كريتر نت – القاهرة
ضاعف المسؤولون الأتراك من تصريحاتهم الهادفة إلى إذابة الجليد مع مصر ودول الخليج، في وقت بدا فيه أن أنقرة استفاقت بعد المصالحة الخليجية على خسارة فرص استثمارية واقتصادية كبيرة وعلى تراجع معنوي خطير دون أن تغنم شيئا ذا قيمة بسبب دورها في تعميق الخلاف بين قطر ورباعي المقاطعة.
لكن هجوم “الود” التركي الذي يستهدف مصر ودول الخليج، وانقلاب مواقفها 180 درجة، لم يمنعا أنقرة من الاستثمار في مواضيع أخرى مثل الصومال وسوريا وأفغانستان، ما يثير شكوكا في نواياها.
وسعى مسؤولون أتراك على أعلى مستوى للترويج، في تصريحات متعددة وعلى مدى الأيام الأخيرة، إلى تأكيد عودة الدفء إلى العلاقة مع مصر بعد سنوات من التوتر بسبب دعم تركيا للإخوان المسلمين وحملتها على القيادة المصرية بعد إسقاط حكم الإخوان في يونيو 2013.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن الاتصالات “ليست على أعلى مستوى، لكنها عند المستوى التالي له مباشرة. يحدونا الأمل في أن نتمكن من مواصلة هذه العملية مع مصر بقوة أكبر”.
ونقلت وكالة الأناضول الحكومية للأنباء عن وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو قوله “نجري اتصالات مع مصر على مستوى المخابرات ووزارة الخارجية… بدأت الاتصالات على المستوى الدبلوماسي”
ياوز بيدر: تركيا أصبحت في وضع التلويح بغصن الزيتون فجأة
وأكدت مصادر مصرية لـ”العرب”، أن القاهرة تعتبر أيّ مصالحة مع أنقرة يجب أن تفضي إلى تعليق دورها في القضايا الشائكة، ويعدّ الوصول إلى هذه النقطة غاية المراد في المرحلة الراهنة، و”إذا أوفت تركيا بذلك تكون مصر قد أزالت عقبات كبيرة لتتفرغ لدورها في المنطقة بدلا من ملاحقة المطبات التي تقف خلفها أنقرة”.
وقال مصدران من المخابرات المصرية لوكالة رويترز إن تركيا اقترحت عقد اجتماع لبحث التعاون، لكنهما ألمحا إلى أن الاتصالات ما زالت في مراحل تمهيدية.
وقال المصدران إن مسؤولا أمنيا مصريا تلقى اتصالا هاتفيا من مسؤول في المخابرات التركية، الخميس، يبدي الرغبة في عقد اجتماع بالقاهرة لبحث سبل التعاون على الأصعدة الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية.
وأضافا أن المسؤول المصري رحب بالدعوة ووعد بالرد في أسرع وقت ممكن.
وجاءت المكالمة في أعقاب اتصالات غير رسمية بين مسئولين أمنيين مصريين وأتراك لبحث سبل التواصل بين الجانبين. وبحسب المصدرين، لم تُطرح قضية الحدود البحرية، التي تمثل مصدر توتر بين تركيا ودول أخرى في شرق البحر المتوسط.
وزاد منسوب التصريحات التركي تجاه مصر بعد ما اعتبروه إشارات إيجابية من القاهرة بشأن موضوع الغاز في شرق المتوسط.
واعتبر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الجمعة، احترام مصر الجرف القاري لتركيا خلال طرحها مناقصة للتنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط، خطوة مهمة لتحقيق السلام والاستقرار الإقليميين.
وكشف مصدر مصري لـ”العرب”، رفض ذكر اسمه، أن “غالبية الإشارات الودية لم تنضج بعد وهي إعلامية أكثر منها سياسية، ويصعب اتخاذها دليلا قاطعا على حُسن نوايا أنقرة، فالمطلوب عدم التدخل بأيّ شكل من الأشكال في الشؤون الداخلية المصرية، والحفاظ على مصالحنا الإقليمية”.
ونفى مصدر رسمي مصري في تصريح نشرته وسائل إعلام محلية، الجمعة، وجود ما يطلق عليه ‘استئناف الاتصالات الدبلوماسية”، مؤكدا أن بلاده تتوقع من أي دولة تتطلع إلى إقامة علاقات طبيعية معها أن تلتزم بقواعد القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار وأن تكف عن محاولات التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.
