيأتي بنتائج عكسية، أبرزها تراجع التعاطف الغربي مع المتمردين، وإلغاء أي مبررات إنسانية أو سياسية كانت تستخدم للضغط على التحالف العربي لوقف عملياته الجوية في اليمن التي استؤنفت الأحد بعد توقف طويل نسبيا، وهو ما برره التحالف بأنه رد على الهجمات الحوثية التي طالت المدن السعودية باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة المفخخة، مشددا على أن العملية “تتوافق مع القانون الدولي الإنساني وقواعده العرفية”.
وعبّر المراقبون عن توقعهم أن يفضي سباق التصعيد بين الحوثيين المدعومين من إيران والتحالف العربي بقيادة السعودية إلى أحد أمرين، إما الدفع باتجاه إخراج تسوية سياسية للملف اليمني تُطَمئن دول التحالف من خلال حماية أمنها الحيوي والإستراتيجي أو اتساع دائرة المواجهات لتشمل أذرعا إيرانية أخرى، وتصاعد المواجهات العسكرية في مناطق المواجهات بين قوات الحكومة والمقاومة اليمنية والحوثيين، وخصوصا في جبهة مأرب، مع احتمال انهيار اتفاق السويد وتجدد المواجهات في الساحل الغربي وبقية الجبهات المجمدة الأخرى.