وستكون إعادة بناء الثقة مهمة عسيرة، وهو أمر بدا واضحا بشكل جليّ لدى القاهرة، حيث قال وزير الخارجية المصري سامح شكري الأسبوع الماضي إن جامعة الدول العربية تعرب عن رفضها القاطع للتدخلات العسكرية التركية في سوريا والعراق وليبيا. ويقول مراقبون إن شكوكا واسعة، ليس فقط لدى مصر والسعودية والإمارات، ولكن حتى داخل تركيا، ما تزال تسيطر على تقييم الانعطافة في مواقف المسؤولين الأتراك، وأن هناك تخوفات من أن تكون مجرد مناورة مؤقتة هدفها إرسال إشارات طمأنة وكسب ود بانتظار مرور عاصفة الضغوط التي تحيط بأنقرة، خاصة مع استلام إدارة أميركية جديدة لا تخفي معارضتها لسياسات أردوغان.
واعتبر الكاتب السياسي التركي ياوز بيدر أنه مع تصريحات أردوغان وجاويش أوغلو حول مصر السعودية والإمارات “يبدو أن تركيا أصبحت في وضع التلويح بـ’غصن الزيتون’ فجأة”.
لكنه استدرك قائلا إن هذا التطور “لم يكن في واقع الأمر مفاجئا، حيث كشفت هذه التغييرات عن النتائج السلبية لتحركات أردوغان ومواقفه التي شملت الشرق الأوسط وشرق المتوسط خلال السنوات الماضية”.
وأضاف بيدر أن هذه الاستدارة الكلية تفرض على أردوغان أن يتخلى عن دعمه العلني للإخوان، وربما للجهاديين في سوريا أيضا. كما قد يُطلب منه البدء في خطوات عملية لبناء الثقة.
أنقرة تبحث عن ترسيخ موطئ قدم لها في الصومال
وبالتوازي مع مصر، أرسل الرئيس التركي ووزير خارجيته تصريحات تظهر رغبة واضحة في كسب ثقة السعودية والإمارات، وذلك بعد مرور أسابيع على المصالحة الخليجية دون أن تحصل أنقرة على ما كانت تنتظره من عودة سريعة للمستثمرين الخليجيين ومن حراك اقتصادي كان تعطل تحت وقع مقاطعة شعبية.
وقال جاويش أوغلو “لا يوجد ما يمنع تحسين العلاقات مع السعودية. في حال أقدمت السعودية على خطوات إيجابية فسنقابلها بالمثل والأمر ذاته ينطبق على الإمارات. لا نريد التشاحن مع أحد”، مضيفا “لم نوجه اللوم قط للقيادة السعودية”، في إشارة إلى الاستثمار التركي في موضوع خاشقجي الذي أثار غضبا واسعا في الرياض ولا يتوقع أن ينسى السعوديون ما فعله الأتراك على هذا المستوى.
عمر علي البدوي: هل تتصرف تركيا بدافع نزيه أم مجرد مخاتلة
ويعتقد متابعون للشأن الخليجي أن التصريحات التركية لا يمكن أن تلفت نظر السعوديين والإماراتيين ما لم تتبعها خطوات عملية تظهر أن أنقرة تراجع بشكل جدي عداءها للخليجيين ومصالحهم الإقليمية، وأنها على استعداد لمراجعة تحالفاتها إذا كانت تتعارض مع أمنهم القومي، وهو أمر مشكوك فيه وسط ميل لاعتبار الموقف التركي مجرد مناورة ظرفية تتم تحت الضغوط وبفعل التغييرات الإقليمية والدولية.
وتساءل الكاتب السعودي عمر علي البدوي “هل تتصرف تركيا بدافع نزيه نحو إصلاح علاقتها مع الدول العربية، أم أن موقفها مجرد مخاتلة”، مشككا في أن تكون مؤهلة حتى الآن لإجراء تغيير حقيقي في سياستها، ورفع العراقيل أمام تحقيق علاقة مثمرة ومريحة مع جيرانها العرب.
وما يزيد من حجم الشكوك الإقليمية في المواقف التركية الأخيرة هو استمرار استراتيجية أنقرة في ملفات أخرى مثل الصومال وسوريا، وهي ملفات يتعارض فيها الدور التركي مع المصالح الخليجية والمصرية، كما تظهر أن تركيا لا يمكن أن تتحوّل إلى شريك حقيقي للعرب في ملف الأمن القومي، وهي أقرب إلى خصومهم.
وفيما تعمل دول عربية مثل السعودية والإمارات ومصر على الدفع إلى حل سياسي في سوريا يعيدها إلى عمقها العربي، ويوقف معاناة السوريين، لا تخفي أنقرة رغبتها في استمرار الحرب بالرغم من الأزمة الإنسانية.
ويهدّد الدور التركي في الصومال، خاصة ما تعلق بتدريب الميليشيات وتسليحها وبناء قواعد عسكرية، استقرار البلاد ويعوق خطط دول خليجية في مساعدة مقديشو، في سياق استراتيجية أشمل لتأمين الأوضاع في القرن الأفريقي والدول المطلة على البحر الأحمر كونها تمثل حزاما للأمن الخليجي.
المصدر : العرب اللندنية